المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا يلتزم الصمت حيال دعوة «حفتر» لتسلم السلطة

الحكومة تحذر من حدث مرتقب.. ومعيتيق يؤكد تمسكه بمنصب رئيس الوزراء الجديد

مدرعات تابعة للجيش الوطني في الطريق المؤدي إلى البرلمان الليبي في العاصمة طرابلس أمس (أ.ب)
TT

التزم المجلس الأعلى للقضاء والسلطات التشريعية والتنفيذية في ليبيا، أمس، الصمت حيال دعوة اللواء خليفة حفتر، القائد العام السابق للقوات البرية في الجيش الليبي، في تصعيد جديد للأزمة السياسية، إلى تسليم السلطة، وتكليف المجلس الأعلى للقضاء بإدارة شؤون البلاد في المرحلة الحالية رغبة منه في استمرار الحياة السياسية والمدنية.

ولم يصدر عن المستشار علي مولود حفيظة، رئيس المجلس الليبي الأعلى للقضاء، أي تصريحات رسمية تفيد بقبوله أو رفضه الخطة التي طرحها حفتر. ومن جانبها، حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال برئيس المجلس الليبي الأعلى للقضاء؛ إلا أن هاتفه الجوال كان مغلقا.

ومن المتوقع أن ينظم أنصار حفتر عدة مظاهرات داعمة له في مختلف المدن الليبية، فيما قالت مصادر أمنية في العاصمة الليبية طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «لا تتوقع اندلاع أعمال عنف خلال هذه المظاهرات.. وإنها قد تمر بسلام».

وجددت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني، في بيان أصدرته أمس، مطالبتها لكل قيادات الكتائب المسلحة في نطاق العاصمة طرابلس بالخروج منها والابتعاد عن المشهد السياسي لحماية المدينة وسكانها. وانتقدت الحكومة الأوامر التي أصدرها نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، بتحريك درع الوسطى مع وجود قوى أخرى في طرابلس تنضوي تحت كتائب القعقاع والصواعق، معتبرة أن وجود هذه القوات مع وجود مجموعات مسلحة أخرى في نطاق طرابلس الكبرى بات يهدد المدينة وسلامة سكانها.

وأعربت الحكومة عن خشيتها من فرض قرار سياسي في أجواء قعقعة السلاح، بما يهدد البنيان السياسي للبلاد، وحملت رئاسة المؤتمر وأعضاءه كل المسؤولية البرلمانية والوطنية عما ينجم من تداعيات ومخاطر تهدد سلامة البلاد وأمن مواطنيها وضياع هيبتها وضرب مؤسساتها. وبعدما شددت على أنها لن تتوانى في اتخاذ كل ما يمكن من إجراءات لدعم الأمن في المدن الليبية من خلال أجهزتها النظامية والغرفة الأمنية في بنغازي وطرابلس، قالت إن «الحدث السياسي المرتقب في طرابلس ووجود قوى متعددة وغير متجانسة على الأرض يهدد المدنيين ومؤسسات الدولة». ورأت أن تجاهل المؤتمر للمبادرة التي طرحتها لحل الأزمة السياسية قبل يومين، قد أشعر الكثيرين بالإحباط، مشيرة إلى أن المؤتمر تجاهل أيضا الرد على ما أبدته المفوضية العامة للانتخابات عن استعدادها لإجراء الانتخابات، بحسب ما صدر عنها.

وقبل ساعات من هذا البيان، أعلن الحبيب الأمين، وزير الثقافة الليبي، تأييده لحفتر ليصبح أول وزير ينضم إلى جانبه، حيث اتهم البرلمان بالفشل في مكافحة «الإرهابيين»، مرددا تعبيرات حفتر. وقال الأمين، وهو المتحدث غير الرسمي باسم الحكومة لوكالة «رويترز»: «لا أعترف بعد الآن بالمؤتمر الوطني»، مشيرا إلى أن بعض النواب طلبوا من الحكومة تسليح جماعة أنصار الشريعة الإسلامية المتشددة للتصدي لحفتر. وتابع أن الحكومة رفضت هذا الطلب واتهم النواب بالتسبب في الفوضى بالموافقة على تمويل الميليشيا في الماضي، مما يظهر التوتر بين الحكومة والبرلمان، موضحا أن معظم الدعم للميليشيات جاء من البرلمان.

وكان اللواء حفتر قد أعلن في بيان متلفز قرأه باسم المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة الليبية مساء أول من أمس، وهو يرتدي الملابس العسكرية محاطا بكبار قياداته العسكرية، أنه يطالب مجلس القضاء بتكليف مجلس أعلى لرئاسة الدولة مدنيا، وتكليف حكومة طوارئ، والاتفاق على مرحلة الانتخابات المقبلة، وتسليم السلطة للبرلمان المنتخب. ولفت حفتر، الذي كان يتحدث من مدينة الأبيار (شرق ليبيا)، إلى أن المجلس العسكري سيستمر في حماية هذه الفترة الانتقالية حماية لليبيا وشعبها وحفاظا على مقدرتها. وشن حفتر هجوما لاذعا على أعضاء المؤتمر الوطني، وقال إن غالبيتهم خانوا الأمانة التي عهد بها إليهم الشعب، مشيرا إلى أن الشعب الليبي وبعدما قام بدعم من قواته المسلحة بثورة على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، لأول مرة في تاريخ الشعب، مارس حقه في اختيار من يمثلونه في المؤتمر الوطني. لكن للأسف خان أغلب الممثلين للشعب الأمانة التي انتخبوا من أهلها وهي حماية الوطن والمواطن وبناء ليبيا دولة مدنية مؤسساتية.

واعتبر أن «هذا كان له انعكاس سلبي على مجريات الحياة.. فأصبحت ليبيا بموجب ذلك دولة راعية للإرهاب حسب تقارير المنظمات الدولية، وأصبحت وجها للمتطرفين الذين يتحكمون في مفاصل الدولة». وأعلن أنه تم اتخاذ هذه الخطوة تلبية لمطالب الشعب الليبي وتصحيحا للثورة ودعما لحرب الجيش للقضاء على الإرهاب والجماعات الإرهابية المتطرفة ولاستعادة الأمن والأمان، وبعد إصرار المؤتمر المنتهي الصلاحية على عدم تلبية مطالب الشعبي وإخفاق المحكمة الدستورية العليا في ذلك. وأضاف «اتخذنا هذا القرار بما أن بيان الجيش في فبراير (شباط) الماضي، تضمن تجميد عمل المؤتمر لحين إجراء الانتخابات المقبلة، وطلب نقل السلطة إلى لجنة الستين باعتبارها المنتخبة من الشعب، إلا أنها لم تلب هذا الطلب على الرغم من الأحداث الجارية». ومضى إلى القول «وبهذا يكون الجيش الوطني قد سلم إليكم مقاليد الحكم لتسيير البلاد في هذه الفترة الحرجة، ومنعا لأي تدخل أجنبي يمس بالسيادة الليبية خاصة أن ليبيا محكومة بقرار من مجلس الأمن الدولي».

وأوضح حفتر أن المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة الليبية مكون من كل القيادات العسكرية، مضيفا «القذافي مع الأسف دمر القوات المسلحة تدميرا حقيقيا، والليبيون دفعوا ثمنا باهظا لإسقاط تلك الديكتاتورية؛ لكن للأسف لم يعيشوا في أمن أو ديمقراطية أو سلام كما كانوا يأملون». وتجاهل حفتر توضيح موقعه داخل المجلس الأعلى العسكري الجديد في ليبيا؛ لكن مصادر مقربة منه قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رئيسه ويتولى كل الصلاحيات العسكرية باتفاق مختلف أعضاء المجلس».

في المقابل، أعلن المؤتمر الوطني رفضه الضمني لعملية لكرامة التي تشنها قوات تابعة لحفتر ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، فيما أكد عمر معيتيق، رئيس الوزراء الجديد، أنه لا يعتزم الانسحاب من المشهد السياسي المرتبك في بلاده، معتبرا أن حكومته ليست معنية بالمبادرة التي طرحتها حكومة سلفه الثني، منتقدا إعلان بعثة الأم المتحدة ترحيبها بها.

وقال البرلمان الليبي في بيان أصدره مساء أول من أمس، إنه يدعم كل المبادرات المحلية والدولية لمكافحة الإرهاب واجتثاثه من ربوع من وطننا، شرط أن يكون تطبيق هذه المبادرات تحت إشراف مؤسسات الدولة الرسمية وسيادتها. وأعلن أنه وضع على جدول أولويات الحكومة القادمة الملف الأمني، وهو مستعد لتوفير كل الإمكانيات والدعم اللازم، ملقيا باللوم على الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني لأنها فشلت حتى في إجراء تحقيقات تكشف عن الجناة والمتورطين في عمليات الاغتيال التي شهدتها بعض المدن، مما اضطره إلى إقالتها وتكليف حكومة جديدة.

كما انتقد المؤتمر ما وصفه بـ«الهجمة الإعلامية التحريضية الشرسة» التي تقودها قنوات فضائية ضد شرعية المؤتمر ومؤسسات الدولة والتحريض على الفوضى والخروج عن النظام العام والقانون، مجددا تمسكه بالمسار الديمقراطي السلمي كأهم هدف من أهداف ثورة 17 من فبراير. وأعلن دعمه للمفوضية العليا للانتخابات، متعهدا بتقديم كل الإمكانيات والتسهيلات لها لإتمام عملها في أسرع وقت ممكن وتسليم السلطة لمجلس النواب القادم في يونيو (حزيران) المقبل.

من جهته، قال عمر معيتيق، رئيس الحكومة الجديدة، في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الليبية طرابلس، إن مبادرة الثني تخص المؤتمر الوطني، وهو الطرف الوحيد الذي يفترض أن يعلن موقفه منها، مشيرا إلى أنه طلب مهلة لمدة أربعة أيام من البرلمان لإجراء اتصالات مع كل الأطراف لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. وقال إنه ليس باحثا عن السلطة، مشيرا إلى أنه هو من طلب من البرلمان تأجيل منحه الثقة لإجراء مزيد من المشاورات مع الكتل والأحزاب السياسية داخل المؤتمر وخارجه.

وفي ما بدا أنه بمثابة رفض لعملية الكرامة التي يقودها حفتر، قال معيتيق إن «الليبيين يرفضون وجود عسكري على رأس السلطة، وإن الليبيين جربوا الأجسام العسكرية ولم تنجح على مدى السنوات الـ42 الماضية». وتلقت حكومة معيتيق ضربة معنوية بعدما أعلن منصور عمر الكيخيا، الذي تمت تسميته لتولي منصب وزير الخارجية، انسحابه من الحكومة واعتذاره عن عدم قبول المنصب. وقال الكيخيا في رسالة وجهها لمعيتيق حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها «يؤسفني أن أتقدم إليكم بسحب اسمي من قائمة الوزراء المرشحين»، مرجعا ذلك إلى ما وصفه بـ«الوضع السياسي الراهن في البلاد وضيق الوقت المتاح لإجراء تغييرات جدية ومؤثرة في السلك الدبلوماسي».