الفيتو الروسي والصيني يوقف إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية

مطالبات بـ«جنيف ثالثة» في جلسة مجلس الأمن.. واتهامات متبادلة بين روسيا وفرنسا والصين

السفير الروسي لدى الأمم المتحدة وممثل الصين أثناء تصويتهما ضد قرار إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية (إ.ب.أ)
TT

صوتت كل من روسيا والصين بالفيتو ضد مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. ورغم التوقعات بالفيتو الروسي - الصيني المزدوج في مقابل موافقة 13 دولة من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن على مشروع القرار، فإن مندوبي الدول نددوا بموقف روسيا والصين، وهاجموا التصويت السلبي للقرار في الجلسة التي عقدت في مجلس الأمن صباح أمس (الخميس) بنيويورك.

وسادت الجلسة اتهامات متبادلة من الولايات المتحدة وفرنسا لروسيا وموقفها المساند للنظام السوري واتهامات روسية لفرنسا والولايات المتحدة بالازدواجية ومحاولة الذهاب نحو الحل العسكري. وأظهرت الجلسة عمق الخلاقات بين الدول الغربية وروسيا، حيث اتهم المندوب الروسي فيتالي تشوركين لكل من فرنسا والولايات المتحدة بالازدواجية وتغليب المصالح السياسية، واتهم فرنسا بإشعال الصراع وإمداد المعارضة السورية بالسلاح، وأن الاقتراح الفرنسي بإحالة الملف للمحكمة الدولية للتمهيد لتدخل عسكري في سوريا مثلما حدث في ليبيا.

وقال تشوركين: «نتفهم المشاعر والأسباب التي دعت فرنسا لطرح المشروع رغم أنها تعي مستقبلا، أن (روسيا ستصوت بالفيتو) وتشكو من عدم الوحدة في المجلس رغم أن وحدة الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس أدت إلى نتائج إيجابية، ومنها الاتفاق على تدمير الترسانة الكيماوية السورية وإصدار قرار لتوصيل المساعدات الإنسانية للسوريين». واتهم تشوركين الدول الغربية بالبحث عن «حجة جديدة لتبرير التدخل في سوريا»، مشيرا إلى انتقادات فرنسا للولايات المتحدة لعدم قصف سوريا في الصيف الماضي، وقال: «علينا دراسة الوضع بشكل جماعي لوضع حل لدوامة العنف، فالسلام السيئ أفضل من نزاع جيد».

واتهم المندوب الروسي فرنسا بتقديم أسلحة للمعارضة الجيدة، وأشار إلى أن تلك المعارضة تضم الجبهة الإسلامية التي اعترفت بارتكاب جرائم إرهابية ولم تقم بجهود لإخماد الحرب من خلال تعزيز مفاوضات جنيف. وقال تشوركين: «نتحدث عن العدالة وإحالة الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية التي ستؤدي إلى تأجيج الأزمة والذهاب نحو الحل العسكري مثلما حدث في ليبيا، والذي لم يحل الأزمة الليبية، بل زاد من حدة القتال ولم تسهم المحكمة في إعادة العدالة والوضع السلمي في ليبيا ورفض أعضاء حلف الناتو الاعتذار واتهموا الآخرين بالسلوك المشين». واتهم مندوب روسيا الولايات المتحدة بالازدواجية، وأنها تدعو لدعم سياسات عدم الإفلات من العقاب، بينما ترفض الانضمام لنظام روما الأساسي ولم تطالب بمحاسبة بريطانيا عن الجرائم التي ارتكبها الجنود البريطانيون في العراق. وطالب المندوب الروسي الدول الغربي بوضع مصالحهم جانبا والتوصل لحل سياسي، واصفا قول المندوب الفرنسي، إن العملية السياسية غير موجودة بأنه قول غير مسؤول مشككا في تقرير قيصر وصور التعذيب التي قدمها.

وإزاء الاتهامات الروسية لفرنسا، اتهم السفير الفرنسي جيرار آرو روسيا بالبجاحة في اتهام فرنسا بإمداد المعارضة بالسلام، بينما لم تتوقف روسيا عن إمداد النظام السوري بالأسلحة. وعدّ آرو تشكيك المندوب الروسي في تقرير قيصر بأنه إهانة، مشيرا إلى أن التقرير والصور التي قدمها قيصر قدمت لخبراء مستقلين في عدة دول وأكدوا أن الصور لا يمكن تزويرها أو أنه قد جرى تحريفها، وطالب السفير الفرنسي زميله الروسي بعدم توجيه الاتهامات والتركيز على الفظائع المرتكبة في سوريا.

وتبادل المندوبان الفرنسي والروسي كلمات مقتضبة علنية، حيث قال المندوب الروسي، إنه غير مقتنع بما قاله المندوب الفرنسي، فرد السفير الفرنسي: «لا يقتنع من لا يريد الاقتناع». ورد تشوركين: «لن ندخل في لعبتكم».

من جانبه، قال أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض، في تصريح من إسطنبول: «إن الائتلاف يدين بأشد العبارات استخدام روسيا والصين لحق النقض ضد مشروع قرار لإحالة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية ويدعو الائتلاف كلا من روسيا والصين لوقف دهم النظام المجرم في سوريا من خلال منع اتخاذ إجراءات دولية لمن الإفلات من العقاب في سوريا لأن نظام الأسد يعد مذنبا بارتكاب أعمال قتل جماعي مروعة ويجب أن يكون مسؤولا عنها».

وأضاف الجربا: «هذا الفيتو هو ضد تحقيق العدالة رغم وجود شاهد وهو أحد الناجين من عمليات الإعدام بالغاز في جلسة مجلس الأمن ليشهد على جرائم الحرب ضد الأسد، وهذا هو النقض الرابع لروسيا والصين خلال السنوات الثلاث الماضية ويعطي للنظام والمتطرفين في سوريا رخصة للقتل».

وعلق نجيب الغضبان، عضو الائتلاف السوري المعارض على الفيتو الروسي والصيني بقوله، إن «النقض الروسي والصيني يمثل محاولة مشينة لحماية المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية».

وأضاف: «ساعدت روسيا على تأجيج الحرب من خلال توفيرها الأسلحة الفتاكة لنظلم بشار الأسد، والآن أولوية روسيا هي التأكد أن الأعمال الوحشية التي ارتكبت بتلك الأسلحة تمضي دون عقاب وقد اختارت الصين الولاء لروسيا قبل إقرار العدالة، ونأمل أن تمارس الصين قدرا أكبر من الاستقلال في تحديد أولويات سياستيها الخارجية في مجلس الأمن، وذلك من خلال الوقوف مع الشعب السوري الذي يطالب بالمحاسبة والعدالة».

وقال الغضبان: «إن حق النقض اليوم واستمرار الجمود في مجلس الأمن لن يعوق مساعينا في تحقيق المساءلة وسيواصل الائتلاف السوري جمع الأدلة، وإثباتها بكل الوسائل القانونية الأخرى المتاحة لتحقيق العدالة للشعب السوري».

وكان الائتلاف السوري أرسل رسالة إلى مجلس الأمن قبل التصويت أعرب فيها عن دعم الائتلاف لمشروع القرار لإحالة الملف السوري للمحكمة الجنائية وتقيم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي للمحاسبة. وخلال الجلسة التي شهدها مجلس الأمن صباح أمس، قال إيان إلياسون، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، إن «مجلس الأمن عليه مسؤولية لا مفر منها لضمان تحقيق العدالة لضحايا جرائم حرب لا يمكن وصف بشاعتها».

وقبل إجراء التصويت قال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار آرو، إن الاقتراح الفرنسي يسعى لاستعادة وحدة مجلس الأمن حول قيم مشتركة، مشيرا إلى معاناة السوريين وتقرير قيصر الذي قدم لمجلس الأمن الشهر الماضي حول الفظائع التي يرتكبها النظام السوري من تجويع واعتقال وتعذيب وسياسات ممنهجة للترويع والعقاب. وقال المندوب الفرنسي: «لا يوجد شيء أسوأ من السكوت أمام تلك الفظائع، وهو معناه الموافقة والتواطؤ والتنازل». وشدد آرو على أن المزاعم بأن تدخل العدالة الدولية سيضر بالعملية التفاوضية لتحقيق السلام هي مزاعم خاطئة؛ لأنه لا توجد عملية سلام على المدى القصير. ودعا أعضاء المجلس إلى رفض مبدأ الإفلات من العقاب والاعتراف بصلاحية المحكمة الجنائية الدولية، وحماية شرف وسمعة مجلس الأمن في الوقوف مع المبادئ بغض النظر عن الخلافات والاستجابة لنداء ضمير الإنسانية.

وقد أعلن سفير كوريا الجنوبية الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الأمن نتيجة التصويت بموافقة 13 دولة واعتراض روسيا والصين، وبالتالي عدم اعتماد القرار.

وقد هاجمت مندوبة الولايات المتحدة سامنتا باور بشدة الفيتو الروسي الصيني، وقالت: «نتيجة دعم روسيا للنظام السوري، فإن الشعب السوري لن يشهد مساءلة للمسؤولين عن ارتكاب الجرائم وسيشهد ارتكابا للجرائم دون عقاب». وأشارت باور إلى تقرير قيصر الذي قدم آلاف الصور الصادمة للسوريين الذين قتلوا وعذبوا وسردت بعض الأمثلة للمعاناة داخل سوريا. وقالت المندوبة الأميركية: «إن الفيتو الروسي والصيني يمنع مساءلة ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم ويحمي هؤلاء الذين يقطعون رؤوس المدنيين والمجموعات التي لا تعرف إنسانية وتعيث فسادا في الأراضي السورية وارتكبوا أفظع جرائم في التاريخ المعاصر».

وطالبت المندوبة الأميركية بمساءلة أعضاء المجلس الذين منعوا تحقيق المساءلة لمرتكبي الجرائم في سوريا، في حين طالب مندوبو رواندا وبريطانيا ولوكسمبورغ بضرورة إصدار مسودة سلوك لمنع حق الفيتو في القضايا المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وأشار مندوب الصين إلى أن بلاده ترى أن أي إحالة للمحكمة الجنائية الدولية يجب أن تستند إلى احترام سيادة الدولة، مشيرا إلى أن الصين ليست طرفا في نظام روما الأساسي، وأن لديها تحفظات في الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية. وأوضح أن بلاده تفضل تعزيز الجهود السياسية والالتزام بالحل السلمي للنزاع وحث النظام السوري لبدء الجولة الثالثة لجنيف والدعوة لعملية انتقالية سلمية. وطالب المندوب الصيني ببذل الجهد للتوفيق بين الأطراف والاستمرار في التفاوض بدلا من إعاقة التعاون بإحالة الملف إلى المحكمة.