رولا غلاييني: من دون قصة تلهمني وتمس وجداني يتعذر علي الابتكار

«بوبيه كوتير» تستلهم من امرأة شرقية تعيش صراعا بين التقاليد والرغبة في الانعتاق

تعاونها مع شواروفسكي كان طبيعيا بحكم أنها تستعمل أحجار الكريستال من الشركة منذ سنوات في تصاميمها
TT

كانت رولا غلاييني واحدة من نجوم الموسم الثالث لـ«فاشن فوروود» بدبي، وبالتالي لم يكن من الممكن حضور الفعالية من دون القيام بجولة في «ذي غاردن»، حيث يعرض مصممو الإكسسوارات إبداعاتهم خلال هذه الفعالية، وعدم التوقف عند ركنها الخاص، حيث تراصت حقائب يد تحمل بصمة أصبحت الكثير من الأنيقات يتعرفن عليها من النظرة الأولى، إلى جانب مجموعة جديدة من الجواهر كانت ثمرة تعاونها مع شركة «شواروفسكي» ضمن برنامج تتعاون فيه هذه الأخيرة مع مصممين واعدين.

لم يكن من الصعب الانفراد برولا، فقد كنا نتشوق للتعرف على بعض عن قرب، بعد أن أصبحنا صديقتين على «فيسبوك» منذ بضعة أشهر. أتابع نشاطاتها وصور تصاميمها المبتكرة، وفي كل مرة يزيد شوقي للتعرف على الفنانة وراء هذه التحف، وما يجعلها مميزة رغم أن سوق الجواهر والإكسسوارات أصبحت متخمة بالأسماء والتصاميم. لم تخيب ظني، فقد كشفت ليس سريعا أن تصاميمها ليست مجرد أشكال هندسية أنيقة أو مبتكرة فحسب، بل تحكي قصصا أشبه بقصص ألف ليلة وليلة بمشربياتها وغموضها وألوانها. كل حقيبة تتمتع بوجهين، واحد هندسي واضح للعين، والثاني شاعري يختفي بين الخطوط كما تختفي العيون وراء برقع أو خمار. وفي كل الحالات تعكس أسلوبا أنيقا وراقيا يخاطب الجميع بلغة سلسلة ورقيقة، مما يجعلها نادرة في وسط يعتمد على الصورة والإبهار أكثر من المضمون، ويتودد للزبون بأي شكل في سبيل التسويق. رولا، في المقابل، لا تحتاج إلى ذلك، فهي تريد أن تبقى صادقة مع نفسها، تبدع ما يروق لها ويعبر عن شخصيتها. «بالنسبة لي، إذا لم أقتنع بأي مشروع، أجد صعوبة في تنفيذه.. مهم دائما أن أنطلق من فكرة محددة، أو قصة تلهمني وتمس وجداني، وإلا تعذر علي الابتكار والإنتاج». ولحسن الحظ، فإن المشاعر الصادقة تأتي بنتائج كبيرة أحيانا، لا سيما إذا كنت مصحوبة بقصة تثير العالم وتستحضر له غموض القصور والبلاطات الشرقية القديمة. في عام 2012، كانت أول مصممة إكسسوارات عربية يجري اختيار حقائبها من بين أحسن 100 حقيبة ضمن لائحة نشرتها مجلة «فوغ». وجاءت ماركتها «بوبيه كوتير» في المرتبة الـ14، بين سان لوران وستيلا ماكارتني. كانت هذه بداية جديدة لها، حيث خرجت من نطاق المحلية وأصبح الكل يتعامل معها على أنها ماركة عالمية، لا سيما بعد أن ظهرت في جريدة الـ«هيرالد تريبيون» سابقا، و«نيويورك تايمز» حاليا، كما ظهرت في مجلات مثل «كوسموبوليتان» و«غراتزيا» و«وولبايبر» وغيرها. أما هي فتقول بصدق أقرب إلى البراءة: «بدأت هوايتي بتصميم حقائب خاصة بي، كانت صديقاتي يطلبن مني أن أصمم لهن مثلها، ثم يأتين بقريباتهن وهكذا، ومع ذلك لم آخذ الإقبال بشكل جدي، لأننا بصفتنا شرقيين، لطيفين بطبعنا، حتى إذا لم نقتنع تماما بالمنتج. لهذا كنت أفكر أنهن يطلبنها مني من باب المجاملة. فقط بعد أن ذهبت إلى نيويورك ولندن وكان البعض يستوقفنني في الشارع ليسألنني من أين اشتريت حقيبتي، بدأت أشعر بأن ما أقدمه مميز وبدأت ثقتي تزيد».

وتشرح رولا أن القصة التي تحاول دائما أن تصوغها من الجلود والمعادن، من وحي المجتمع الشرقي، وبطلتها دائما امرأة عصرية تعيش صراعا بين التقاليد والرغبة في الانعتاق والتحرر منها. «ستلاحظين دائما أن هناك تلاعبا على مفهوم الخارج والداخل، من خلال استعمال الجلود في أشكال هندسية تخترقها ألوان متوهجة من الداخل لتعطيها بعدا أجمل، وهو ما أراه انعكاسا لشخصية المرأة العربية. تبدو من الخارج هندسية وجادة إلى حد الصرامة، حسبما هو مطلوب من المجتمع، بينما تضج من الداخل، بالرومانسية والألوان الشاعرية».

تخرجت رولا في الجامعة الأميركية ببيروت، كما تقول، وأطلقت ماركتها في العاصمة اللبنانية، إلا أنها قضت كل طفولتها بين قبرص وكندا، ولم تتكلم اللغة العربية إلا بعد أن عادت إلى لبنان وهي في الـ13 من العمر. «كنت أعرف أنني لبنانية، لكني لم أكن أعرف معنى ذلك تماما، إلى أن عدت لأعيش في بيروت. حينها تعرضت لما يمكن وصفه بالصدمة الثقافية، فقد كان كل شيء جديدا علي، بما في ذلك (التابوهات) المتعلقة بالمرأة الشرقية، من كيف عليها أن تتعامل مع الغير إلى طريقة لباسها وتصرفاتها وما إلى ذلك. مع الوقت، اكتشفت أنها تعيش نوعا من الازدواجية، إذ هناك وجه خارجي، بماكياج يفرضه عليها المجتمع، ووجه خاص تحاول أن تعبر فيه عن شخصيتها بعيدا عن الأنظار. هذه الازدواجية ظلت معي وتجد طريقها دائما في تصاميمي بشكل أو بآخر».

بعد أن تخرجت رولا بشرف في تصميم الغرافيك، عملت في مجال الإعلانات في شركة «ليو بيرنيت» المعروفة. وتدرجت سريعا في وظيفتها لتصبح مسؤولة تتبوأ مركزا مهما فيها، خصوصا بعد أن حصدت الكثير من الحملات الدعائية التي قامت بها، جوائز في مهرجانات مثل كان السينمائي وغولدندرام وإبيكيا. رغم تفوقها في مجالها، كانت تعشق تصميم حقائب اليد ومارست الأمر كهواية إلى جانب انخراطها في معهد «إيسمود» للموضة مساء، من دون علم أحد حتى لا تعطي لأي كان الفرصة بانتقادها أو اتهامها بأنها لا تخصص كل جهدها لعملها. بعد خمس سنوات، شعرت بأن الوقت حان لكي تترك وظيفتها وتحقق الحلم الذي راودها طويلا. أثمرت هذه الخطوة على ماركتها «بوبيه كوتير» Poupée Couture، التي بدأت بحقائب اليد وتوسعت للجواهر في العام الماضي. تعترف أن الخوف كان يراودها في البداية وعدة تساؤلات تدور برأسها ما إذا كانت الخطوة التي قامت بها عملية أم لا، خصوصا وأن والدها لم يكن مرحبا بالفكرة في البداية. «فهو من جيل تعود أن النجاح يعني وظيفة كبيرة تمنح فرصا للمزيد من التطور، وهو ما كان متوفرا في وظيفتي السابقة». بيد أن هذه لم تكن الصعوبة الوحيدة التي واجهتها كشابة سلاحها الوحيد هو الحماس والموهبة، وتفتقد لأي خبرة تذكر في الجانب التجاري والعملي. «كنت أدق أبواب الحرفيين في باب حمود ببيروت، لأعرض عليهم التعاون معي، ولم يكن كلهم مرحبين بأن يتعاملوا مع شابة صغيرة، أو متفهمين لما أطلبه. فأغلبهم من الجيل القديم الذين تعودوا على أسلوب معين في العمل، كما في تقطيع الجلود وتصميم الحقائب، ولا أنكر أني وجدت صعوبة أن أشرح لهم ما أريد وكيف أريد تقطيع كل جزء بطريقتي وليس بطريقتهم التقليدية».

الآن وبعد أن كانت تتعاون مع ورشة يشرف عليها حرفيون يعدون على أصابع اليد الواحدة، توسع عملها وأصبحت تتعامل مع أربع ورشات مختلفة. الممارسة والتجربة كانا خير مدرسة، كما تقول، وهي التي علمتها أهمية الجانبين التجاري والتسويقي. «أنا كأي مصمم، أريد أن تصل تصاميمي إلى أكبر شريحة من الزبائن لا أن تبقى حكرا على محيطي أو على شريحة نخبوية من الزبائن. لو كان هذا هو المطلوب لكنت فنانة لا مصممة».