شبح العقوبات والانكماش يخيم على المنتدى الاقتصادي العالمي في روسيا

نحو ثلاثين من رؤساء الشركات الغربية رفضوا المشاركة فيه

افتتح المنتدى الاقتصادي الدولي، الذي تنظمه روسيا كل عام في مدينة سان بطرسبورغ أعماله أمس في أجواء قاتمة، على خلفية الأزمة الأوكرانية (أ.ف.ب)
TT

قال وزير الاقتصاد الروسي أليكسي أوليوكاييف أمس إن روسيا قد تتفادى الانزلاق إلى ركود اقتصادي في الربع الثاني من العام.

وبحسب «رويترز»، أبلغ أوليوكاييف الصحافيين، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، أن «البيانات الأولية للاقتصاد الكلي لشهر أبريل (نيسان) تظهر أن احتمالات ركود اقتصادي تقل عن 50 في المائة».

وكان الوزير قد تكهن في وقت سابق بأن روسيا قد تنزلق إلى الركود بحلول نهاية يونيو (حزيران)، بعد أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي 5.‏0 في المائة على أساس فصلي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

وقال أوليوكاييف إن «التدفقات الرأسمالية التي وصلت إلى 7.‏63 مليار دولار في الربع الأول تراجعت الشهر الماضي، وإن أوضاع السوق الآن مواتية لبيع مزمع لحصة قدرها 5.‏19 في المائة في شركة روسنفت أكبر منتج للنفط في روسيا»، وأضاف قائلا «خصخصة روسنفت هذا العام ممكنة جدا».

وقد افتتح المنتدى الاقتصادي الدولي، الذي تنظمه روسيا كل عام في مدينة سان بطرسبورغ، أعماله أمس في أجواء قاتمة، وغياب نحو ثلاثين من رؤساء الشركات الغربيين وفي حين يواجه الاقتصاد الروسي عقوبات على علاقة بالأزمة الأوكرانية. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، هذه السنة امتنع قرابة 34 رئيس شركة أجنبية عن المشاركة في هذا المنتدى الواسع للأعمال، بحسب الصحافة الروسية التي شبهت اللائحة الأساسية للمشاركين مع آخر نسخة نشرت على الموقع الإلكتروني للمنتدى.

وبين هؤلاء، رؤساء مجالس إدارة المصرفين الأميركيين، مورغان ستانلي وسيتي غروب، وشركة بوينغ أو العملاق الألماني سيمنز. وتغيبت أيضا شركات أخرى مثل المجموعة النفطية كونوكو فيليبس، وعملاق الألمنيوم ألكوا أو الشركة المتخصصة في المشروبات غير الروحية بيبسي كو، وتذرع بعضها بـ«أسباب تتعلق بجدول مواعيده» المثقل. واتهم الكرملين من جهته واشنطن بأنها مارست ضغوطا على كبار رؤساء الشركات، لمعاقبة موسكو على تورطها في الأزمة الأوكرانية. وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في مطلع مايو (أيار) أن مسؤولين كبارا في البيت الأبيض اتصلوا بعدد من مسؤولي الشركات، وحضوهم على عدم التوجه إلى العاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة.

من جهة أخرى، أعلنت متحدثة باسم البيت الأبيض أن وجود رؤساء شركات أميركيين في هذا المنتدى سيوجه رسالة غير ملائمة. وفي مطلع الشهر، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «هذه ليست قرارات تتخذها الشركات، لكنها إجراءات مفروضة. رفض المشاركة مرتبط بالضغوط التي تعرضت لها».

إلا أن رؤساء شركات كبرى أخرى وافقوا على المشاركة في المنتدى، من بينهم رؤساء المجموعات النفطية بي بي وستيت أويل، والعملاق الفرنسي توتال، وأيضا المجموعة الكورية لبناء السفن هيونداي هيفي انداستريز. وسيشاركون إلى جانب رجال أعمال روس كبار، مثل الملياردير أوليغ ديريباسكا، وقطب صناعة الصلب فلاديمير ليسين، وأيضا عليشر عثمانوف أكثر الرجال ثراء في روسيا.

وهذا المنتدى الثامن عشر من نوعه في مسقط رأس فلاديمير بوتين، يهدف إلى اجتذاب المستثمرين إلى روسيا عبر جمع نخبة رجال الأعمال في العالم. وهذه حاجة ماسة جدا للبلد الذي تعرض اقتصاده المترنح أصلا لضربة قوية جراء الموجات المتتالية من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضده. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الروسي الذي تراجع نموه من 4,3 في المائة في 2011 إلى 1,3 في المائة العام الماضي، دخل مرحلة الانكماش، ولن يتحسن بأكثر من 0,2 في المائة هذه السنة، إلا أن الحكومة الروسية أكثر تفاؤلا بقليل، لأنها تتوقع زيادة من 0,5 في المائة.

وأكد وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، الخميس، أن «المستثمرين قلقون حيال عدم الاستقرار (...). إن ردنا على العقوبات سيكون تحسين مناخ الاستثمار. لقد اتخذت الحكومة إجراءات تسير في هذا الاتجاه». وتجاوزت قيمة الرساميل الهاربة الخمسين مليار دولار في الفصل الأول من العام مقابل 62,7 مليار دولار طيلة العام 2013. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن هذه المبالغ الهاربة قد تصل إلى 100 مليار دولار هذه السنة.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف رأى، الثلاثاء، أن في وسع روسيا مواجهة «كل العقوبات»، فإن نائب رئيس الوزراء الروسي أيغور شوبالوف أقر، الخميس، بأن للعقوبات الغربية انعكاسا ملحوظا على الاقتصاد.

وقال شوبالوف بحسب ما نقلت وكالات الأنباء الروسية إن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حاليا تحمل «عواقب وخيمة» على اقتصادنا.

وبإمكان الرئيس الروسي المتوقع وصوله إلى سان بطرسبورغ الجمعة، أن يفاخر بأنه توصل عشية افتتاح المنتدى، إلى التوقيع على عقد بقيمة 400 مليار دولار على مدى ثلاثين عاما لشحنات الغاز الروسي، التي لا تزال تمثل حصة كبيرة من موازنة روسيا.

من جهة أخرى، أقر المستثمرون الألمان في منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي بضرورة التعاون مع روسيا رغم المشكلات المتعددة الناجمة عن التوتر السياسي بسبب الأزمة الأوكرانية. وذكر كبار ممثلي الاقتصاد الألماني أن على روسيا أن تقوم ببعض الإجراءات لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب التي تراجعت على خلفية الأزمة الأوكرانية.

وقال رئيس لجنة الشرق في الاقتصاد الألماني إيكهارد كورديس لوكالة الأنباء الألمانية: «الروس يعلمون أن عليهم إتاحة ظروف استثمار مطمئنة إذا أرادوا جذب رأس المال الأجنبي إليهم». وهذا يعني أنه يتحتم على روسيا إرساء سياسة مستقرة ومحسوبة أيضا.

وأكد كورديس الذي ترأس جلسة الافتتاح في منتدى بطرسبورج الاقتصادي أمس، على أن البرامج الحالية للاستثمارات الألمانية في روسيا صارت مهددة بسبب الأزمة الراهنة.

وقال كورديس: «الأمر مختلف بالنسبة للاستثمارات التي يخطط لها مستثمرون جدد في روسيا، حيث يستلزم الوضع منهم بطبيعة الحال دراسة مشروعاتهم بنظرة نقدية مدققة». وأوضح كورديس أن هناك مخاوف متزايدة من الردة إلى الأوضاع التي سادت مرحلة الحرب الباردة. كان كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فرضا حظرا على سفر عدد من المسؤولين الروس، وتجميدا لأرصدتهم البنكية عقب ضم شبه جزيرة القرم إليها، والجدل الذي تسبب فيه.

وترى روسيا نفسها متهمة بتدمير الثقة التي بنيت خلال أعوام بينها وبين الغرب، وأنها صارت غير مأمونة المواقف. أضاف كورديس أن روسيا لم تمارس أي ضغوط سياسية لإبعاد الإشراف على الملتقى عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مبينا أن مسار الاقتصاد الألماني يتوافق مع الحكومة الألمانية ويأمل في إيجاد حل للصراع في أوكرانيا بالطرق الدبلوماسية.

وذكر كورديس أنه من دون إيجاد هذا الحل، فإن ممثلي الاقتصاد الألماني سيدعمون العقوبات التي تفرضها الحكومة الألمانية.