توقعات اقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط لا تشبه بقية دول العالم

سايمون ويليامز

TT

هناك الكثير من الأمور التي لا تزال تدعونا للقلق عند النظر إلى التوقعات الاقتصادية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لعامي 2014 و2015.

الاقتصادات الغنية (وكل الحديث عن تنويع اقتصاداتها) أصبحت أكثر من أي وقت مضى تركز على موارد الطاقة لديها. ومع وصول أسعار النفط إلى حد قياسي من الثبات، أي ضمن مستوى معادل في الربح والخسارة، مع ضعف الطلب على موارد الطاقة من قبل بلدان الأسواق الناشئة الضعيفة، إضافة إلى احتمالية التوصل إلى تسوية مع إيران، كلها عوامل لا يمكن وصفها إلا بمخاطر ماثلة.

كما أن التحديات التي تواجهها دول المنطقة الفقيرة بمصادر الطاقة لديها لا تزال كبيرة، حيث تواجه دول الربيع العربي صراعا سياسيا وضعفا اقتصاديا على الرغم من قيام الصحف بتسليط الكثير من الضوء في عناوينها الرئيسة على الانتخابات الرئاسية في مصر، إلا أنه من المرجح للانتخابات في كل من العراق ولبنان والجزائر أن تؤدي إلى المزيد من الخلافات والانقسامات.

ولكن مع كل ذلك، فإن المنطقة تتمتع بمقومات تجعلها توفق في مستويات أدائها الاقتصادي. وبمقارنتها مع الاقتصادات الغنية في الغرب، فإن دول الخليج الغنية بالنفط تواصل نموها وازدهارها بشكل سريع، وتتمتع بنسبة سكانية شابة عالية وموارد إنفاق حكومي أكثر قوة من نظيراتها في الأسواق المتقدمة. وبالوقت نفسه، فإن الفوائض المالية لديها توفر لها أرضية من المرونة تمكّنها من مواجهة تقلبات السوق العالمية بشكل لا يمكن إلا لعدد قليل من الأسواق الناشئة الأخرى أن تجاريه. كما أن الاستقرار السياسي يعمل لصالحها، بينما تتزايد مخاطر عدم الاستقرار السياسي في أجزاء أخرى من الأسواق الناشئة. كما نجد أيضا أسسا ثابتة لتفاؤل انتقائي في الاقتصادات التي تواجه أزمات مالية في شمال أفريقيا ودول شرق البحر الأبيض المتوسط، على الرغم من حجم ومستوى الصعوبات والتحديات التي تواجهها.

لقد كانت تكاليف الربيع العربي عالية بشكل استثنائي؛ فعلى الرغم من أننا نتوقع لتلك الاقتصادات أن تستقر في عام 2015، فإنها لن تعود إلى ما كانت عليه في السابق، وذلك نظرا لاستمرار الاضطرابات السياسية فيها. ولكن يجب أن لا ننسى أن هذه الثورات استمر أمدها لأكثر من ثلاث سنوات، وعلى الرغم من ذلك، جرى امتصاص الصدمات الناتجة عنها بشكل لا بأس فيه. ولذلك، فإن هذه الدول، مع اختلاف حدة الإضرابات القائمة فيها، أصبحت تواجه تحدياتها الداخلية وتعمل للتغلب عليها من خلال البدء بإصلاح اقتصاداتها.

إن هذه العملية ليست كاملة، ويشوبها بعض العيوب، إلا أنها ليست عصية على الحل، نظرا لكون الأنظمة السياسية الجديدة التي برزت بعد الثورات بدأت بالاندماج والتكتل مع بعضها، وذلك عند مقارنة هذه الأوضاع مع ما كان سائدا قبل عام واحد، عندما كانت هذه الأنظمة تفتقد للسلطة وعرضة للتأثر بالاضطرابات السياسية الجديدة، وكذلك عند مقارنتها مع التحديات السياسية في أجزاء أخرى من دول العالم الناشئة التي لا تزال في مراحلها الأولى، التي لا يمكن التنبؤ بها.

إن حجم الخسائر التي تكبدتها هذه الاقتصادات لا بد أنها ستعمل على إبقاء وتيرة التوسع والنمو فيها عند مستوى أقل من المستوى الذي كانت عليه قبل اشتعال الثورات فيها، الأمر الذي قد يمثل عاملا يهدد المكاسب والأرباح التي قد تحققها. ومع ذلك، فإن هذا المستوى الضعيف من المكاسب والإنجازات التي جرى تحقيقها على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، والفراغ القائم في المجتمع لمزيد من الإنتاجية والطلب في مختلف المجالات الاقتصادية، قد يمكّنان من إيجاد نطاق يساعد على الانتعاش عندما تسمح الظروف بذلك.

إن الاحتياجات المالية لدول شمال أفريقيا ودول شرق البحر الأبيض المتوسط كبيرة، حيث لا تزال العديد من هذه الدول تواجه تحديات كبيرة في الميزانية أو عجزا في حساباتها الجارية، على الرغم من أنها تتمتع بأفضلية الوصول إلى الموارد المالية وفقا لشروط تمويل سخية من قبل حلفائها من دول الخليج الغنية وشركائها الدوليين، مما سيوفر لها استقرارا كبيرا بما يتجاوز العديد من الأسواق الناشئة الأخرى. كما أن مساهمة صندوق النقد الدولي في دعم اقتصادات تونس والأردن والمغرب توفّر دعما سياسيا يسمح بالمزيد من الاستقرار على المدى الطويل.

وما زلنا نعتقد بأن ذروة الانتعاش الاقتصادي والفوائض المالية الكبيرة التي استمرت لعقود طويلة قد انقضت لدى بعض الدول الرئيسة المنتجة للنفط في المنطقة. فلقد أدت الارتفاعات السريعة في سقف الإنفاق العام إلى دفع الميزانيات في كل من الجزائر والبحرين والعراق إلى العجز، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق مائة دولار أميركي للبرميل الواحد. كما ستواصل سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية تحقيق فائض مالي لهذا العام والعام المقبل، ولكنها ستنتقل إلى مرحلة العجز بعد ذلك.

إن التغيير الحاصل في الثروات والفوائض المالية سيشكل نقلة في الأداء الاقتصادي. فبعد النمو السريع الذي شهدته اقتصادات المنطقة منذ بدء الارتفاع القوي في أسعار النفط في عام 2003، فإننا نتوقع أن يتوجه الإنفاق العام نحو التباطؤ. وبالفعل، فإن ميزانيات كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان لعام 2014 تشير إلى زيادات أكثر اعتدالا في الإنفاق، منذ عقد من الزمن، وهو اتجاه يعكس الاعتدال في الجزائر، التي انتقلت إلى العجز في ميزانيتها المالية. وحتى في قطر، الدولة الخليجية الأغنى من حيث دخل الفرد، فإن ميزانيتها لعامي 2014 و2015 ستحد من زيادة مستويات الإنفاق فيها بأقل من أربعة في المائة.ومع ذلك، وبينما لا يزال هذا يوحي بحصول تغيير في الدورة الاقتصادية، إلا أننا لا نتوقع أي تراجع في مستويات الانتعاش الاقتصادي التي تتمتع بها المنطقة. فمع ارتفاع أسعار النفط إلى مائة دولار للبرميل الواحد، ستكون البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة، التي ستسجل عجزا في ميزانيتها لهذا العام أو العام المقبل، وبذلك نتوقع تباطؤ وتيرة ارتفاع الإنفاق العام على مدى عامي 2014 و2015 بدلا من الانخفاض.

إلا أنه من الممكن لهذا الوضع أن يتغير في حال انخفاض أسعار النفط بشكل حاد. ومع ذلك، فإن الاضطرابات المتعلقة بمصادر الطاقة التي خلفتها التوترات الناشئة بين دول الغرب وروسيا تجعل هذه الانخفاضات تبدو غير مرجحة الحدوث على المدى القصير. وحتى في حال تراجع مكاسب دول مجلس التعاون الخليجي، فقد حققت فوائض تراكمية بلغت 1.25 تريليون دولار على مدى السنوات العشر الماضية – مما يعادل أكثر من 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ولقد سمحت لها هذه الفوائض بخفض ديونها بشكل جزئي وإنشاء المدخرات، مما يشكل ميزانيات عمومية قوية ثابتة توفر مجالا أوسع للمناورة والحركة.

* كبير الاقتصاديين لدى بنك «إتش إس بي سي الشرق الأوسط المحدود»