الدعايات الانتخابية تشوه بغداد وأمانتها تهدد بمحاسبة أصحابها

عامل نظافة يقرر رفع دعوى قضائية ضد مرشحين

TT

يحاول عامل النظافة الحاج يوسف عبد (60 سنة)، في منطقة السيدية وسط بغداد، التقاط أنفاسه بعد ساعات عمل طويلة قضاها في تنظيف الأرصفة، وهو يرنو ببصره إلى أكوام القمامة التي خلفتها دعايات المرشحين لانتخابات البرلمان وملصقاتهم المتهاوية بفعل موجات العواصف والأمطار والأتربة في الأيام الأخيرة.

بعد أن يمسح الحاج يوسف عرق جبينه بكم قميصه الفضفاض، وقد بدا جسده كأنه هيكل عظمي من فرط هزاله، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل هنا منذ أكثر من عشر سنوات، مهمتي كنس وتنظيف شوارع وأزقة الحي، كأجير يومي لدى أمانة بغداد، وأتقاضى أجرا زهيدا لا يكاد يسد الرمق، وصار علي اليوم أن أضاعف همتي وأنا ألملم مخلفات السياسيين». سكت قليلا، وهو يشير إلى النفايات التي يرفعها كل يوم، ثم قال: «لا بد من محاسبة هؤلاء، وسأرفع دعوى قضائية ضدهم لأنهم تجاوزوا على المواطن وسلبوه جمال مدينته بدلا من خدمته».

الحاج يوسف حاصل على شهادة الإعدادية، لكنه فشل أكثر من مرة في نقل خدماته إلى إحدى البلديات التابعة للأمانة كموظف خدمة، بعد أن أتعبته السنون وأكلت من جرف عافيته وقابليته للعمل بمهنة «كناس». نظر الحاج يوسف، وهو يضحك ساخرا، إلى لافتات المرشحين التي لم تحقق له قبلا أيا من وعودها، وهي اليوم تزيد من همه وثقل العبء الملقى عليه.

سكان العاصمة يشكون أيضا من التشوه والفوضى التي عمت مناطقهم وشوارعهم جراء نشر الآلاف من الملصقات والدعايات الانتخابية بأحجام كبيرة وألوان وأشكال متباينة حتى غطت على معالم ونصب وساحات بغداد المعروفة، في حين يتمنى البعض لو أن تلك الأموال الكبيرة التي صرفت على الدعايات الانتخابية استغلت لأجل إسكان الفقراء وتخصيص رواتب للمعوزين منهم أو لفاقدي الرعاية الاجتماعية.

ويتساءل الإعلامي نورس أحمد (34 سنة) قائلا: «إذا كان المرشحون يبدأون حملاتهم بتخريب شكل ووجه عاصمتهم، والتجاوز على قانون الدعايات الانتخابية، فكيف نثق بوعودهم في تحقيق الرفاه للشعوب وتصحيح المسار؟».

أما الشاعر والإعلامي عدنان الفضلي فقد فضل السخرية من دعايات السياسيين خاصة الكتل المتنفذة بعد أن أسقطت الرياح دعاياتهم بالقول في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «إن الله ينتصر للشعوب المظلومة ويضرب الكذابين ووعودهم قبل أن يقول المواطن كلمته من خلال صناديق الاقتراع».

أمانة بغداد بدورها شكت ضياع جهودها وأموالها في تجميل العاصمة طيلة الفترة الماضية بعد تجاوز الكثير من الكيانات والقوائم لقوانين الدعاية الانتخابية التي سبق الإعلان عنها. وقال حكيم عبد الزهرة الناطق الإعلامي باسم أمانة بغداد: «في بداية الحملة الانتخابية نسقنا مع مفوضية الانتخابات لتحديد المسموح والممنوع في الدعايات الانتخابية وبشكل لا يشوه منظر العاصمة ويتجاوز على محرماتها ومناطقها المزروعة، أو المؤسسات الرسمية والجوامع ودور التعليم والنصب والتماثيل وغيرها، لكن الذي حصل هو أننا رصدنا تجاوزات كبيرة من قبل كيانات وأحزاب لم تراع تلك الضوابط».

وأضاف: «كنا نتوقع نضجا ووعيا أكبر في وسائل الدعاية الانتخابية مقارنة بالدورات الماضية، لكنها كانت الأسوأ من ناحية احترامها للقوانين». وتابع: «الأمانة صورت تلك التجاوزات وغرمت مفوضية الانتخابات مرتكبيها ونجحنا في رفع بعضها في حملات شملت بعض المناطق فيما فشلت في مناطق أخرى لأسباب كثيرة، أهمها الحاجة إلى تنسيق مع الجهات الأمنية لأجل إزالتها».

وعن الحلول المتخذة الآن، قال: «اضطررنا للتريث إلى ما بعد الانتخابات لأجل محاسبة المخالفين وتغريمهم، ونتمنى أن يكون المواطن جزءا من المحاسبة بعدم انتخاب الأحزاب والشخصيات التي شوهت من منظر عاصمته أو حجبت عنه الطريق».