لا شك في أن حادث الطائرة الماليزية التي اختفت من على شبكات الرادار ما زال يثير مخاوف الكثيرين من حوادث السفر الجوي. وما يزيد أمر الطائرة حيرة تعدد النظريات حول اختفائها؛ من بين الخطف والانفجار والانتحار أو عطل ميكانيكي قهري أدى إلى سقوطها في جنوب المحيط الهندي وبعكس اتجاه سيرها الأصلي إلى بكين.
ولكن الحوادث المشابهة لسقوط طائرات الركاب ما زالت نادرة وتمثل خطرا لا يزيد على واحد إلى 11 مليونا للمسافر العادي. وبالمقارنة، فإن خطر الوفاة في حادث طريق لا يزيد على واحد إلى خمسة آلاف. ومع ذلك، فإن معدل الخوف من السفر الجوي يفوق القلق من قيادة السيارة. ويقول العالم النفسي الأميركي بول سلوفيك، إنه عندما يتحكم الشخص في المركبة، مثل حالة القيادة، فإنه يكون أقل قلقا من حالة عدم التحكم بالمرة مثل حالة الطيران.
وينعكس حادث الطائرة الماليزية نفسيا على الكثير من المسافرين، مثلما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) التي انخفض بعدها معدل السفر الجوي بنسبة كبيرة. من العوامل النفسية الأخرى أن حوادث الطيران تستأثر باهتمام الإعلام وتثير مخاوف العامة لأنها كارثية وتقتل أعدادا كبيرة من الناس بلا تفرقة وفي وقت واحد. وبالمقارنة، فإن إحصاءات وفيات الصدمات القلبية في الولايات المتحدة وحدها كمثال يتعدى 2200 حالة وفاة يوميا، ولكنها لا تثير مخاوف أحد لأنها لا تقع في وقت واحد أو في الموقع نفسه.
ومع ذلك، فإن هناك الكثير من المخاطر الخفية التي تحيط بالسفر الجوي والتي عبر عنها أطباء متخصصون في بحث نشر بالصحيفة الطبية البريطانية. وهناك ما يقرب من ملياري إنسان يسافرون بالطيران التجاري سنويا، وهو ما يجعل الوعي بهذه المخاطر مسألة حيوية لعدد كبير من المسافرين. ولكن المسافر العادي قد يشعر بالإحباط من مسائل أخرى لا تتعلق بالسلامة مثل دفع تكاليف الوزن الزائد أو عدم وجود الوجبة الغذائية المفضلة لديه أثناء السفر.
ولعل أشهر الحالات الطبية المعروفة، الناتجة من الطيران طويل المدى، تكوين الجلطات الدموية في الساقين، وهي حالة خطرة تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان. ومن أشهر المصابات بهذه الحالة، لاعبة التنس الأميركية سيرينا ويليامز التي أصيبت بعد رحلة طيران عبر الولايات المتحدة. وينصح الأطباء بالحركة أثناء السفر الجوي لتجنب هذه الحالة التي يمكن أن تصيب أي إنسان يجلس بلا حركة لمدة تزيد على الأربع ساعات.
من المخاطر الأخرى التعرض للأشعة الكونية والنوعية الرديئة للهواء داخل المقصورة وتأثير السفر الجوي على الساعة البيولوجية للجسم. وتقول مصادر شركات الطيران إن حالات الطوارئ الطبية تزداد في الآونة الأخيرة على متن الطائرات التجارية، لأن المزيد من كبار السن والمسافرين بحالات مرضية سابقة للطيران يقبلون على رحلات جوية تجارية.
وتؤكد الشركات أن المسافرين المتقدمين في العمر يتعرضون لمخاطر أكبر من صغار السن. ويمكن تقسيم مخاطر السفر الجوي إلى ثلاث فئات:
أولا: مخاطر محدودة: رحلات الطيران التي لا تزيد على ثماني ساعات لمسافة تقل عن خمسة آلاف كيلومتر. وفيها ينصح الخبراء بعدم ارتداء ملابس ضيقة حول الوسط والساقين وتجنب الظمأ مع ضرورة التحرك في المقصورة بين الحين والآخر وإجراء بعض التمارين الرياضية.
ثانيا: مخاطر متوسطة: رحلات لمدة ثماني ساعات أو أطول لمسافات تزيد على 5000 كيلومتر مع زيادة وزن المسافر أو حالات حمل أو العلاج بالهرومونات أو التدخين أو استخدام موانع الحمل. والنصيحة هي اتباع نصائح عدم ارتداء الملابس الضيقة وإجراء التمارين وشرب الكثير من الماء، بالإضافة إلى ارتداء جوارب ضيقة مخصصة لرحلات الطيران ومضادة للجلطات. ومن المفضل اختيار مقاعد تطل على ممر الطائرة الداخلي.
ثالثا: مخاطر عالية: السفر لمدة أطول من ثماني ساعات ولمسافة أطول من 5000 كيلومتر مع وجود حالات مرضية سابقة للطيران أو إجراء عمليات جراحية قبل السفر بستة أسابيع. والنصيحة هي اتباع إجراءات السلامة السابقة، بالإضافة إلى حقنة «هيبارين» لمنع تجلط الدم أثناء الطيران.
من المثبت طبيا أيضا أن رحلات الطيران تساهم في انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بسبب سوء التهوية داخلها. ولاحظ الأطباء تأخر موسم الأنفلونزا في أميركا لمدة 13 يوما في عام 2001 بعد حوادث 11 سبتمبر (أيلول) بسبب تراجع رحلات الطيران بشكل كبير خلال الفترة التي أعقبت الحادث الإرهابي.
وفي تقرير طبي نشر عام 2007، كتبه البروفسور تشارلز جيربا من جامعة أريزونا، أنه بعد اختبار دورات المياه ومناضد عينة من الطائرات التجارية اكتشف مجموعة من الجراثيم بعضها خطير مثل «إيكولاي» و«ميرسا» والأخير يتسبب في وفاة 18 ألف مريض سنويا ويشار إليه كفيروس سوبر. وهو ينصح بحمل مناديل مرطبة مضادة للبكتريا والفيروسات ومسح طاولات المقاعد بها مع غسل وتعقيم اليدين بعد استعمال المراحيض في الطائرات.
ولا يقتصر الأمر على الفيروسات الخطيرة وإنما يشمل أيضا نوبات الأنفلونزا التي ينقلها الركاب المصابون إلى غيرهم. وأفضل نصيحة يقدمها الأطباء هي غسل اليدين قبل لمس الوجه والعينين وقبل تناول الطعام. ويحذر الأطباء أيضا من الجيوب المتضمنة في المقاعد الأمامية ومحتوياتها، حيث يستخدمها بعض الركاب المصابين بالأنفلونزا لحفظ المناديل الورقية بعد استخدامها.
من المخاطر الأخرى التي شكت منها راكبة على واحدة من شركات الطيران الأوروبية وجود حشرات سريرية في مقاعد الطائرة. واضطرت الشركة إلى وقف تشغيل طائرتي «بوينغ» عملاقتين وتنظيف المقصورتين وتعقيمهما. وتنصح شركات السفر بعدم ترك حقائب اليد على أرض المقصورة وحملها في الرف العلوي وارتداء ملابس فاتحة اللون حتى يمكن مشاهدة هذه الحشرات بوضوح والتخلص منها، وغسل ملابس السفر في درجات حرارة عالية.
وفيما يتعلق بضرورة تناول المياه أثناء الطيران، فالضرورة هنا لا تتعلق بجفاف الجلد وإنما بمخاطر أكبر. فالمناخ داخل الطائرة جاف جدا، وهذا بدوره يجفف الأنف ويقلل من فاعلية مقاومة العدوى المنقولة عبر الهواء. وتناول المزيد من المياه يعيد ترطيب الجسم ويمنع عنه العدوى.
الضغط الجوي أيضا يؤثر سلبيا على بعض المسافرين. فالضغط في مقصورة الطائرة يقل عن الضغط العادي أثناء الطيران ويؤدي هذا إلى تمدد الهواء داخل الجسم. من الآثار السلبية لهذا التمدد ألم الأذنين الذي يشعر به البعض وآلام الأسنان في حالة وجود أسنان تحتاج إلى حشو أو علاج. ولا يمكن التعامل مع هذه الأعراض إلا بتناول المسكنات مثل «باراسيتامول» قبل وأثناء الطيران.
هناك أيضا حالات تعرف باسم «جنون الطيران» وهي ناتجة عن عدة عوامل مجتمعة، منها الخوف المبطن من الطيران مع الشعور بفقدان السيطرة على الموقف مع حالة نفسية من الاضطراب والضغط العصبي. ويمكن أن يكون تناول الكحول بمثابة الزناد الذي يطلق هذه الأوهام دفعة واحدة فيقوم الراكب بأفعال جنونية يتحتم معها تقييد حريته حتى تهبط الطائرة بسلام. وهذه الحالات من جنون الطيران ليست خطرا على أصحابها فقط وإنما على كافة المسافرين في الطائرة نفسها. وتساهم عوامل أخرى في حالات جنون الطيران مثل تأخر الطائرة وعدم وجود مساحات كافية ومع التدخين عليها.
المخاطر كثيرة.. وأيضا نصائح تجنبها
* مع تنوع مخاطر الطيران إلى جوانب غير معهودة لمعظم المسافرين، هناك أيضا النصائح الطبية المتعددة التي تتوجه إلى المسافر الجوي ليتجنب بها متاعب السفر الجوي. وبعض هذه النصائح يكون قبل بداية السفر الجوي، بتجنب الشد العصبي نتيجة التأخير أثناء رحلة السيارة إلى المطار، وداخل المطار نفسه بالتوجه إلى بوابات بعيدة نسبيا. القراءة قبل الصعود إلى الطائرة تساهم في تركيز الذهن وتجنب الاضطراب العصبي. وقد يكون بعض المشي قبل الرحلة الجوية مفيدا أيضا في تنشيط الجسم.
أما أثناء الرحلة الجوية فلا بد من تجنب تناول الأكلات الدسمة والاكتفاء بالوجبات الخفيفة والتركيز على الأطعمة والفواكه الطازجة. ولا بد كذلك من إجراء بعض التمرينات الرياضية وتناول المزيد من المياه، وارتداء جوارب مضادة للجلطات الدموية في الساقين.
ويمكن تناول بعض الحلوى أثناء الإقلاع والهبوط للمساعدة على توازن الضغط داخل وخارج الأذنين لمنع نوبات الألم فيهما. ولا بد من حمل الأدوية كافة في حقائب اليد حتى يمكن الاستعانة بها في حالات الطوارئ. كما يمكن أيضا حمل وثيقة بها موجز التاريخ الطبي وحالات الحساسية التي يعانيها المسافر حتى يمكن الاستعانة بها في حالات الطوارئ.
ولمقاومة خطر التجلط، يمكن تناول جرعات صغيرة من الأسبرين قبل الطيران بيوم وأثناء الطيران ثم بعد ذلك بثلاثة أيام. وفي حالات معينة، يمكن استشارة الطبيب حول تناول جرعة من أدوية خاصة لتسييل الدم مثل الهيبارين أو ارتداء جوارب خاصة يمكن شراؤها من الصيدليات أو المطار.