دعوة الحكيم لإعادة بناء التحالف الوطني لا تلقى تجاوبا من المالكي

رئيس الحكومة العراقية يسعى إلى تخطي الشركاء السابقين.. و«يغازل» الأكراد

TT

يصر زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم على إعادة بناء «التحالف الوطني» الشيعي على أسس جديدة لم يفصح عنها، لكن لا يتوقع أن يلقى ذلك آذانا صاغية هذه المرة من قبل ائتلاف دولة القانون وزعيمه نوري المالكي. فنتائج انتخابات عام 2014 التي أعادت المالكي إلى الصدارة ثانية طبقا للمؤشرات الأولية للانتخابات تختلف عن نتائج عام 2010 لأكثر من سبب.

ولعل أبرز الأسباب آنذاك هو الفوز الساحق وغير المتوقع الذي حققته القائمة العراقية سنية الطابع والتي يتزعمها شيعي علماني (إياد علاوي أول رئيس وزراء عراقي بعد سقوط النظام السابق عام 2003). تلك النتيجة ما كان يمكن مواجهتها واعتراض سبيلها لتشكيل الحكومة سوى المضي قدما من قبل الكتل السياسية الشيعية عبر سياسة «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، فنتج طبقا لذلك التحالف الوطني الشيعي بوصفه الكتلة البرلمانية الأكبر.

وبينما برز الجدل حول مفهوم الكتلة الأكبر سواء بين المراقبين والمحللين السياسيين أو فقهاء القانون، فقد حسمت المحكمة الاتحادية أمرها وذلك بفتواها الشهيرة بأن التحالف البرلماني الأكبر يمكن أن يتشكل بعد ظهور نتائج الانتخابات وتشكيل حكومة 2010 طبقا لاتفاقية أربيل. لكن كل التوقعات والمؤشرات تؤكد أنه لا أربيل جديدة بعد اليوم لا سيما بعد فشل أربيل في نسختها الثانية عام 2011 عندما أخفق فريقها، المؤلف من رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم العراقية إياد علاوي وزعيم متحدون أسامة النجيفي، في سحب الثقة من المالكي بعد تراجع الرئيس جلال طالباني عن تمرير هذا الطلب إلى البرلمان نتيجة لضغوط إيرانية مثلما قال في ما بعد السياسي العراقي أحمد الجلبي.

المالكي الذي وصف خلال الحملة الانتخابية فريق أربيل المناوئ له بأنه «فريق البائسين» عاد بعد يوم واحد من الانتخابات إلى مغازلة كبير زعماء ذلك الفريق مسعود بارزاني، حين قال «ما بيننا وبين مسعود بارزاني حلف استراتيجي، ولا توجد خلافات مذهبية وعرقية». بهذا التصريح شطب المالكي، الذي يعد نفسه المنتصر الأكبر في الانتخابات الأخيرة، على كل الخلافات العميقة مع الإقليم الكردي، والتي ترتب عليه قطع المالكي رواتب موظفيه بسبب الخلاف حول الموازنة التي لم تر النور بعد على الرغم من انتهاء الانتخابات والدورة البرلمانية وتحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال.

المالكي لا يريد العودة إلى «جلباب» أبيه، وهو التحالف الوطني الذي كان رشحه عام 2010 لرئاسة الحكومة التي سميت حكومة «الشراكة الوطنية»، والتي كما يقول كل المشاركين فيها بدءا من المالكي نفسه لم تحقق لا الشراكة ولا الوطنية.

وحيث يبدو الحل الوحيد الآن للخروج من هذا المأزق هو حكومة الأغلبية، فإن الخلاف الأبرز الذي يطفو على الساحة هو ليس بين المالكي ومناوئيه من أمثال علاوي والنجيفي وبارزاني، بل يبدو خلافه الأعمق مع من يصنفان على أنهما شريكاه، وهما الحكيم والصدر. والخلاف يتمحور شكلا ومضمونا حول «التحالف الوطني». فالمالكي ومن خلال رغبته في تشكيل حكومة أغلبية سياسية يسعى إلى تخطي التحالف الوطني باعتبار أن كلا من الحكيم والصدر لن يدعم ترشيحه لهذه الحكومة. أما الحكيم فإنه من أكثر المتحمسين لإعادة بناء التحالف الوطني بما يجعله القوة الشيعية الأكبر والتي تتناغم مع الطموحات الإيرانية في أن يبقى الشيعة هم القوة الأكبر في البلاد، لكنه يقصي المالكي من الولاية الثالثة ويسمح لتعددية في الآراء داخل التحالف بترشيح بديل له يفضل ألا يكون من ائتلاف المالكي، وتحديدا من حزب الدعوة الذي يتزعمه.

أما العرب السنة، بمن فيهم قائمة صالح المطلك، وطبقا لما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» القيادي في القائمة وفي جبهة الحوار الوطني مهند حسام الدين «لا يؤيدون ولاية ثالثة للمالكي بأي شكل من الأشكال»، مبديا الخشية «من إعادة الاصطفافات الطائفية والعرقية من جديد، وهو ما لا يساعد على تشكيل حكومة الأغلبية السياسية التي من شأنها إنقاذ البلاد من الأزمات التي تعانيها».

أما النائب عن ائتلاف دولة القانون عبود العيساوي فلديه رؤية مختلفة عن رؤية الشركاء الشيعة داخل التحالف الوطني حين اعتبر أن تجربة التحالف الوطني لن «تكون تجربة ناجحة مستقبلا، فتجربة سابقة لم تكن كذلك، وقد تكون له حاجة بالمستقبل لكنها مرهونة بتصرفات الأطراف الأخرى». الأطراف الأخرى من وجهة نظره ليسوا الشركاء السنة والأكراد بل الشيعة، قائلا إن ائتلافه «مصر على تشكيل حكومة على أساس الأغلبية السياسية، لأنه مخرج للتأزم الموجود والتعثرات التي واجهت حكومة الشراكة، وسبيل للخروج من المأزق السياسي والتعقيدات التي واجهت الدورة البرلمانية الحالية». ويتناقض ذلك مع قناعة الحكيم التي تقوم على إعادة «تشكيل التحالف الوطني وتحويله إلى مؤسسة قوية متكاملة وموحدة»، مضيفا أنه «لا تفرد في حكم العراق ولا تهميش لمكون ولا استئثار بالقرار، وسنعمل مع الفريق القوي المتجانس على اتخاذ قرارات مشتركة تنهي الأزمات».

الصدريون، ومن خلال ما عبر عنه القيادي في التيار حاكم الزاملي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، يؤكدون أن «رغبة الجميع الآن تتمثل في حكومة أغلبية سياسية حقيقية يمكننا من خلالها تخطي تجربة الفشل خلال السنوات الثماني الماضية التي لم يتحقق فيها شيء». ليس هذا فقط، فمحمد الخالدي القيادي في كتلة «متحدون» يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المالكي لم يعد بوسعه تأمين (النصف زائد واحد)، فهو غير مرغوب فيه من داخل التحالف الوطني، وسوف يراهن على كتل صغيرة، بينما نحن مع التيار الصدري والمجلس الأعلى والأكراد قادرون على تأمين 225 صوتا، وهي أغلبية ساحقة».

النتائج النهائية للانتخابات لم تظهر بعد. وحتى موعد ظهورها فإن كثيرا من الكلام سوف يقال، لكن مهما كانت ردود الفعل هنا أو هناك فإنه ليس أمام المالكي سوى الخروج من هذه المظلة إلى أخرى قد تكون أضيق، لكنها توفر له ولو بصعوبة غطاء الزعامة للسنوات الأربع المقبلة.