واقعة التحرش بامرأة في القاهرة تتحول إلى قضية رأي عام دولية

السيسي تعهد بالتصدي للظاهرة.. وواشنطن تعرب عن قلقها

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته أمس للسيدة ضحية التحرش التي أخفت وسائل الإعلام وجهها في أحد المستشفيات العسكرية شرق القاهرة (أ.ف.ب)
TT

في قضية استحوذت على الرأي العام المحلي والدولي، وتزامنت مع تولي الرئيس المصري الجديد، عبد الفتاح السيسي، مقاليد الحكم في البلاد، بدأ المحققون بالقاهرة الاستماع إلى شهادات سيدات قلن إنهن تعرضن للتحرش من قبل رجال في ميدان التحرير.

وفجّر القضية، لأول مرة، قبل يومين، بث مشاهد في مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لامرأة مصرية تسقط تحت أقدام مجموعة من المتحرشين بها، وهم يهددونها، أثناء احتفال في ميدان التحرير بفوز السيسي بالرئاسة. كما ظهر شرطي وهو يحاول إنقاذها ويطلق الرصاص من مسدسه في الهواء.

ومنذ ظهوره على مسرح الحياة السياسية العام الماضي وحتى فوزه بالرئاسة، تحدث السيسي كثيرا عن أهمية دور النساء. وزار أمس المستشفى الذي توجد فيه ضحية واقعة التحرش للاطمئنان عليها. وبينما أبدت الضحية امتنانها لزيارة الرئيس، طالبته بحظر الفيديو الخاص بالواقعة على موقع «يوتيوب».

وأظهر الفيديو لقطات لامرأة جردت من ملابسها مصابة بجروح في الفخذ وهي تجري، وسط حشد كبير أثناء الليل، تجاه سيارة إسعاف. وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية: «شاهدنا الفيديو المروع الذي أصابنا بالصدمة والفزع بقدر ما أصاب المصريين». وفور بروز قضية امرأة التحرير على السطح، تقدمت سبع سيدات أخريات، على الأقل، ببلاغات وشهادات عن تعرضهن للتحرش خلال احتفالات في التحرير مطلع هذا الأسبوع. كما قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال: «إنه عمل مشين ندينه»، معربا عن تضامنه مع الضحية و«النساء كافة اللاتي تعرضن لمثل هذا العنف». وأضاف: «ندعو السلطات إلى بذل كل ما في وسعها للتصدي لهذه الظاهرة، من خلال تطبيق القانون في هذا الخصوص الذي صدر في الخامس من يونيو (حزيران) الحالي».

وتحقق الشرطة مع سبعة رجال، تتراوح أعمارهم بين 19 و49 سنة، بتهمة الاعتداء على المرأة، وعلى نساء أخريات، في الميدان الذي كان أيقونة للثورة التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك. وتبدو الهيئة العامة للمتهمين، وفقا لصور نشرتها الشرطة، من المعوزين والمهمشين، لكن لا يوجد ما يؤكد قيامهم بالتحرش.

وتعد مصر دولة فقيرة، وتخلو غالبية المناطق المكدسة بالسكان، التي استوطنها المهاجرون من الريف في نصف القرن الماضي، من الخدمات وأماكن الترفيه أو مراكز الشباب الرياضية. ويقول بعض المحللين، إن تصاعد ظاهرة التحرش يأتي ضمن اتجاه عام نحو العنف في السنوات الأخيرة بالبلاد، البالغ عدد سكانها أكثر من 85 مليون نسمة. وقال تقرير للأمم المتحدة العام الماضي، إن 99.3% من النساء والفتيات بمصر تعرضن للتحرش. ووقعت حوادث تحرش في مظاهرات وتجمعات سياسية كبرى متفرقة بدأت منذ مطلع عام 2011 في التحرير. وأجرى السيسي أمس زيارة لضحية التحرش التي تعالج في مستشفى عسكري بشرق القاهرة. وكان برفقته خلال الزيارة القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول صدقي صبحي. وتعهد الرئيس وهو يتحدث للمرأة، باستمرار الدولة في الاضطلاع بدورها إزاء المواطنين. وأعرب لها عن «الأسف الشديد إزاء ما حدث».

وقال السيسي، موجها حديثه للمرأة، في لقطات بثها التلفزيون الرسمي دون كشف وجه المرأة: «أعتذر لك ولكل سيدة مصرية، ونحن كدولة لن نسمح بذلك وسنتخذ إجراءات في منتهى الحزم. والقانون سينفذ بمنتهى القوة»، معربا عن تمنياته لها بالشفاء العاجل. كما أمر الرئيس بتكريم ضابط الشرطة الذي خاطر بحياته لإنقاذها، وكلف الأجهزة الأمنية القضاء على ظاهرة التحرش «الدخيلة على المجتمع المصري»، وألا يسمح بحدوثها على أي نطاق.

ومن جانبه، صرح المتحدث باسم الرئاسة، السفير إيهاب بدوي، بأن الرئيس كلف المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء (الحكومة) تشكيل لجنة وزارية، يشارك فيها الأزهر والكنيسة، للوقوف على أسباب انتشار ظاهرة التحرش وتحديد استراتيجية وطنية لمواجهتها. وأضاف بدوي أن الرئيس دعا السيدة ضحية واقعة التحرش لتأدية العمرة فور تماثلها للشفاء، كما استجاب لرغبتها في مرافقة والدتها لها.

ومن جانبها، ناشدت الضحية رئيس الدولة أن يثأر لها ويرد لها حقها، مؤكدة أن ما تعرضت له كان تحرشا ممنهجا ومرتبا. كما طالبت الرئيس بالتدخل لرفع الفيديو الخاص بالواقعة من على موقع «يوتيوب». وكان الفيديو انتشر أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما عرضت بعض قنوات التلفزيون لقطات منه.

وجاءت الحادثة الأخيرة، التي وقعت يوم الأحد الماضي، بعد نحو أسبوع من إقرار مصر تعديلا قانونيا يعاقب مرتكب التحرش الجنسي بالسجن ستة أشهر على الأقل أو بغرامة قدرها ثلاثة آلاف جنيه (نحو 420 دولارا). واستحوذت القضية على اهتمام المراقبين والمحللين الدوليين المعنيين بقضايا المرأة والحريات، من بينها مجالس قومية مصرية وأخرى تابعة لمنظمات عالمية، إضافة للولايات المتحدة وفرنسا.

وقامت السفيرة ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة بمصر، بزيارة ضحية التحرش، في حضور شقيقة الضحية. وأعربت التلاوي عن أن الحادث استهدف خطف فرحة المرأة المصرية وإرهابها والانتقام منها، لأنها ساهمت بفاعلية في إنجاح «خارطة الطريق» التي أنهت حكم جماعة الإخوان المسلمين الصيف الماضي. ودوليا، أعلنت الأمم المتحدة، في بيان وزعه المركز الإعلامي للمنظمة بالقاهرة، أمس، أنها تتابع ببالغ القلق التقارير والإحصاءات التي تشير إلى ارتفاع نسبة انتشار التحرش الجنسي بمصر. وأشادت بقانون التحرش الجنسي الذي جرى الموافقة عليه أخيرا وإضافته كتعديل لقانون العقوبات المصري، ورأت أن التعديل، الذي جرى في عهد الرئيس السابق عدلي منصور، أمر مشجع للغاية لأنه يعرف «التحرش الجنسي» للمرة الأولى في تاريخ مصر.

وبينما بدأ ناشطون مصريون مسيرات احتجاجية على التحرش في القاهرة أمس، توالت بلاغات وشهادات من سيدات مصريات قلن إنهن تعرضن للتحرش خلال الفترة الماضية، من بينهن سبع سيدات على الأقل قلن إنهن تعرضن للتحرش في الاحتفالات بتنصيب السيسي في ميدان التحرير يوم الأحد الماضي. ويأتي هذا بالتزامن مع إحالة نيابة «السيدة زينب» في جنوب العاصمة، موظفا إلى محكمة الجنايات، لاتهامه بالتحرش بفتاتين فرنسيتين في شارع الفلكي القريب من التحرير، ومحاولته هتك عرض إحداهن بالقوة. وينكر الموظف الاتهام ويقول إنه لامس إحدى الفتاتين أثناء سيره في الطريق بالفعل، لكن من دون قصد.