تكهنات بقرب إطلاق سراح سفير الأردن المخطوف في ليبيا

لجنة الدستور تبدأ في البيضاء أول اجتماع لها وسط إجراءات أمنية مشددة

أعضاء لجنة الستين لصياغة مشروع الدستور الليبي الجديد في لقطة تذكارية قبيل اجتماعهم الأول أمس في مدينة البيضاء (رويترز)
TT

قالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن خاطفي فواز العيطان السفير الأردني منذ الأسبوع الماضي في العاصمة الليبية طرابلس على وشك إطلاق سراحه بالتزامن مع عودة سجين ليبي يطالبون السلطات الأردنية بالإفراج عنه، بينما تبنت جماعة ليبية متطرفة تسمى شباب التوحيد عملية اختطاف الدبلوماسي التونسي محمد بالشيخ وبثت له مساء أول من أمس فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يطالب السلطات التونسية بالتفاوض مع خاطفيه.

وأوضحت المصادر، التي طلبت حجب هويتها، أن السفير الأردني سيجرى إطلاق سراحه في أي وقت، مشيرة إلى أنه جرى التوصل إلى تسوية ليبية أردنية غير معلنة يجري بمقتضاها مقايضة السفير المخطوف بمعتقل ليبي يدعى محمد الدرسي (وشهرته النص)، كان أدين بتهمة محاولة التسلل إلى الأراضي الأردنية والمشاركة في أنشطة مشبوهة. وكشفت المصادر النقاب عن أن خاطفي السفير سمحوا له بالتواصل هاتفيا مع أسرته وبعض كبار المسؤولين الأردنيين لطمأنتهم على وضعه وحالته الصحية.

وعلى صعيد متصل، حث الموظف التونسي بالسفارة التونسية لدى ليبيا، والذي اختطف قبل شهر في العاصمة طرابلس، الرئيس التونسي المنصف المرزوقي على التفاوض مع خاطفيه، محذرا من أن «صبر خاطفيه بدأ ينفد وأنهم قد يقدمون على قتله». وظهر التونسي محمد بالشيخ وهو شبه منهار، ويتحدث لمدة نحو خمس دقائق في شريط مصور بثته جماعة أطلقت على نفسها اسم «شباب التوحيد»، وحرصت في ختامه على توجيه تهديد واضح ومعلن للسلطات التونسية، قالت فيه: «إلى حكومة تونس، كما تأسرون منا نأسر منكم. كما تقتلون منا نقتل منكم. والبادئ أظلم. ولن تأمنوا لا أنتم ولا أعوانكم حتى يأمن إخواننا في دينهم وأعراضهم وأرزاقهم».

وأوضح بالشيخ أنه يعمل في السفارة التونسية في ليبيا منذ 12 عاما، وقال مخاطبا رئيسه المنصف المرزوقي: «لماذا يا سيادة الرئيس تريد أن تحرمني من الحياة؟ لدي ثلاثة أطفال أريد أن أراهم. ألست أبا لأطفال؟ لماذا ليست هناك مفاوضات؟ لن يطلقوا سراحي»، وأضاف وهو يبكي، بينما كان بالإمكان سماع أصوات هامسة من خاطفيه على ما يبدو لتلقينه ما يقوله: «يا سيادة الرئيس تفاوض معهم. طلبهم مشروع فاوضهم. أريد العودة إلى بلدي تونس. لماذا تفعل هذا يا سيادة الرئيس أريد أن أعود. بإمكانهم أن يقتلوني في أي وقت».

لكن مسؤولا ليبيا قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يعتقد أن الخاطفين سيقدمون بالفعل على تنفيذ تهديداتهم بقتل التونسي إذا لم تستجب سلطات بلاده إلى طلباتهم. وأضاف المسؤول، الذي اشترط حجب هويته عبر الهاتف من طرابلس: «هذا الفيديو مجرد ورقة ضغط يعتقد الخاطفون أنها ستؤثر على الحكومة التونسية وتدفعها إلى الرضوخ لما يريدون. إنه أسلوب غير أخلاقي في المفاوضات». وتابع: «إذا لا سمح الله قتلوه، وهو أمر مستبعد، سيخسرون أي صفقة أو أي محاولة لمقايضته.. هم فقط يريدون الضغط إعلاميا على الطرف الآخر (الحكومة التونسية)».

وبشأن هذا الفيديو، قالت سميرة بالشيخ، شقيقة المختطف، لـ«الشرق الأوسط» إن الشخص الذي ظهر في الشريط المصور هو بالفعل شقيقها، وقالت: إن والد بالشيخ وعائلته توجهوا صباح أمس إلى مقر وزارة الخارجية التونسية بالعاصمة، وطالبوا بفتح مفاوضات جدية مع الأطراف الخاطفة التي تهدد بقتل شقيقها. ودعت الحكومة التونسية إلى التباحث مع الأطراف الليبية، سواء الرسمية أو غير الرسمية، بهدف إطلاق سراح شقيقها.

وتجاهل شريط الفيديو الذي صور يوم السبت الماضي، بحسب ما ورد به، ذكر مصير رهينة تونسي آخر اختطفه مجهولون يوم الخميس الماضي، يدعى العروسي القنطاسي من طرابلس بعد شهر تقريبا من اختطاف زميله بالشيخ. فيما أشارت وزارة الخارجية التونسية إلى تورط عائلتي متطرفين ليبيين معتقلين في تونس في عمليتي الخطف، هما حافظ الضبع (الشهير بأبي أيوب)، وعماد اللواج (الشهير بأبي جعفر الليبي) المحكومان بالسجن لمدة 20 عاما بعد مشاركتهما في عملية إرهابية بمنطقة الروحية من ولاية سليانة (شمال غربي تونس) في مايو (أيار) عام 2001. حيث قتل ضابطان في تبادل الرصاص مع رجال يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة.

ولم يصدر على الفور أي تعليق رسمي من تونس التي كان وزير خارجيتها منجي الحامدي قد أكد أخيرا أن بلاده لن ترضخ لمنطق المساومة، ورأى أن التفاوض لن يكون على أساس المقايضة «بإرهابيين معتقلين في تونس». ودعت السلطات التونسية مواطنيها إلى «إرجاء التحول إلى الأراضي الليبية والقيام بذلك عند الضرورة فقط»، كما دعت التونسيين المقيمين في ليبيا «إلى التزام الحذر في تنقلاتهم حفاظا على سلامتهم وتفاديا لكل طارئ في هذه الظروف الاستثنائية».

وبالتزامن، انعقد المجلس الوطني للأمن برئاسة المنصف المرزوقي وحضور رئيس الحكومة المهدي جمعة ورئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) مصطفى بن جعفر والقيادات العسكرية والأمنية لمناقشة التطورات الأمنية على الحدود الشرقية مع ليبيا، وكان موضوع التونسيين المختطفين في ليبيا من بين أهم الملفات المطروحة.

وذكرت مصادر أمنية تونسية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة حاليا تحاول تخفيض التوتر، وتسعى إلى التعرف على الهوية الحقيقية للمختطفين، قبل إقرار ما ستراه موافقا للوضعية الصعبة التي يوجد فيها المختطفان التونسيان. وأضافت نفس المصادر أن تونس لا تريد المخاطرة بحياتهما، إلا أنها مع ذلك لن ترضخ لمطالب المجموعات المختطفة لما سيفتحه هذا الخيار من مشاكل مستقبلية في ظل التوتر الأمني المتواصل في ليبيا.

وبدوره، قال محمد الصالح الحدري، العقيد العسكري التونسي المتقاعد ورئيس حزب العدل والتنمية، لـ«الشرق الأوسط» إن خبرة معظم دول العالم في مواجهة الإرهاب تحتم على تونس تجنب الرضوخ لطلبات الخاطفين، وتابع موضحا «لا حوار مع الإرهابيين.. ومن الضروري اللجوء إلى القوة في مثل هذه الحالات».

في غضون ذلك، ووسط إجراءات أمنية مشددة، استضافت مدينة البيضاء بشرق ليبيا الاجتماع الأول للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الجديد للبلاد، في قاعة البرلمان السابق، بحضور عدد من أعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة وسفراء الدول العربية والأجنبية وممثلين عن بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا.

ورغم أن اسمها لجنة الستين، وفق عدد أعضائها المفترض، إلا أن 13 عضوا يمثلون الأقليات العرقية (التبو والطوارق والأمازيغ) قرروا مقاطعة الانتخابات التي جرت أخيرا، كما لم تتمكن المفوضية العليا للانتخابات من إتمام عملية انتخابهم بسبب احتجاجات واضطرابات أمنية، ما قصر العدد النهائي للجنة على 47 عضوا فقط.

وأدى عصيان مدني احتجاجا على الأوضاع الأمنية وتمديد المؤتمر الوطني المنتهية ولايته في السابع من شهر فبراير (شباط) الماضي إلى نهاية العام الجاري، إلى تأجيل هذا الاجتماع الذي كان محددا له سلفا يوم الاثنين الماضي. وتطالب الأقليات العرقية التي تشكل نحو ربع إجمالي عدد سكان دولة ليبيا، البالغ نحو ستة ملايين نسمة، بضمان حقوقها وكتابة الدستور الجديد بلغاتها المحلية.

وسيتعين على لجنة صياغة الدستور المقسمة بالتساوي على مناطق ليبيا الثلاث، وهي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وفزان في الجنوب، الانتهاء من وضع مسودة الدستور خلال 120 يوما، وأن تأخذ في الاعتبار الخصومات السياسية والقبلية ودعوات الحكم الذاتي في شرق البلاد عند اتخاذ قرار بشأن نظام الحكم في ليبيا. وتأخرت محاولات كتابة الدستور الجديد مرارا بسبب الصراع السياسي داخل المؤتمر الوطني، الذي انتخب لفترة 18 شهرا في يوليو (تموز) الماضي في أول انتخابات حرة في ليبيا منذ نحو 50 عاما.