بعد 24 سنة على انتهائها رموز الحرب الأهلية ما زالوا يحكمون لبنان

بقرادوني: نحن بحاجة إلى مشروع إصلاحي كبير يبدأ برأس السلطة

TT

لم يتعاط اللبنانيون بكثير من الجدية في بادئ الأمر مع ترشيحي رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لاستبعادهم فكرة أن يتولى سدة الرئاسة الأولى أحد المشاركين الأساسيين بالحرب الأهلية اللبنانية. ولكن قبل أيام من انقضاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، يبدو أن هؤلاء تقبلوا «ولو بمرارة» فكرة أن مجتمعهم لم ينتج وبعد 24 عاما على الحرب الأهلية شخصية مسيحية قادرة على تولي المنصب المسيحي الأول في الدولة غير عون وجعجع، كما لم ينجح في صنع زعامات شبابية جديدة بعيدا عن «زعماء الحرب».

ويُعتبر كل من جعجع وعون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل الذين ما زالوا يتزعمون عددا من الأحزاب ويعدون من أبرز زعماء البلد، من المشاركين الأساسيين بالحرب التي استمرت من عام 1975 حتى عام 1990.

ويرد شفيق المصري، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعتين الأميركية واللبنانية الأميركية في بيروت، تعذر إنتاج طبقة سياسية جديدة لأكثر من اعتبار، أولها «المجتمع المدني الفقير والهش الذي لم تسع الدولة لإنمائه ولم تساعد الانقسامات العمودية الطائفية في وحدته».

ويعتبر المصري أن القوانين اللبنانية ولا سيما قوانين الأحوال الشخصية المتروكة لكل طائفة على حدة تساهم بانقسام المجتمع الذي لم تتبلور فيه ثقافة سياسية موحدة، ويضيف: «كما أن الزعامات الحالية ورثت المجتمع العشائري اللبناني بمعنى أن كل طائفة باتت بمثابة عشيرة ولكل عشيرة زعيمها الذي ثبّت مركزه بالعصبية الطائفية التي اندمجت مع القبلية».

ويشير المصري إلى أن تحول الزعيم لمنقذ لطائفته من مخاطر طائفة أخرى، وبالتالي تكريسه منقذا لهذه الطائفة والناطق الرسمي باسمها أدّى لتدويم الزعامات بصرف النظر عن المتغيرات. ويضيف: «أما السبيل للخروج من الدوامة التي نحن فيها فالسعي للالتزام بالدستور وليس بالأعراف، باعتبار أن الدستور وعلى الرغم من بعض شوائبه، يحمل طابعا متقدما لا بل هو الأقدم والأكثر تقدما بالشرق». ويشدد المصري على وجوب القيام بتوعية سياسية مفقودة لخلق ثقافة سياسية موحدة.

ويقوم لبنان على نظام جمهوري ديمقراطي توافقي طائفي بحيث توزع المناصب الأساسية بنسب محددة الطوائف ومناصفة بين المسلمين والمسيحيين، فيتولى رئاسة الجمهورية ماروني مسيحي، ورئاسة مجلس الوزراء مسلم سني ورئاسة المجلس النيابي مسلم شيعي.

ويعتبر القيادي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش أنّه ينطبق على المجتمع اللبناني مقولة «كما تكونون يولّى عليكم، فالأكثرية الساحقة من اللبنانيين تبحث عن الرؤوس الشعبوية والعناصر القوية باعتبار أننا نعيش في منطقة مضطربة حيث التسلح العشوائي قائم تحت مسميات المقاومة والتطرف وغيرهما». ويرى علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القيادي الذي يتحدث اليوم بمنطق السلام والعدالة وحقوق الإنسان يُنظر إليه على أنّه ضعيف وبالتالي مرفوض»، لافتا إلى أن «المشكلة ليست أن تستمر زعامات من كانوا يوما من الأيام حملة سلاح تخلوا عنه، بل باستمرار تأييد البعض لحملة السلاح وأصحاب المشاريع الفتنوية والعسكرية».

ويدعو رئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني إلى وجوب التمييز بين من كان من «أمراء الحرب في تلك الفترة أي من زعماء الميليشيات ومن كان يقاتل بإطار مؤسسات الدولة»، لافتا إلى أن «عون كان قائدا للجيش في تلك الفترة بخلاف جعجع».

ويرد بقرادوني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» سبب استمرار المشاركين بالحرب الأهلية بحكم البلاد حاليا إلى عدم تجديد الطبقة السياسية والمسيحية بشكل خاص.

ويعتبر بقرادوني أن المطلوب اليوم إصلاح النظام السياسي القائم وليس تغييره، مستغربا الطروحات التي تقول بمؤتمر تأسيسي. ويضيف: «ما ينقص لبنان عملية تجديد بدءا برأس الهرم أي رئيس الجمهورية، علما أنه لا إمكانية للخروج من المأزق إلا من خلال مشروع إصلاحي كبير».