جدل في الجزائر حول مسعى بوتفليقة لتعديل الدستور

المشروع يدعو لتحديد عدد الولايات الرئاسية ولا ينص على منصب نائب للرئيس

TT

كشفت الرئاسة الجزائرية، أول من أمس، عن أبرز معالم التعديل الدستوري الذي تعهد به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد انتخابه لولاية رابعة الشهر الماضي. ويتعلق الأمر أساسا بتحديد الترشح للرئاسة مرة واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة. وغاب عن المقترحات استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية الذي أثار جدلا كبيرا.

وجاء في مقترحات تعديل الدستور، المنشورة بموقع الرئاسة، والتي جرى إرسالها إلى الأحزاب والشخصيات السياسية والنقابات، أن الهدف من تعديل المادة 74 من الدستور، التي تتعلق بالترشح للمنصب الأعلى في الدولة «دسترة التداول الديمقراطي على الحكم وتكريس ثقافة التداول عليه، كون ذلك يعد من مقتضيات الديمقراطية وإحدى دعائمها الأساسية».

وكان الترشح للرئاسة محددا بفترتين فقط (مدة الولاية خمس سنوات)، في الدستور، قبل أن يلغيها بوتفليقة عندما عدله عام 2008، فاتحا لنفسه باب الترشح لولاية ثالثة. وعد الرئيس، حينها، منعه من الترشح مجددا «بمثابة ضربة للديمقراطية لأننا بذلك نمنع الشعب من حرية الاختيار»، حسب ما جاء في أحد خطاباته السابقة.

وتعرض بوتفليقة لانتقادات شديدة عندما عدل الدستور، وكان أول من هاجمه الرئيس السابق اليمين زروال، وهو عسكري، أدخل تعديلا على الدستور في 1996، يمنع الترشح لأكثر من ولايتين.

وتناولت وثيقة التعديل «ترسيخ قيم السلم والمصالحة الوطنية، لتكون وتبقى دوما معالم ثابتة لأجيال المستقبل، ولتشكل وسائل مفضلة لحل كل نزاع محتمل، قد يواجهه المجتمع عبر تاريخه». ويقول موالون للرئيس بوتفليقة، إن سياسة «المصالحة» التي انتهجها بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم عام 1999، حالت دون إراقة مزيد من الدماء، بحجة أن آلاف الإسلاميين المسلحين انخرطوا فيه، ووضعوا السلاح مقابل الاستفادة من إلغاء المتابعة القضائية ضدهم، غير أن «المصالحة التي صدرت بقانون في 2006، حملت قطاعا من الإسلاميين السياسيين، دون ذكرهم بالاسم، مسؤولية ما يعرف بـ(العشرية السوداء) في تسعينات القرن الماضي، وحرمت عليهم الاشتغال بالسياسة من جديد، سواء بالترشح في الانتخابات أو الدخول في أحزاب. وكان أول المستهدفين بهذا الحظر قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وعلى رأسهم المعارض الأبدي للنظام علي بن حاج. ولم توضح مقترحات بوتفليقة كيف يمكن «ترسيخ المصالحة» في مادة دستورية.

وتشير وثيقة المقترحات إلى «حماية الاقتصاد الوطني من الآفات التي تضره»، وتحدثت عن «دسترة مبدأ محاربة الرشوة الفاعلة والسلبية، والتصريح بالممتلكات، وإقرار مصادرة الممتلكات المكتسبة بفعل الرشوة أيا كانت طبيعتها».

ومن شأن هذه التعديلات، حسب صاحبها «تمكين محاربة هذه الآفة الخطيرة (الرشوة) بفعالية وتعزيز الحكامة في بلادنا».

وأصدر بوتفليقة في السنوات الأخيرة ترسانة من القوانين والإجراءات والتدابير الردعية، ضد الضالعين في الفساد. واللافت أن أبرز المتهمين بالفساد شخصيات مقربة منه، مثل وزير الطاقة السابق شكيب خليل، المقيم بالولايات المتحدة حاليا.

وفي موضوع الحريات الفردية والجماعية، تحدثت الوثيقة عن «توسيع وإثراء الفضاء الدستوري للمواطن، من خلال تكريس حريات عامة جديدة، وتعزيز حقوق مكفولة دستوريا»، من دون تقديم تفاصيل.

وفي الشق المتعلق بتنظيم السلطات، ذكرت الوثيقة أن مسعى الرئيس في هذا المجال «يهدف إلى إضفاء المزيد من الانسجام والوضوح بين مؤسسات الدولة، ضمن احترام مبدأ الفصل بين السلطات، ويكون ذلك من خلال إعادة ترتيب العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ومكوناتهما، ودعم صلاحياتهما بهدف تحقيق توازن أفضل بينهما، وفعالية أكبر في أعمال كل واحدة منهما، ومن خلال توسيع تمثيل السلطة القضائية في المجلس الدستوري، ودعم استقلالية القاضي».

ويقول مراقبون، إن الحديث عن «الفصل بين السلطات» خطاب تكرره السلطة من زمن طويل، بينما يلاحظ في الممارسة على أرض الواقع طغيان السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية) على سلطة التشريع التي يمثلها البرلمان، وسلطة القضاء أيضا.

وذكر بوتفليقة في هذه المقترحات، أنه لم يضع «أي حدود مسبقة في هذا التعديل الدستوري، فيما عدا تلك المتعلقة بالثوابت الوطنية والقيم والمبادئ التي تؤسس المجتمع الجزائري، وتجسد تاريخه الطويل وحضارته العريقة، ورؤيته المستقبلية المتشبعة بالقيم والمبادئ، التي يتقاسمها كل المواطنين الجزائريين».