السعودية تفصح عن آليات مبتكرة لإدارة عوائد النفط يتصدرها بناء المجمعات البتروكيماوية

وزير البترول السعودي يؤكد أن المملكة نجحت على مدى عقود في مد العالم بالموارد الطبيعية بموثوقية عالية

مجمع «صدارة» الذي يعد أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم ويضم 26 مصنعا مختلفا («الشرق الأوسط»)
TT

أفصحت السعودية أمس عن آليات واضحة ومبتكرة للاستفادة بصورة أكبر من عوائد النفط، يتصدرها التوسع في مجمعات متكاملة لتكرير النفط على أحدث طراز، من خلال تأسيس مشاريع مشتركة مع شركات عالمية مرموقة، تتضمن إنشاء المصافي المتكاملة، إلى جانب التوسع في صناعة المعادن.

وقال المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، إنه «في الوقت الذي حققت فيه السعودية فوائد اقتصادية جمة من جراء تصدير الموارد الطبيعية إلى مختلف دول العالم، فإن ذلك وحده لم يكن كافيا لتوفير أعداد كبيرة من الفرص الوظيفية للأعداد المتزايدة من سكان المملكة، كما أنه لا يسهم في تحقيق العائدات المرجوة للمملكة وزيادتها إلى الحد الأقصى، لذلك خطت المملكة خطوات مهمة في سبيل تمهيد الأوضاع اللازمة لوضع أسس اقتصادية بعيدة المدى وأكثر استدامة للبلاد».

وأوضح النعيمي في كلمه له ألقاها أمس في معهد كلينخينديل للعلاقات الدولية في لاهاي بهولندا، أن «تلك الخطوات تستند إلى إنشاء المصافي المتكاملة، والصناعات البتروكيماوية، وصناعة المعادن، بغرض الإسهام في تحقيق القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، وتعزيز الأنشطة الاقتصادية، وتأسيس أعمال وأنشطة تجارية تساعد السعودية على تحقيق ما نصبو إليه، والعمل على خلق فرص وظيفية مستدامة للشباب السعودي». وأضاف أن «شعب المملكة يمثل لنا أعظم الأصول في هذه الحياة. قد يبدو هذا الحديث غير ذي قيمة، لكنه الإجراء الصحيح بكل تأكيد، وهذا ما يجعلنا نستثمر في التعليم بصفة أشمل وأوسع، ونولي أهمية كبرى للأنشطة المتعلقة بالبحث والتطوير». وقال إن «السعودية نجحت ولعدة عقود من الزمان في تصدير الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن إلى العالم بموثوقية تامة، مما ساعد في المقابل على تعزيز النمو الاقتصادي في المملكة والعالم على حد سواء».

وفي ما يتعلق بالطاقة، أكد الوزير النعيمي أن السعودية تعكف حاليا على بناء مجمعات متكاملة لتكرير النفط على أحدث طراز، من خلال تأسيس مشاريع مشتركة مع شركات عالمية مرموقة، وتعمل المملكة كذلك على تكامل هذه المجمعات مع مراكز صناعية جديدة ستعمل بدورها على تشجيع الفرص التجارية واستقطابها في جميع أنحاء المملكة، مشيرا إلى الشراكات مع شركة «سوميتومو كيميكال» اليابانية، وشركة «توتال» الفرنسية، وشركة «داو كيميكال» الأميركية. وأفاد المهندس النعيمي بأن المملكة تعمل حاليًا على بناء مجمعات صناعية متكاملة أو تطويرها وتوسعتها في كل من الجبيل ورأس الخير في شرق المملكة، وفي منطقة جازان في جنوبها، ووعد الشمال في شمال المملكة، فضلا عن تطوير الصناعات البتروكيماوية من أجل إنتاج مواد يمكن استخدامها في مجالات الصيدلة، وصناعة الدهانات والأصباغ، والمنظفات، واللدائن (البلاستيك)، والسلع الاستهلاكية، في الوقت الذي تولي فيه المملكة اهتماما متزايدا لتحقيق أكبر عائد ممكن من ثرواتها المعدنية.

وأوضح أن حجم هذه المشاريع بلغ نطاقه حدودا غير مسبوقة، حيث ستعمل هذه المشاريع على دفع عجلة الاقتصاد السعودي، وتوفير العديد من الفرص الوظيفية لسكان المملكة، وفتح آفاق جديدة للمستثمرين تمثل مستقبل المملكة العربية السعودية، وهي جزء من استراتيجية انتقالية متكاملة تتبناها المملكة.

وقال وزير البترول والثروة المعدنية «لا يُغفل كل هذا التنوع الصناعي في السعودية الاهتمام الكبير والمتزايد الذي توليه المملكة للمسائل المتعلقة بالبيئة والمناخ، والمملكة محقة في تبني هذا التوجه، لأن الواقع يؤكد على أن الاعتماد على النفط والغاز سيستمر في المستقبل المنظور على أقل تقدير، وستستمر الموارد الطبيعية الهائلة الموجودة في العالم في تحريك عجلة الاقتصاد في جميع دول العالم لعشرات السنين، ولذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: كيف نعمل على التخفيف من الآثار الجانبية السلبية الناجمة عن استهلاك هذه الموارد شخصيا؟ أعتقد اعتقادا جازما أن التقنية هي الحل الرئيس لذلك».

وأضاف «تعمل السعودية على تبني عدد من الإجراءات في هذا المجال على جبهتي العرض والطلب، وهو ما نعتقد أنه سيتمخض عن آثار إيجابية كبيرة مع مرور الوقت، كما أن الأبحاث مستمرة في العديد من المبادرات، مثل المبادرات المتعلقة بالطاقة الشمسية واستخلاص الكربون وتخزينه، وقد أسسنا شراكات مثمرة مع هولندا في هذا المجال، خاصة في ما يتعلق بالعمل على تقنية استخلاص الكربون وتخزينه، باعتبار ذلك جزءا من مبادرات الممالك الأربع، إلى جانب مملكة النرويج والمملكة المتحدة، وأعتقد أنه لن يمكننا تحقيق أهدافنا المشتركة إلا من خلال العمل مع بعضنا البعض». وواصل القول «نهدف إلى مواصلة العمل بهذه السياسات الاقتصادية والصناعية على الصعيد المحلي بتناغم مع أولوياتنا على الصعيد الدولي، ونهدف إلى تأكيد مكانتنا ودورنا بصفتنا موردا موثوقا وثابتا للنفط الخام إلى جميع دول العالم».

وتحدث المهندس علي النعيمي عن الآثار المحتملة للنفط الصخري التي يمكن أن تنجم عن الاكتشافات الجديدة التي حققتها الولايات المتحدة الأميركية على صعيد النفط الصخري على الأسواق العالمية، خاصة على المملكة، مشيرا إلى أن «جميع مصادر الطاقة الجديدة تلقى من السعودية كل ترحيب وتشجيع، وذلك لعدة أسباب، فعلى المدى الطويل سيشهد العالم زيادة سكانية مطردة، وكذلك الطبقة الوسطى أيضا، هذه حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل، وإذا أضفنا إلى ذلك النمو المتسارع الذي يشهده الاقتصاد العالمي، فإنه تتضح ضرورة توافر المزيد من إمدادات الطاقة لتلبية الطلب عليها من قبل أعداد السكان المتزايدة في العالم».

وأضاف «إلى مرحلة قريبة كانت ذروة إنتاج النفط تشكل الخطر الأكبر الذي يواجه العالم، فقد حاولوا إيهامنا بأن النفط سينفد من على وجه هذه البسيطة، فاكتُشف النفط الصخري وأسهم في تكذيب هذه الخرافة. لم نؤمن يومًا بحقيقة ذروة إنتاج النفط وصدقيتها، كما أننا لا نؤمن بأن التطورات الأخيرة التي طرأت في مجال النفط الصخري تعني أننا سنغرق في بحار مائجة من النفط. كل ما أتى به النفط الصخري هو أنه أوجد شعورا بالأمن لدى العملاء، وهذا أمر إيجابي بكل تأكيد».

وأشار إلى أن النفط الصخري، والغاز الصخري، جاءا ليحققا دفعة كبيرة لقطاع الصناعة الأميركي، في الوقت الذي يشهد فيه الطلب العالمي زيادة مطردة على الطاقة على المدى البعيد، موضحا أن «السعودية تؤمن بأن النفط الصخري سيضيف مزيدًا من العمق والطمأنينة للأسواق العالمية، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة استقرار الأسواق». وأوضح النعيمي أن «الجدل حاليا يحتدم في الولايات المتحدة حول مدى قدرتها أو استعدادها للتصدير، وحول الأثر الذي قد يحدثه ذلك أو لا يحدثه على الأسعار، لا أحد يعلم شيئا عن ذلك، ولكن بما أن تكلفة إنتاج مصادر الطاقة من الطبقات الصخرية مرتفعة نسبيا، فإن النفط الصخري يساعد على تحديد حد أدنى لأسعار النفط، وهذا سيؤدي بدوره إلى تعزيز الاستثمارات طويلة الأمد التي تتطلبها صناعة الطاقة».

وقال «من وجهة نظر سعودية، أو، بتعبير أدق، من وجهة نظر دولة منتجة، فإن أهم ما في الأمر يكمن في استقرار الأسعار، فالتقلبات الحادة ليست في صالح أي طرف من الأطراف على الإطلاق».