ناشيونال غاليري في لندن يأخذ زواره في رحلة بألوان قوس قزح

تاريخ استخدام الألوان الطبيعية والصناعية في الأعمال الفنية عبر معرض «صناعة اللون»

لوحة «تمشيط الشعر» لإدغار ديغا (ناشيونال غاليري - لندن)
TT

ما سر الألوان التي استخدمها الفنانون عبر العصور؟ كيف حصلوا على ذلك اللون الأزرق العميق أو الأحمر القاني، أو الأخضر بدرجاته؟ بالطبع هناك مصادر كثيرة ومتنوعة سواء كانت طبيعية أو صناعية لجأ إليها الإنسان لاستخلاص لون ما يغير به من شكل ملبسه أو يرسم به لتكوين عمل إبداعي يحاول به محاكاة الطبيعة، وأيضا ليعبر به عن موضوعات معينة. للون سحر خاص يسر العين ويشغل العقل أيضا، وهو ما ألهم ناشيونال غاليري في لندن لإقامة معرض يتحدث عن ذلك فقط: الألوان في الأعمال الفنية، كيف استخرجت وصنعت وكيف استخدمت.

المعرض مقسم إلى عدة غرف كل منها تدور حول لون محدد فهناك غرفة خاصة باللون الأزرق، وأخرى للأحمر، ثم الأصفر والأخضر وينتهي بصالة مخصصة لاستخدامات اللونين الفضي والذهبي.

المعرض هو الأول من نوعه في بريطانيا، حسب ما يقول منظموه، ويطوي في رحلته مع الألوان مساحة زمنية تقدر بمئات السنين. كما يعرض تنوع مصادر الألوان من المعادن اللامعة إلى الأحجار إلى الحشرات التي كانت تسحق لاستخراج لون معين، وأيضا التغير الذي طرأ على الألوان حين بدأت صناعتها عبر خلطات كيماوية. إلى جانب ذلك يعرض لنا أيضا خريطة توضح مصادر استخراج حجر اللازورد من بدخشان بأفغانستان وطرق التجارة التي شهدت نقله من المناجم إلى أوروبا. المعرض يقدم نماذج للوحات استخدمت اللازورد وغيرها لجأت لألوان مماثلة ووقتها فقط يتبين لنا الفارق بين الألوان ومدى تأثيرها البصري وحتى مع التقدم الصناعي فلا تزال لتلك الألوان الطبيعية ألقها الدائم وحسب ما يشير أحد القائمين على المعرض فحجر اللازورد لا يضاهيه أي لون صناعي في عمقه. تقول كارولين كامبل المشرفة على قسم اللوحات الإيطالية ما قبل عام 1500 في ناشيونال غاليري: «حاول الفنانون ابتداء من العصور الوسطى إلى عصرنا هذا العثور على ألوان مناسبة، ويأتي هذا المعرض كفرصة هائلة للاحتفاء بهذا البحث عن اللون من قبل الفنانين».

الجميل في المعرض أيضا هو دمج الجانب العلمي مع الجانب الفني، فنرى أفلاما مصاحبة تصور عمليات تكوين الألوان وشرائح تقدم النظريات العلمية للألوان، أفلام توضح عمل المختبرات الفنية الخاصة بناشيونال غاليري والتي تتولى فحص اللوحات بالوسائل العلمية وقام فيها المختصون بأخذ عينات من اللوحات المختلفة لاختبار ألوانها وتكوينها. يقول أشوك روي، أحد القائمين على المعرض في تعليقه، إن «الفن والعلم يندمجان بشكل فعلي في هذا المعرض».

ويختار منظمو المعرض البدء مع النظريات العلمية وشرح الألوان الأولية وسلم الألوان. وعبر سلم الألوان يمكننا رؤية العلاقات بين الألوان وبعضها وكيف تندمج جزيئات الألوان مع بعضها وتكون درجات مختلفة. يؤكد المعرض أيضا على أن بعض الفنانين تعاملوا مع الألوان بالبديهة فقبل كل النظريات العلمية أبدع الفنانون لوحات تحكمت بالألوان ووظفتها بشكل بارع. مثالا على ذلك نرى لوحة لفنان من عصر النهضة كارلو كريفيلي تعود إلى عام 1470 استخدم فيها الألوان بشكل رمزي أيضا، حيث ربط بين الشخصية التاريخية واللون المناسب لها. العلاقات بين الألوان والتضاد بينها وكيف لجأ كل فنان لاستخدام تلك العلاقات في عمله أيضا من اللمحات الجميلة للمعرض. وعبر عرض لوحات لفنانين من المدرسة التأثيرية يتضح لنا عشق فناني المدرسة لاستخدام الألوان المضادة وخلق علاقات بين الألوان بطريقة جديدة.

في كل غرفة يقدم المعرض نماذج للون المتناول وذلك عن طريق لوحات من المجموعة الدائمة لناشيونال غاليري ومن خلال لوحات مستعارة من جهات أخرى، تمر فيما بينها بأهم المراحل الفنية، فمن لوحات عصر النهضة للوحات المدرسة التأثيرية، تنوعت الألوان المستخدمة وتنوعت مصادرها أيضا.

وفي كل الأحوال فالأمر يعد فرصة جديدة لاستكشاف جوانب مخفية في لوحات عالمية معروفة مرت عليها العين مرات ومرات دون أن تستكشف كل أسرارها. فمن لوحات فان غوخ إلى ديغا وكلود مونيه وأنثوني فان دايك.