خبراء: مضاربات السماسرة وراء ارتفاع عقارات تونس 30 في المائة

سعر المتر المربع الواحد الجاهز تضاعف خمس مرات بعد الثورة وبلغ 1250 دولارا

جانب من شقق معروضة في مدينة سوسة التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

قدر خبراء ينشطون في سوق العقارات التونسية حجم الزيادة في أسعار كافة العقارات خلال الثلاث سنوات الأخيرة بنحو 30 في المائة، مشيرين إلى أن هذه الزيادة جاءت مدفوعة بالارتفاع القياسي في أسعار مواد البناء وأسعار الأراضي المعدة للبناء، وهو ما انعكس على الأسعار النهائية للمباني والشقق المعدة للسكن.

وكشف ناشطون مشاركون في صالون النهوض العقاري في دورته الـ11 المنعقدة بتونس العاصمة، أسباب الارتفاع المسجل بعد الثورة على مستوى أسعار مختلف العقارات إلى الزيادة الملحوظة التي طرأت على تكلفة اليد العاملة المختصة التي باتت تتجاوز 80 دينارا تونسيا (نحو 50 دولارا أميركيا) في اليوم الواحد.

ولم يستبعدوا تواصل ارتفاع تكلفة السكن في تونس خلال الفترة المقبلة وأبدوا تخوفهم من هذا الارتفاع الذي على حد تصريحاتهم «لا يخدم مصلحة الباعث العقاري ولا المواطن على حد السواء»، وطالبوا في المقابل بوجوب التخفيض في كافة الأسعار بنحو 30 في المائة. وقالوا إن سوق العقارات عرفت «ارتفاعا صاروخيا على مستوى أسعار العقارات والمنازل في تونس».

واعترف الوسطاء في المجال العقاري بتعقد المعاملات العقارية في تونس من خلال شح المعلومات المتوفرة في المجال، ويتيح هذا الأمر فتح الباب أمام المضاربات والاحتكار في القطاع. وفي هذا الشأن، قال طارق ثابت ممثل وكالة عقارية موجودة في 94 دولة لـ«الشرق الأوسط» إن سوق العقارات التونسية تعاني من صعوبة تنظيم قطاع الوساطة العقارية أو ما يسمى بـ«السماسرة» والارتقاء به إلى مستوى المهنة القائمة الذات وبالتالي إخضاعها لمجموعة من المعايير والمقاييس المضبوطة على غرار ما هو معمول به في الدول الصناعية. وأضاف أن شركته بخبرتها الطويلة بإمكانها تقديم المساعدة في هذا المجال.

ويشارك في الدورة الـ11 لصالون النهوض العقاري 60 عارضا من مختلف الأنشطة المرتبطة بسوق العقارات على غرار الباعثين العقاريين والبنوك والتأمينات والطاقة المتجددة والأشغال العامة.

وفي نفس السياق، قال الشاذلي السلامي رئيس الجمعية المهنية للبعث العقاري والبناء في ندوة صحافية عقدها بمناسبة الدورة الجديدة لصالون النهوض العقاري التي انتظمت من الأول من مايو (أيار) إلى غاية يوم الرابع من نفس الشهر، إن تحرير أسعار الاسمنت جراء إلغاء الدعم في المحروقات عن مصانع الاسمنت التي انتهجتها الحكومة مطلع العام الجاري سينعكس على منحى أسعار الوحدات السكنية، لافتا الانتباه إلى أن تواصل إلغاء الدعم عن مصانع الآجر والخزف سيُعقد الوضعية نسبيا.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، تذمر السلامي من كثرة الدخلاء في القطاع مما تسبب على حد تقديره في ارتفاع الأسعار. وأضاف أن قطاع البعث العقاري في تونس بات يضم نحو 1700 باعث، 30 في المائة منهم فقط يمارسون المهنة.

وطالب السلامي في المقابل الجهات المعنية بوجوب مراجعة القوانين المتصلة بالبعث العقاري التي تعود حسب رأيه إلى سنة 1990 لكونها لم تعد متماشية مع الواقع الراهن للقطاع.

وأوصى في السياق ذاته بمراجعة شاملة لأمثلة التهيئة الترابية والعمرانية التي تشرف على إعدادها السلط البلدية، في اتجاه الحرص على توفير الأراضي المخصصة للسكن الاجتماعي.

ومن ناحيته، قال علي بن منصور المكلف بالإعلام في الشركة المنظمة للصالون، إن هذه التظاهرة تهدف إلى تقديم أهم المستجدات في مجال البعث العقاري في تونس وعرض فكرة عامة عن مشاريع السكن الجاهزة التي هي في طور البناء والتي سيعرضها الباعثون العقاريون العموميون والخواص.

وأضاف أنه بمناسبة هذا الصالون سيجري تخصيص جناح للبنوك التجارية لقبول ودراسة ملفات القروض البنكية للزوار الراغبين في اقتناء منازل أو شقق. ولاحظ أنه سيجري على هامش الصالون تنظيم ندوات علمية هدفها عرض التجارب الجديدة في مجال طرق البناء المقتصد للطاقة.

وتجدر الملاحظة إلى وجود الجمعية المهنية للبعث العقاري والبناء التي تأسست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 وهي تعمل على تجميع كل المتدخلين في مجال البعث العقاري وتحرص كذلك على تذليل الصعوبات والإشكاليات.

من ناحيتهم قدر خبراء ينشطون في سوق العقارات التونسية أن تكون أسعار كافة العقارات قد ارتفعت خلال الثلاث سنوات الأخيرة بنسبة لا تقل عن 30 في المائة. وتزامن هذا الارتفاع القياسي مع زيادة في أسعار مواد البناء وأسعار الأراضي المعدة للبناء، وهو ما انعكس على الأسعار النهائية للمباني والشقق المعدة للسكن.

وأجرت وزارة التجهيز وبعض الهياكل الناشطة في مجال بيع وشراء العقارات، دراسة ميدانية أظهرت أن سعر المتر المربع الواحد الجاهز لا يقل عن ألفي دينار تونسي (نحو 1250 دولارا أميركي) بعد الثورة وقد تضاعف خمس مرات إذ كان قبل سنة 2011 في حدود 400 دينار تونسي فحسب. وتسعى وزارة التجهيز إلى إقرار مراجعة لسياسة السكن والعقارات هدفها الحد من الغلاء والمضاربات.

وأرجعت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك (منظمة مستقلة) ارتفاع الأسعار في جانب منه إلى تزايد عدد المضاربين في مجال أكثر أمانا بالنسبة لرؤوس الأموال، وارتفاع إعداد المهربين وما يعرف بـ«الكنترا» (التهريب).

وقال محمد زروق نائب رئيس المنظمة في تصريح إعلامي إن الكثير ممن دخلوا سوق العقارات قد يكونون من بين المتهربين من الضرائب والباحثين عن تبييض الأموال عن طريق الاستثمار الآمن في شراء العقارات.

وحسب الدليل العقاري التونسي للسنة الجارية، فإن سعر المتر المربع من الأراضي في تونس بات يتراوح على وجه العموم، بين 1200 و3000 دينار تونسي (ما بين 800 و1500 دولار أميركي)، وتختلف هذه الأسعار من مدينة سكنية إلى أخرى، ففي الأحياء السكنية الراقية بكل من المنزه والنصر وحدائق قرطاج، يرتفع سعر المر المربع من الأراضي إلى حدود 1900 دينار تونسي، أما وسط العاصمة التونسية وفي شارع محمد الخامس القريب من شارع بورقيبة، فإن السعر يتراوح بين 1800 و2500 دينار تونسي.

وفسر عبد السلام بن رجب (وسيط عقاري بتونس العاصمة) ارتفاع أسعار العقارات بدخول طبقة ميسورة إلى عالم سوق العقارات مكونة من الأشقاء الليبيين وبعض البلدان الخليجية والأوروبية كذلك (فرنسا وألمانيا) وقال إنهم يرغبون في اقتناء منازل فخمة ولديهم الاستعداد والمقدرة المادية على دفع كافة التكاليف، فيما يكتفي التونسيون بالخارج بشراء مسكن بأقل التكاليف لكنهم يدفعون بالعملة الصعبة على حد تعبيره.

وتتوالى الطلبات وتتزايد على المساكن الجاهزة وتأثرت السوق العقارية بشكل لافت للانتباه باستقرار قرابة 450 ألف ليبي في تونس وذلك من خلال ارتفاع أسعار العقارات خاصة بولايات - محافظات - تونس الكبرى (تجمع عمراني يضم أربع ولايات هي تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة).

كما أن طلبات التونسيين المقيمين بالخارج وخاصة في فرنسا على شراء العقارات، قد استعادت نسقها العادي بعد مرور ثلاث سنوات على نجاح الثورة وهو ما أسهم بدوره في ارتفاع سعر الأراضي المعدة للبناء والعقارات خاصة في المناطق المحاذية للبحر.

بشأن صعوبة الحصول على مسكن جاهز في تونس، شبه الأسعد الماجري (موظف) في حديث لـ«الشرق الأوسط» «الأمر بالحلم المستحيل بالنسبة له ولعائلته المكونة من أربعة أفراد». وتابع «أسعار المسكن الجماعي الجاهز لا تقل عن 60 ألف دينار تونسي (نحو 37,6 ألف دولار أميركي) في أدنى الحالات، وهذا كثير على حد قوله لبلد لا يزيد فيه الأجر الأدنى المضمون على 300 دينار تونسي في الشهر (نحو 187 دولارا أميركيا)، وتساءل كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع الصعب وإيجاد معادلة مقبولة له على حد قوله؟

وحسب الإحصائيات التي أعدها مرصد الإسكان والتجهيز الراجع بالنظر لوزارة التجهيز التونسية، فإن عدد رخص البناء بلغ 45846 رخصة سنة 2013 مقابل 44705 رخص بناء سنة 2012 وهذا العدد من رخص البناء لا يلبي حاجيات التونسيين من المساكن حيث إن الحاجيات السنوية مقدرة بين 40 و60 ألف وحدة سكنية.

ويجري سنويا بناء قرابة 50 ألف وحدة سكنية جديدة في تونس من بينها 40 ألفا يشيدها مالكون خواص، ولا يتدخل الباعثون العقاريون الخواص إلا في حدود 9 آلاف مسكن.

وتشير الأرقام والإحصائيات إلى وجود ما لا يقل عن 426200 شقة سكنية شاغرة موزعة على كامل التراب التونسي، ويوجد 23 في المائة من التونسيين دون مساكن خاصة وهم في تنافس متواصل مع الباحثين عن الكراء من الأجانب والسياح.

وتسعى الوكالة العقارية للسكنى (هيكل حكومي) خلال السنة الجديدة إلى توفير أراض لفائدة 46 باعث عقاري وذلك استجابة للطلبات المتزايدة من المساكن وهي تهدف إلى إنجاز مساكن جماعية في عدة مدن تونسية من بينها حي المروج والمنزه بالعاصمة التونسية وضواحيها إضافة إلى مدن القيروان ونابل وسوسة.