وزير الصناعة اللبناني السابق: الأزمة السورية أفقدتنا 50 في المائة من الاقتصاد السياحي

صابونجيان قال لـ «الشرق الأوسط» إن القطاع الصناعي شكل رافعة النجاة للموازنة الحكومية

فريج صابونجيان («الشرق الأوسط»)
TT

أكد مسؤول لبناني سابق أن الأزمة السورية أفقدت بلاده 50 في المائة من الاقتصاد السياحي، مشيرا إلى أن بلاده عانت على الصعيدين الاقتصادي والسياسي من تداعيات ما يجري في سوريا.

وقال فريج صابونجيان، وزير الصناعة السابق، في حوار مع «الشرق الأوسط»: «اليوم لبنان الأكثر تأثرا بما يحدث الآن في سوريا على كل الصعد، حيث تأثر الاقتصاد من خلال تأثر بعض القطاعات كالسياحة التي تراجعت بنسبة 50 في المائة». وشدد على ضرورة تكاتف العرب لوضع حد للوضع في سوريا دون الاعتماد على المجتمع الدولي، مبينا أن الأخير له مصالحه الاقتصادية التي جعلته بطيئا في التعاطي مع الأزمة السورية، وغير مبال بإيجاد حل سريع لها.

وعلى الصعيد الصناعي، أوضح صابونجيان أن القطاع يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين عشرة في المائة و15 في المائة، وبالتالي يسهم بنسبة في الاستقرار الاقتصادي في لبنان في ظل الظروف المعقدة التي تتداخل فيها المشكلات الداخلية والحرب السورية. ومع ذلك يعتقد صابونجيان، وهو رئيس «فريسو»، شركة تجهيز خدمات غذائية، أن الاقتصاد اللبناني قاوم الظروف المعقدة التي يعيشها، ونما بنسبة تتراوح بين 2.5 وثلاثة في المائة، مشيرا إلى أن الصناعة هي أكثر القطاعات نموا حاليا، وبلغت نسبة النمو فيها أكثر من 20 في المائة.

«الشرق الأوسط» حاورت وزير الصناعة اللبناني السابق إبان زيارته الأخيرة إلى الرياض، وفي ما يلي نص الحوار:

* على اعتبار أنك كنت وزيرا للصناعة.. كيف تقيم واقع الصناعة الآن في لبنان والتحديات التي تواجهها ونسبة نموها في ظل هذا الوضع المعقد الذي تعيشه المنطقة حاليا؟

- الواقع اللبناني اليوم إجمالا متأثر جدا بمحيطه، حيث إن لدينا أزمة منذ ثلاثة أعوام، ونتأثر جدا بالأحداث التي تجري للأسف في سوريا، وبالتالي تأثر الاقتصاد من خلال تأثر بعض القطاعات كالسياحة، التي تأثرت جدا حيث هبطت بنسبة 50 في المائة، فالسياح الذين كنا نراهم في غابر الأيام لم نعد نراهم حاليا، وهذا القطاع أكثر القطاعات تأثرا. أما في ما يتعلق بالقطاع الصناعي فلم يكن كغيره من القطاعات الأخرى، إذ لم يتأثر كثيرا، غير أنه كان هناك العديد من الصناعات والمنتجات تأتي للبنان من الدول المجاورة لم تعد تصل إلينا، حيث أغلقت الطرق الواصلة بيننا بحكم هذه الأحداث أكثر من مرة، إذ كنا في وقت سابق نستورد بعض المنتجات المتعلقة ببعض الصناعات لكن توقف ذلك بسبب الحرب. لكن عموما فإن القطاع الصناعي هو أكثر القطاعات حاليا نموا بنسبة بلغت أكثر من 20 في المائة.

* لكن لماذا لم يتأثر قطاع الصناعة تحديدا بالحرب في سوريا؟

- يعود ذلك لعدة أسباب، منها أن لبنان يحتضن حاليا أكثر من مليون سوري، وهؤلاء يمثلون قوى استهلاكية كبيرة في السوق على صعيد المنتجات الصناعية خاصة الأغذية، مما خلق نوعا من التوازن بين ما يفقده القطاع من سوق خارجية، وما توافر من سوق داخلية في الوقت نفسه. ثانيا فإن أسواقنا الخارجية نمت في وقت تراجعت فيه أسواقنا الداخلية في الداخل، وركز رجال الأعمال اللبنانيون عموما والصناعيون خصوصا على الأسواق الخارجية، فأصبح هناك نمو في الصادر لدينا، ولذلك أخذ الصادر في نمو متصاعد سنويا بنسبة تتراوح بين عشرة و15 في المائة، وبالتالي فإن هذا الوضع ساعدنا قليلا في المحافظة على استقرار نسبي في الوضع الاقتصادي اللبناني.

* ما نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي؟

- يسهم القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي وفق نظام الـ«جي دي بي سي»، بما بين 10 في المائة و15 في المائة، وبالتالي يسهم بنسبة في الاستقرار الاقتصادي في لبنان في ظل الظروف المعقدة بسبب المشكلات الداخلية والحرب السورية، ولذلك كانت الأسواق الخارجية مهمة جدا بالنسبة لنا، ومع أن بلادنا صغيرة الحجم فإنها تتمتع بفرص كثيرة وكبيرة في ظل تنوع في المصالح، وأنا شخصيا كنت أشجع الصناعيين للاتصال باللبنانيين الذين يعيشون خارج لبنان للمساهمة في فتح الأسواق التي يعيشون فيها للمنتجات اللبنانية.

* وما أهمية الأسواق العربية خصوصا السوق السعودية للبنان في مثل هذه الظروف؟

- بالتأكيد الأسواق العربية عامة مهمة جدا بالنسبة لنا في مثل هذه الظروف البالغة التعقيد، وبطبيعة الحال فإن السوق السعودية تأتي في طليعة هذه الأسواق، ومع ذلك نحن نهتم أيضا بالأسواق الأفريقية، لأن هناك العديد من اللبنانيين الموجودين هناك.

* إلى أي حد أسهمت الحرب السورية والمشكلات الداخلية في تراجع الاقتصاد اللبناني؟

- كما ذكرت سابقا، فإن هناك بعض القطاعات مثل السياحة تراجعت بأكثر من 50 في المائة، وهناك قطاعات تباطأ نموها خصوصا القطاعات ذات الصلة بقطاع السياحة، ويأتي في أولها القطاع العقاري، حيث تجمّد تماما وجمد معه القطاعات المرتبطة به، في ما عدا الصناعات والخدمات، والقطاعان الأخيران هما الوحيدان اللذان وقع عليهما عبء خلق التوازن الاقتصادي، ولكن بالإجمالي فإن الاقتصاد نما بنسبة تتراوح بين 2.5 وثلاثة في المائة وفق نظام الـ«جي دي بي سي».

* ما أهم الصناعات اللبنانية التي يعتمد عليها الاقتصاد؟

- من الصناعات المهمة لدينا برامج الكومبيوتر والمولدات الكهربائية والأغذية وصناعتها وصناعة الأزياء، فضلا عن التجهيزات الفندقية والتجهيزات الإلكترونية وبعض الصناعات الأخرى التي حظيت بشهرة كبيرة في العالم، ونجحت في مجال التصدير كثيرا، ولذلك أعتقد أنه في هذا الاقتصاد المعولم لا بد أن تكون لدينا شركات معولمة وشراكة بين جميع البلدان وشراكة بين الشركات اللبنانية وغير اللبنانية خصوصا مع نظيراتها في البلدان العربية، وبالأخص تلك التي تعمل في السعودية بنجاح ملحوظ.

* كيف تنظر إلى واقع العقار اللبناني ومدى تأثره بالواقع السياحي في لبنان؟

- إن واقع العقار الآن في محطة الصفر، أي أنه جمد منذ عام ونصف العام بعدما استفحلت الأحداث وصار الوضع أكثر مأساوية، وكان لذلك أثر بليغ في الاقتصاد وفي أوساط المستثمرين الذين وضعوا أموالهم في هذا القطاع دون أن يستفيدوا منها بشكل مباشر، وأتمنى أن نخرج من هذا الظرف الصعب ويعود لبنان كما كان سابقا وأكثر.

* برأيك ما سقف طموحات رجال الأعمال العرب من حكوماتهم؟

- أعتقد أن كل رجال الأعمال والاقتصاديين لديهم طموحات، ولذلك لا بد لحكوماتنا العربية من العمل على تحقيق هذه الطموحات سواء بناء مصانع أو شركات، من خلال إقرار أنظمة صديقة لهم لا تعوقهم وتقف حجر عثرة أمامهم، وبكل صراحة أنا قلق تجاه هجرة الرساميل العربية إلى بلاد أجنبية ولا بد للمسؤولين أن يمنحوا المساحة الكافية والأرضية الصالحة لرجال الأعمال، للاستثمار في بلادهم العربية بدلا من الاستمارات في بلاد أخرى، مع أنني ضد الاستثمار الخارجي لأنه بالفعل مهم لأنه يستعين بأفكار وخبرات عالمية ضرورية، ولكن لا بد من منح المجال في البلاد العربية للمستثمر العربي للاستثمار في أفكار جديدة ومشاريع جديدة مهمة جدا.

* كيف تنظر إلى الأخذ بيد الاقتصاد العربي نحو آفاق أكثر رحابة في ظل الواقع المعقد؟

- أنا شخصيا أدعو لاتباع سياسة الدمج والإقبال نحو الشراء والبيع المتبادل بشكل قوي، وأرى أنها خريطة طريق لإنجاح هذا الأسلوب من مسائل الدمج والاستحواذ، ذلك لأننا نرى مع الوقت ظهور دولة جديدة تخرج إلى الحياة في كل يوم سواء في الشرق أو الغرب أو في آسيا مثل الصين وغيرها، والتي ظهرت في العقود الأخيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا نعمل مثل تلك البلاد التي سعت للاندماج مع إقرارنا بأن سوقنا ليست بها قوى بمقدار المليار والثلاثمائة ألف نسمة، غير أن لدينا أسواقا مهمة وناشطة في البلاد العربية. ولذلك لا بد من اتحاد العرب اقتصاديا.

* ما تقييمك لشكل العلاقات اللبنانية - السعودية ومستقبلها؟

- أولا، دعني أؤكد في هذا المقام أن السعودية هي الأخ الأكبر لكل البلاد العربية، ونحن حريصون بطبيعة الحال على أن تكون لدينا علاقات قوية جدا مع السعودية، ونحن تعودنا في لبنان على ذلك، وبالتالي لم يكن بالشيء الجديد بالنسبة لنا تعزيز العلاقات الثنائية في كل الصعد والمضي بها نحو الأمام، ولدي أمل في أن ننظر إلى الأمور إلى مدى أبعد، وأن نكون واقعيين ونؤمن بمستقبل أجيالنا في كل البلاد العربية من هذا المنطلق.

* اتهم بعض المراقبين المجتمع الدولي بأنه غير جاد في حل الأزمة السورية.. ما تعليقك؟

- أنا أنظر إلى هذا الموضوع من ناحية المصالح، ولذلك أعتقد أن المجتمع الدولي له مصالحه الاقتصادية التي جعلته بطيئا وغير مبال بإيجاد حلّ سريع للأزمة السورية، وبالمقابل لدينا مصالحنا ولا بد أن ننظر إلى مثل هذه الأمور من ناحية مصلحتنا، ولا بد أن نقول للمجتمع الدولي كبلدان عربية إن لنا الحق في العيش بكرامة، ويكون لدينا مستقبل آمن، فالبلدان العربية تمثل هي الأخرى مجتمع دولي، وينبغي النظر إليها على هذا النحو، ولا بد أن تنتهي هذه النظرة الدونية تجاه المجتمع العربي، ولا بد أن يأخذ برأيه في تقرير مصيره، وعليه أن يستمع للصوت العربي الذي أجمع على ضرورة إيجاد حل سريع للكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري والذي يعيش حاليا بين نازح ولاجئ يفتقد لأبسط حقوقه في العيش والغذاء والتعليم والدواء.