الجيش يعلن الانقلاب لحل الأزمة السياسية الطويلة في تايلاند

قائد سلاح البر برر الخطوة بأجواء العنف التي سقط ضحيتها أبرياء

قائد سلاح البر الجنرال برايوت (وسط) أثناء إعلانه الانقلاب عبر التلفزيون وبدا جالسا إلى جانبه ضباط آخرون في بانكوك أمس (أ.ب)
TT

بعد سبعة أشهر على احتجاجات سياسية دموية، أعلن الجيش التايلاندي أمس انقلابا عسكريا، وعلق العمل بالدستور، وطالب متظاهري طرفي الأزمة بالعودة إلى منازلهم.

وفي تصريح تلفزيوني، قال قائد سلاح البر التايلاندي الجنرال برايوت تشان أو تشا: «كي تعود البلاد إلى الحياة الطبيعية على القوات المسلحة أن تتسلم السلطة اعتبارا من الساعة الرابعة والنصف» (من مساء يوم أمس). ومباشرة بعد هذا الإعلان، فرض الجيش حظرا للتجوال بين الساعة العاشرة مساء والخامسة صباحا، وطلب من متظاهري الطرفين المتنافسين مغادرة الشوارع والعودة إلى منازلهم بعد نحو سبعة أشهر من تظاهرات سياسية في العاصمة بانكوك. كما منع الجيش التجمعات لأكثر من خمسة أشخاص لأغراض سياسية، واستدعى أعضاء الحكومة المقالة للمثول أمام الجيش، وعلق العمل بالدستور باستثناء الفصل المتعلق بالملكية.

وأعلن قائد سلاح البر انقلابه بعد جلسة ثانية من المفاوضات بين أطراف الأزمة من أجل التوصل إلى تسوية. وقبل وقت قصير من إعلان برايوت للانقلاب العسكري، أفاد شهود بأن قادة متظاهرين من الطرفين نقلوا من مكان الاجتماع بآليات عسكرية وتحت حراسة مشددة. ولم يتضح على الفور ما إذا كانوا اعتقلوا رسميا أم لا.

وبرر الجنرال برايوت (60 عاما) قرار الجيش «بكثرة أعمال العنف في بانكوك وأجزاء أخرى من البلاد والتي سقط ضحيتها الأبرياء والممتلكات وكان من المرجح أن تتصاعد».

ويعد قرار الجيش هذا جزءا من أزمة سياسية ممتدة منذ الانقلاب العسكري عام 2006 الذي أطاح برئيس الوزراء المنفي ثاكسين شيناواترا، وكان الانقلاب الخطوة التي أثارت غضب مؤيديه. وأضاف برايوت في بيانه أنه «على جميع التايلانديين أن يحافظوا على الهدوء، وعلى الموظفين الاستمرار في عملهم كالمعتاد».

كذلك أمر الجيش كل محطات الإذاعة والتلفزيون وقف برامجها وبث بيانات النظام العسكري الجديد. وشمل هذا القرار أيضا المحطات الأجنبية مثل «سي إن إن» و«بي بي سي» و«سي إن بي سي». وفي بيان تلاه على التلفزيون الوطني الذي قطع برامجه أصلا ولا يبث سوى صور عسكريين على خلفية بيضاء، قال ناطق باسم الجيش «لإعطاء معلومات صحيحة للسكان على كل محطات الإذاعة والتلفزيون تعليق برامجها». وانتشرت شائعات عن انقلاب عسكري وشيك في تايلاند منذ يوم الثلاثاء بعد إعلان قائد الجيش القانون العرفي لتفادي خروج التوترات السياسية عن السيطرة.

ويعد تاريخ تايلاند حافلا بالانقلابات، إذ شهد البلد 18 محاولة أو انقلابا ناجحا منذ 1932 عند إقامة الملكية الدستورية. وأطاح الانقلاب الأخير عام 2006 برئيس الوزراء ثاكسين شيناواترا، وهو شقيق رئيسة الحكومة ينغلاك شيناواترا التي أقيلت من منصبها بداية شهر مايو (أيار) الحالي.

وتدور الأزمة السياسية أساسا بين النخبة المتمركزة في بانكوك والحكومة المنتخبة ديمقراطيا والمتحالفة مع ثاكسين، الذي يعيش حاليا في دبي لتفادي السجن بتهم الفساد، إلا أنه لا يزال يملك وحلفاؤه دعما سياسيا قويا في تايلاند، وخصوصا في الشمال الريفي، وقد فاز بكل الانتخابات التشريعية منذ 2001.

ويأتي إعلان الانقلاب العسكري بعد الاجتماع المغلق الثاني للأطراف السياسية المعنية بالأزمة العسكرية، والذي كان دعا له برايوت نفسه في قاعدة عسكرية في بانكوك. وعبر الكثير من المحللين عن خشيتهم من أن الانقلاب العسكري قد يساهم في تعزيز التوترات. وقال بافين شاشافالبونغبون من مركز دراسات جنوب شرقي آسيا في جامعة كيوتو في اليابان إنه «يبدو أن الجيش لم يتعلم درس عام 2006»، في إشارة إلى الأزمة السياسية التي نتجت عن إقالة ثاكسين. وتابع أن «الانقلاب ليس أبدا الحل لإنهاء الأزمة، بل سيتحول إلى أزمة»، مشيرا إلى أن الانقلاب لن يسعد المتظاهرين المعارضين للحكومة.

واندلعت احتجاجات ضد الحكومة الموالية لثاكسين منذ عدة أشهر، وأسفرت أعمال عنف عن مقتل نحو 28 شخصا وجرح المئات. وبحسب بول شامبرز من معهد شؤون جنوب شرقي آسيا في جامعة شيانغ ماي، فإنه يرجح أن يكون قرار قائد الجيش ناتجا عن رفض الحكومة المؤقتة الضعيفة إفساح المجال أمام نظام انتقالي. ورئيس الحكومة المؤقت نيواتومرونغ بونسونغبايزان الذي رفض الاستقالة من بين الوزراء الذين دعوا إلى المثول أمام الجيش. وقال أحد مساعدي رئيس الحكومة إنه «بأمان» في موقع سري.

وكان برايوت، المتحالف مع النخبة الحاكمة ضد ثاكسين، تعهد في وقت سابق بعدم السماح لتايلاند بالتحول إلى «أوكرانيا أو مصر». وقال يوم الخميس الماضي قبل الإعلان عن الانقلاب العسكري «ما أفعله ضمن قدراتي الأمنية، إذا أغضبت أحدا فأنا أعتذر، ولكن ذلك يبقى ضروريا». ويمنح القانون العرفي الجيش صلاحيات واسعة لحظر التجمعات العامة وتقييد التنظيمات واعتقال الأشخاص. واتخذ الجيش منذ يوم الثلاثاء خطوات لتقييد الإعلام. ولم يحدد برايوت المدة التي سيحكم الجيش خلالها، لكنه أوضح أن الهدف هو «بدء الإصلاح السياسي»، من دون إضافة تفاصيل.

ودعا «القمصان الحمر» الموالون لثاكسين إلى إجراء استفتاء حول طريقة الخروج من الأزمة السياسية. ولكن المعارضة كانت طالبت في البداية بإصلاحات سياسية.