البحرين في ربيعها الثقافي.. أرضها احتضنت العالم كله

الشيخة مي آل خليفة: الثقافة أكثرت فينا الحب والأمل والفرح

حفل «في الربيع.. تزور الأغنيات شجرة الحياة»
TT

في جزيرة اعتادت شواطئها الترحيب بالزوار من كل مكان، لتخلق لهم عالما من البهجة والفرح، احتضنت مملكة البحرين للعام التاسع على التوالي الثقافة مهرجانا وربيعا في الوقت ذاته، حيث أوجدت من خلال هذه الفكرة بابا مفتوحا على السياحة الثقافية في المنطقة، وفي مملكة البحرين على وجه التحديد.

فكرة المهرجان الأساسية هي استقطاب فعاليات إقليمية وعالمية بهدف استقطاب زوّار أجانب للتعرف على البحرين عن قرب وتشجيع السياحة الداخلية في الوقت ذاته وإشاعة فكرة الجمال ورفع مستوى الذائقة الثقافية لدى الجماهير في كل مكان. وأكدت وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أن ربيع الثقافة بموسمه السنوي يستلهم أجمل ما تصنعه الشعوب ويتّصل بالأوطان الأخرى من خلال منجزاتها الثقافية والفكرية. وقالت «الثقافة أكثرت فينا الحب والأمل والفرح. استطعنا خلال فترة قصيرة أن نحقق العديد من المنجزات على مستوى الوطن العربي والعالم، والتي صارت في الآونة الأخيرة تحتفي بمنجزنا المحلي وتقاسمنا تجاربها كما حدث في المنامة عاصمة الثقافة العربية 2012، والمنامة عاصمة السياحة العربية 2014، وصولا إلى عامنا هذا مع حدث المنامة مدينة السياحة الآسيوية».

في هذه النسخة التاسعة التي حملت عنوان «قوس فرح»، تضمنت فعاليات مهرجان ربيع الثقافة عروضا متنوعة، شملت الموسيقى، الغناء والرقص، المسرح، الفن التشكيلي، الشعر والأدب، المحاضرات الثقافية والنقدية والفكرية، ناهيك عن الندوات وورش العمل التي يخصصها المهرجان للأطفال والناشئة والشباب.

ربيع الثقافة يجسد بطبيعته شراكة دائمة ما بين الجهات الحكومية والجهات الأهلية في البحرين، مثل مجلس التنمية الاقتصادية، ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، ودار البارح للفنون التشكيلية، ومساحة الرواق للفنون ولافونتين غاليري. ويمثل هذا الربيع صميم اشتغال مجلس التنمية على استقطاب المستثمرين والسياح، فمشاركة الفِرَق العالميّة تشكل جاذبا للبيئة الحاضنة لهذا التنوع الثقافي، ويكشف عن قدرة المنامة على استيعاب مختلف التوجهات والأفكار، كما يندرج في استراتيجية وزارة الثقافة التي تعزز المشاركة المجتمعية والأهلية في صياغة المفعولات الثقافية والحضاريّة، وتسعى إلى تكامل مختلف الجهات بأدوارها وتوجهاتها.

اشتمل برنامج ربيع الثقافة هذا العام على عدة ألوان، عالمية وإقليمية ومحلية، فمن اللون العالمي مثلا كانت هناك معارض شاركت فرحة الربيع بينها معرض شكيب سابانجي من تركيا بعنوان «خمسمائة عام من روائع الخط الإسلامي»، ومعرض الماكي الياباني، ومعرض طريق الحرير الصيني.

أما على صعيد المسرح العالمي فكان هناك عرض أسطورة طروادة التاريخية من خلال عرض فرقة نار الأناضول التركية، ومسرحية جبران من إنجلترا، وعرض الباليه الصيني لياونينغ ضمن أنشطة الأسبوع الثقافي الصيني في البحرين. وللأطفال كان هناك عرض الدودة الجائعة لإريك كارل ومسرح ميرميد نوفا سكوتيا الكندي، ومسرحية الطفل والوصفات السحرية.

وبالنسبة للأغنيات والموسيقى، فقد استضافت البحرين في ربيعها الثقافي عدة حفلات عالمية، بينها حفل فيليب بايلي، وحفل إريك كلابتون، وحفل الأوبرا لخوسيه كاريراس، وحفل الفنانتين العالميتين فيرتشا غرومزا وآنا كاراديميتروفا، بمرافقة عازف البيانو باتريك.

كما شارك كورال فتيان فيينا في تقديم الأغنية الأصيلة والموروث السماعي لمدينة فيينا. ومن فكر العالم، استقطب مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث عددا من المحاضرات العالمية، مثل محاضرة معركة التنوير العربي للكاتب السوري الفرنسي هاشم صالح، ومحاضرة للكاتب رينيه جاك مايير من فرنسا بعنوان «الجمال: وسيلة تعبّر بها الأوطان عن هويتها الثقافية».

على الصعيد العربي، قدم فنان العرب محمد عبده واحدة من أروع حفلاته في مدرّج قلعة عراد، أما لبنان فقد كانت افتتاحية المهرجان بموسيقاها، برفقة الفنان اللبناني ميشال فاضل الذي أبدع في تقديم اللحن الجميل. إلى جانب ذلك، أحيا المغني الشاب أحمد جمال حفله الذي لاقى إقبالا جماهيريا، خصوصا بعد شهرته في برنامج المواهب «عرب آيدول»، فيما شاركت الفنانة غالية بن علي بأغاني أم كلثوم في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث.

من العالم العربي أيضا، كانت هنالك العديد من المحاضرات، فمن الكويت قدّم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي السابق الشيخ محمد الصباح محاضرة حول «التنمية المستدامة في عالم مضطرب»، فيما شارك الدكتور طالب الرفاعي الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية بمحاضرة بعنوان «السياحة الثقافية: الهوية الحضريّة للمدن التاريخية»، وقدمت المخرجة السعودية هيفاء المنصور محاضرة بعنوان «ملامح السينما الخليجية الوليدة: صوت الشباب والمرأة». وقد امتد الشعر نحو لبنان من خلال أمسية شعرية قدمها الشاعر والمسرحي والصحافي اللبناني يحيى جابر بعنوان «الرجل الأمومي». أما على صعيد المعارض العربية فهناك معرض للفنان حسام ضرار من مصر، وغاية ترفيهية وهو معرض صور جماعي بدأ التحضير له بمناسبة المنامة عاصمة السياحة العربية، وأطلق التقاطاته في ختام مهرجان ربيع الثقافة.

بموازاة هذا الفرح أيضا، احتفى ربيع الثقافة بالثقافة البحرينية عبر العديد من الفعاليات التي تتجاوز فكرة العبور، إلى صناعة مستدامة من خلال تشكيل بنية تحتية ثقافية تستمر إلى ما بعد الربيع، من بينها الافتتاح الرسمي لمركز زوار شجرة الحياة بعد استكمال جميع مراحله، من خلال فعالية «في الربيع، تزور الأغنيات شجرة الحياة».

كما تم افتتاح بيت الغوص، وهو أحد المواقع في المحرق التي يتألف منها طريق اللؤلؤ، من خلال معرض كبير يكشف للزوار تفاصيل حياة الغواصين، وهو أحد بيوت المشروع المدرج على قائمة التراث الإنساني العالمي لليونيسكو. وفي سياق المكان ذاته، شهدت المساحات المفتوحة عقد فعالية «محادثات خاصة في أماكن عامة»، التي استضافت عروضا تقديمية وأحاديث تجمع عددا من المعماريين الإقليميين والعالميين حول الممارسات العامة وتصميم الأماكن العامة. إلى جانب ذلك كشف ربيع الثقافة ملمحا تاريخيا جديدا مع فعالية «ذاكرة البيت» التي أقامها مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، إثر اكتشاف المكون العمراني للبيت القديم من خلال غرفة في البيت الأصلي ما زالت تحتفظ بمعالمها وتفاصيلها.

وعلى مستوى الشخصيات المحلية، وتكريما لمنجزاتها في هذا الربيع، بادرت أسرة الأدباء والكُتاب بدعم من وزارة الثقافة إلى تكريم الشاعر الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، بمناسبة اليوم العالمي للشعر في الصالة الثقافية، وفي هذه اللفتة الأهلية التي تدعمها وزارة الثقافة تكريم وطن لشاعر يحبه الجميع. أما فنيا، فقد احتضن ربيع الثقافة كذلك معرض «المحرقي: الأب والابن» الذي يقيمه مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، برعاية من الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، شارك فيه الفنان ورسام الكاريكاتير الشهير عبد الله المحرقي، وابنه خالد المحرقي. كما تم تدشين بوسعد آرت غاليري في أحد أحياء المحرق القديمة والتي شهدت إقامة معرض «ظل الوردي»، الذي قدم من خلاله الفنان البحريني إبراهيم بوسعد أحدث نتاجاته الفنية.

كما احتضنت مملكة البحرين معرض البحرين الدولي للكتاب في نسخته السادسة عشرة، ومهرجان التراث السنوي الثاني والعشرين بعنوان حياكة وألوان. إذ ركزت هذه الاحتفالية السنوية على صناعة الأقمشة والأزياء البحرينية التقليدية، وتضمنت معرضا خاصا وسوقا مفتوحة لمختلف أنواع الأقمِشة والألبِسة، إضافة إلى ورش عمل تتعلق بصناعة الأقمشة وسوق للأطعمة البحرينية. بالإضافة إلى ذلك، احتضن ربيع الثقافة مهرجان ألوان 338 الذي تقيمه مساحة الرّواق للفنون في منطقة العدلية، وقدمت من خلاله سلسلة من المعارض الفنية والحوارات والأمسيات الموسيقية والحلقات النقاشية الفنية وعروض أفلام سينمائية في الهواء الطلق، فيما استمر الشباب بتنشيط منطقة باب البحرين من خلال سوق باب البحرين التي يقدم من خلالها المصمّمون المحليون نتاجاتهم ومشاريعهم الخاصة.

وواصل مهرجان ربيع الثقافة رسالته التعليمية لهذا العام أيضا من خلال تنظيم ورش تعليمية للراغبين في تعلم واكتساب مهارات فنية وإبداعية قدمتها بعض الفرق المشاركة في المهرجان وهي فرقة «الدودة الجائعة وحكايات مفضلة أخرى» والفرقة القومية البهلوانية الصينية، كما قدمت وزارة الثقافة ورشا متنوعة حول معرض الحرير ليتعلم خلالها الأطفال كيفية تصميم وتطريز الأزياء الصينية المتنوعة، والتقليدية منها على وجه الخصوص، وذلك في جو من الحب والمرح الطفولي، مما يسهم في رفع رغبة الأطفال في المشاركة والحياكة. كما تعرف الأطفال على كيفية الطهي مع أنكيرو في ورشة عمل مرحة يعدون فيها أنواعا من الأطعمة ويلونونها بمواد صالحة للأكل. واستمتع الأطفال بورشة مصاحبة لحفل فرقة كورال فتيان فيينا وبورشتين مصاحبتين لمسرحية جبران خليل جبران.