استياء داخل البرلمان الأوروبي من استغلال ملف التجارة الحرة مع واشنطن في الانتخابات

بعد تهديد أحزاب برفض الاتفاقية للحصول على مزيد من الأصوات

جانب من اجتماعات سابقة للبرلمان الأوروبي («الشرق الأوسط»)
TT

أعرب نواب من عدة أحزاب داخل البرلمان الأوروبي عن استيائهم من محاولة بعض الأحزاب الأوروبية استغلال ملف المفاوضات بين بروكسل وواشنطن حول اتفاق للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية في الحملات الانتخابية التي انطلقت استعدادا للانتخابات المقررة الشهر المقبل لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي الجديد، وجاء ذلك خلال جلسات آخر دورة يعقدها البرلمان بتشكيلته الحالية التي انعقدت طوال الأسبوع في ستراسبورغ، ومن خلال بيان وزع في بروكسل يتضمن مداخلته أمام النواب الأوروبيين، قال هانز سوبودا رئيس كتلة الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية في البرلمان الأوروبي، إن هناك شائعات سخيفة وإنصاف حقائق وأكاذيب متداولة حول مفاوضات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفي الحقيقة هي اتفاقية بها إمكانات ضخمة لخلق فرص العمل وتحقيق النمو في أوروبا، ولذلك سوف نساند هذه المفاوضات، مع الوضع في الاعتبار أن هناك خطوطا حمراء تتعلق بعدم الإخلال بالمعايير الأوروبية في مجال الحقوق الاجتماعية والعمل.

وأعرب رئيس الكتلة البرلمانية عن استيائه من استخدام البعض للمفاوضات في الحملات الانتخابية التي تسبق انتخابات البرلمان الأوروبي، وقال سوبودا إن هناك أحزابا أوروبية قالت إنها سترفض الصفقة بصرف النظر عن محتواها، وأخرى قالت إنها ستواصل دعم الاتفاقية بغض النظر عن مضمونها، «ولكن الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية ستواصل عملها من أجل إجراء تحسينات بناءة في الاتفاق تضمن خلق فرص العمل، والفرص للشركات المتوسطة والصغيرة في أوروبا، وأما عن موقفنا من الاتفاقية فسوف ننتظر حتى انتهاء المفاوضات لنحدد إذا كنا سنصوت لصالحها أم لا، وذلك بناء على مضمون الاتفاقية».

ونوه سوبودا بأن الاتفاقية حتى تكون مفيدة لا بد من عدم المساس بمعايير الاتحاد الأوروبي بشأن العمالة وحماية المستهلك وسلامة الأغذية، وأن يتضمن الاتفاق بنودا بشأن تنظيم الخدمات المالية وأيضا أحكاما لتعزيز حقوق العمال وتتوافق مع التشريعات.

واختتم سوبودا بالإشارة إلى ضرورة الالتزام بالشفافية بشأن العملية التفاوضية ويجب نشر كل الوثائق الأساسية ومن بينها المواعيد المحددة لبدء وانتهاء التفاوض لأن الشفافية هي الوسيلة الوحيدة لفتح نقاش واع وعقلاني، ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان المفوضية الأوروبية ببروكسل عن إطلاق مشاورات عامة على الإنترنت، بشأن ملف حماية الاستثمار في اتفاقية التجارة الحرة والشراكة الاستثمارية التي تجري مفاوضات بشأنها بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

وقال مفوض شؤون التجارة الخارجية كارل ديغوشت إنه «يتفق تماما مع الذين يرون أن التسوية لأي نزاع بين المستثمر والدولة أسفرت حتى الآن عن أمثلة عدة من حالات القلق البالع بشأن مقاضاة المستثمر للدولة». وأضاف المسؤول الأوروبي في بيان للمفوضية: «والمشكلة تكمن في بنود اتفاقات الاستثمار الموجودة حاليا والتي تبلغ ثلاثة آلاف اتفاقية في جميع أنحاء العالم، والبعض منها يتضمن صياغة قانونية غامضة، تركت الاتفاقيات عرضة للتفسير بأشكال مختلفة من جانب المحاكم المختصة، والسبيل الوحيدة أن نضع حدا لهذا الأمر بغلق الثغرات القانونية، وإعادة النظر في معايير حماية الاستثمار، من خلال بدء نظام قانوني محدد لضمان وجود لغة قانونية واضحة ومفصلة، ولا تسمح بجدل أو تفسير غير مقصود، ويخلق نظاما يتمتع بالشفافية والخضوع للمساءلة».

وقال المفوض الأوروبي إنه لهذا السبب قرر فتح النقاش والتشاور عبر الإنترنت لتوضيح الأمور وإظهار الحقائق والتفكير معا في هذه القضايا وكيفية الحصول على الحقوق فيها، وسيجري نشر نتائج هذه الأمور. وأضاف أنه سيكون هناك نقاش بشأنها في البرلمان الأوروبي، وأيضا من خلال الدول الأعضاء التي يمثلها المجلس الوزاري، حول المضي قدما على طريق حماية المستثمر في اتفاقية التجارة الحرة والشراكة الاستثمارية، التي يجري التفاوض مع الجانب الأميركي بشأنها.

وقالت المفوضية في بيان إن هذه الخطوة تأتي جزءا من الجهود المستمرة لجعل المفاوضات مع واشنطن أكثر انفتاحا وشفافية، ولهذا تطلق المشاورات العامة بشأن حماية المستثمر ومسألة تسوية نزاعاته مع الدولة في بنود اتفاقية التجارة الحرة والشراكة الاستثمارية عبر الأطلسي، كما رأت المفوضية أن تطلق هذا النقاش العام مع الجمهور كرد فعل على بعض المخاوف والنقاش المتزايد حول الاتفاقية مع واشنطن، وذلك من أجل تحديد أفضل نهج للاتحاد الأوروبي لحماية المستثمر أثناء عملية التفاوض، وقد سبق أن أتيحت الفرصة لأصحاب المصلحة لتقديم وجهات نظرهم في البنود التي يجري التفاوض بشأنها، وقالت المفوضية إنها تريد ضمان حماية المستثمر وضمان أفضل الممارسات، ولا يتعلق الأمر فقط بالاتفاقية مع واشنطن، وإنما جميع اتفاقات الاستثمار الجديدة والمستقبلية في الاتحاد الأوروبي.

وخلال القمة الأوروبية الأميركية التي انعقدت في بروكسل أواخر الشهر الماضي جرت مناقشة تطورات مسلسل التفاوض الجاري حاليا بين الجانبين بشأن اتفاق للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية، وعرفت القمة توجيه رسالة أميركية للرأي العام الأوروبي بأن هذه الاتفاقية لن يكون لها أي تداعيات سلبية على البيئة والصحة، وإنما سيكون لها فوائد تنموية واستثمارية للمواطنين في ضفتي الأطلسي، وأيضا للاقتصاد العالمي، حسب ما جاء على لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما. وقال في المؤتمر الصحافي الختامي: «لن أوقع على اتفاقية يمكن أن يكون لها أضرار على البيئة والصحة».

وترى المفوضية الأوروبية أن اتفاقية شاملة للتجارة والاستثمار يمكن أن تزيد الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنسبة تتراوح بين 0.27 في المائة و0.48 في المائة، والدخل القومي الإجمالي الأوروبي بنسبة تصل إلى 86 مليار يورو، وحسب الأرقام الصادرة عن الاتحاد الأوروبي سيؤدي هذا الاتفاق الطموح إلى تحقيق مكسب للأسرة الأوروبية كل عام سيصل إلى 545 يورو، وستعزز الاقتصاد الأوروبي بنسبة ما بين 0.5 في المائة وواحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو 119 مليار يورو سنويا.

واختتمت في بروكسل منتصف مارس (آذار) الجولة الرابعة من المفاوضات، وشدد الجانبان على الالتزام المشترك باستكشاف السبل لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستفادة من الاتفاقية بين الجانبين، حسب ما جاء على لسان رئيس فريق التفاوض الأوروبي إغناسيو غارسيا ونظيره الأميركي دان ميولاني في تصريحات عقب انتهاء الاجتماعات التي استغرقت خمسة أيام من العاشر إلى الرابع عشر من الشهر الماضي.

وأضاف إغناسيو أن جزءا كبيرا من التفاوض تركز على الشركات أو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مصدرا أساسيا لتوظيف عدد كبير من الناس، فهي التي توفر ما يقرب من 70 في المائة من فرص العمل في القطاع الخاص، ولهذا تعد العمود الفقري للاقتصاد، وستعمل الاتفاقية المشتركة على توسيع إمكانيات توليد فرص العمل والنمو على ضفتي الأطلسي، وجرى نشر وثيقة مشتركة حول التركيز على هذا الملف.

وعقب استعراض التقدم الذي أحرز في الجولات الثلاث الماضية، ناقش المفاوضون عناصر أخرى رئيسة هي الوصول إلى الأسواق، وتعريفات التجارة في الخدمات، والمشتريات العامة، وأيضا التنظيم، وجرى في هذا الصدد دراسة التماسك التنظيمي، وزيادة التوافق التنظيمي، وانضم خلال النقاش عدد من الخبراء من كلا الجانبين، إلى جانب مناقشة الحواجز التقنية أمام التجارة، كما جرى تقديم مقترحات مكتوبة بشأن التدابير الصحية والصحة النباتية، وتواصل النقاش بشأن سبل تحقيق التوافق التنظيمي في بعض الصناعات الرئيسة مثل مستحضرات التجميل والأجهزة الطبية، والسيارات، والمواد الكيميائية، كما جرى تبادل الرأي حول موضوعات تتعلق بالتنمية المستدامة، والعمل، والبيئة، والتجارة في الطاقة والمواد الخام، إلى جانب تبسيط الإجراءات الجمركية والتجارة، وكيفية إنهاء المعاناة بسبب قواعد التخليص الجمركي المطولة.