لبنان احتفى بعودة رجال الأعمال الخليجيين عبر منتدى الاقتصاد العربي

توجه لخصخصة بورصة بيروت وإنشاء سوق سائلة لتسنيد القروض

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام متحدثا في افتتاح المنتدى الاقتصادي العربي الـ22 في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

بينما فرضت الأحداث المتصاعدة في المنطقة وما تفرزه من تكاليف وانعكاسات فورية ولاحقة على الاقتصادات العربية ومناخات الاستثمار موضوعا رئيسا على جدول الأعمال والمداخلات، شكل منتدى الاقتصاد العربي مناسبة لعودة مجموعة من رجال الأعمال الخليجيين لزيارة لبنان بعد غياب ملحوظ في السنوات الثلاث الأخيرة التزاما بتعليمات حكومية على خلفية الاضطرابات الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد.

وبدا واضحا أن تجدد المشاركة الخليجية التي تصدرتها السعودية والكويت كان «فاكهة» المنتدى الذي بدأ أعماله أمس في بيروت، حيث لاقى ترحيبا واضحا لدى المسؤولين ورجال الأعمال اللبنانيين. على أمل أن يكون باكورة عودة أوسع للسياحة والاصطياف على أبواب موسم الصيف.

وأوجز رئيس مجلس الوزراء تمام سلام هذا الانطباع بالقول «إن لبنانَ، دولة وشعبا، مدين بالكثير لإخوانه العرب وخصوصا قيادات وأبناء دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجي الذين ما خذلوه يوما، وما انكفأوا عنه في الزمنِ الصعب.. وكانوا أبدا حضنا دافئا لأبنائه، وداعما لسلمِه واستقرارِه ونهضتِه».

وفي الجانب الاجتماعي والاقتصادي، أكد أن «الحكومة تولي عناية كبيرة لمِلفينِ حيويين: الأول هو ملف النزوحِ السوري الذي بلغت أعباؤه حدا لم يعد لبنان قادرا على تحملِه. وتعمل الحكومة اليوم، مع الأشقاء العرب ومجموعة الدعم الدولية للبنان والمؤسسات المانحة، على مقاربات متعددة لهذه المعضلة لإيجاد الحلولِ الناجعة لها. أما الملف الثاني فهو ملف الغاز والنفط الذي يجري العمل عليه بطريقة علمية ودقيقة، تمهيدا لبدء مرحلة الاستكشاف الذي تدل كل المؤشرات على أنها تبشر بالخير، مع ما يعنيه ذلك من فرصِ استثمار وعمل للقطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي».

أما العنوان الاقتصادي الأبرز للمنتدى فكان دعوة الحكومة اللبنانية إلى تخصيص بورصة بيروت وتطوير السوق المالية لتصبح قابلة لتمويل مؤسسات القطاع الخاص وإيجاد أسواق سائلة لتسنيد القروض الاستهلاكية والنظر في إمكانية تحويل جزء من ديون القطاع الخاص إلى أسهم.

وتكمن أهمية حث الحكومة على اتخاذ هذه المبادرة في صدورها عن رئيس هيئة الأسواق المالية رياض سلامة الذي يتولى أيضا منصب حاكم البنك المركزي منذ عام 1993. ولفت سلامة إلى أن الاقتصاد اللبناني يواجه تحديات شتى من أهمها تخفيض مديونية القطاع الخاص. وقد بلغت مديونية هذا القطاع ما يساوي 100 في المائة من الناتج المحلي وربما ما يتعداه. وهذه المديونية قد تعيق الاستثمار وبالتالي النمو في الاقتصاد. كما تشكل عبئا على العائلة لا سيما فيما يتعلق بالقروض الاستهلاكية التي أصبحت تشكل ما يقارب الـ50 في المائة من مدخول العائلة.

أضاف «من هذا المنطلق ننشط، بصفتنا رئيسا لهيئة الأسواق المالية، لتطوير هذه الأسواق بحيث تتسم بالإدارة الحكيمة والشفافية وتصبح ساحة قابلة لتمويل المؤسسات في القطاع الخاص عن طريق المساهمة وربما تحويل بعض الدين إلى مساهمة. كما نهدف إلى إيجاد أسواق سائلة لتسنيد القروض الاستهلاكية. وهذا الأمر من شأنه أن يحسن أيضا ملاءة ونوعية المحفظات الائتمانية في القطاع المصرفي».

ودعا الحكومة للمبادرة إلى «خصخصة بورصة بيروت كما نص على ذلك قانون تنظيم الأسواق المالية الذي صدر عن الدولة اللبنانية. فتكون هذه المبادرة بداية انطلاقة جديدة لعملية تشجيع القطاع الخاص على تحويل الشركات الخاصة إلى شركات يساهم فيها الجمهور وإلى تسنيد القروض الاستهلاكية تحت رقابة هيئة الأسواق المالية تفاديا للمفاعيل السلبية».

وتشير الأرقام إلى أن الثقة بالاقتصاد اللبناني موجودة، فقد حقق ميزان المدفوعات لغاية آخر أبريل (نيسان) الفائت فائضا تراكميا وصل إلى 788 مليون دولار أميركي، كما أن الودائع في القطاع الخاص تنمو بنسب بين 5 و6 في المائة. وأيضا يشهد سوق القطع في لبنان استقرارا.

كما وجه رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية عدنان القصار التحية إلى «الأشقاء الخليجيين الموجودين بعد انقطاع قسري خلال العامين المنصرمين، بفعل الظروف الأمنية التي عاشتها البلاد والتي ولت بإذن الله إلى غير رجعة». مؤكدا «إن عودة الإخوة والأشقاء الخليجيين إلى الربوع اللبنانية، هي عودة ميمونة تؤكد بلا أدنى شك أن لبنان كان وما يزال حاضرا في وجدانهم وعاطفتهم، كما هم حاضرون في قلب وضمير جميع اللبنانيين».

بدوره، عد رئيس الغرفة التجارية الصناعية في جدة الشيخ صالح كامل أنه «وعلى الرغم من الأجواء الغائمة التي تلبد سماءنا العربية، وفي ظل هذه المناخات القاتمة التي تلفح آمالنا الاقتصادية، بعصف من تجاذبات أمنية وسياسية، فإنها تجبرنا على التوجه الصادق إلى تفعيلات اقتصادية عل سحابها يمطرنا فرجا يعيد إلى الربوع خضرتها وإلى الجموع قدرتها على صنع قادم زاهر بالنماء وقادر على العطاء والوفاء لصناعة اقتصاد عربي متكامل ومؤهل للإسهام في حل كثير من مشكلات الوطن العربي الواحد».

من جهتها، أشارت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا ريما خلف إلى أنه «إذ تدخل الثورات العربية عامها الرابع، نجد أنفسنا أمام مشهد صاخب يبدو مفتوحا على الكثير من التفسيرات والاحتمالات. لن يعجز أي من المتفائل أو المتشائم أو الشامت عن دليل يسعفه في وجه الآخر، أو عن حجة تعينه في تسويق قراءته للمستقبل. فالثورات العربية استحضرت جميع الفصول في آن عندما خلخلت بعضا من أهم الأسس التي قام عليها النظام العربي، وأودت باستقرار،ٍ كان محمودا في رأي البعض، وراكدا آسنا في رأي البعض الآخر. وبين استقرار ولى وآخر لم يتبلور بعد، سقطت الرتابة القاتلة للتقدم والإبداع ولكن تزعزعت معها منظومة الأعراف والقيم التي كانت تضبط تصرفات الأفراد والجماعات وتنظم علاقاتهم بعضا ببعض. فرصة لتشكيل المستقبل لاحت لأكثر الفئات استنارة كما لأكثرها ظلاما».

ولاحظ رئيس جمعية المصارف اللبنانية فرنسوا باسيل أن «الأرقام المعلنة عن موازنة عام 2014 أكدت المنحى المتسارع في الإنفاق بدل إرساءِ عملية إصلاح مالي تدعم الاستقرار النقدي وتعزز الاستثمار والإنتاج». وقال «ليس مقبولا أن نكتفي بمعدلاتِ نمو متواضعة يقدرها صندوق النقد الدولي بما بين 1,5 في المائة و2 في المائة للبنان وبما بين 2,4 في المائة و3,3 في المائة للمنطقة العربية لعامي 2014 و2015. فهذا المستوى من النمو ليس كافيا لاستيعابِ القوى العاملة الشابّة المتدفقة إلى أسواق العمل العربية».

ولفت رؤوف أبو زكي الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال التي تنظم المنتدى إلى أن «سنوات ما سمي (الربيع العربي) كانت صعبة حتى الآن بما أدت إليه من اضطرابات أمنية واسعة ومدمرة أحيانا ومن تراجع حاد في النشاط، تعدى وقعه الدول المعنية ليطاول دول الجوار والأجواء الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي ككل. لكن هناك اليوم بعض ما يبعث على التفاؤل الحذر. فتونس حققت تقدما في إرساء دعائم نظام ديمقراطي جديد وفي استعادة الحياة الطبيعية. ومصر تسير بخطى ثابتة ويؤمل أن تتسارع بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنه في المقابل تستمر التحديات كبيرة جدا في ليبيا وسوريا واليمن والسودان والعراق».