أجور السعوديين.. تعددت الحجج و التنصل قائم!

TT

مهما كانت قضية الحد الأدنى لأجور السعوديين في القطاع الخاص قضية جدلية، ذات أبعاد قانونية وإجرائية، تبقى الحاجة لتحريكها ملحة، ومن غير المقبول أن يستغرق البت فيها كل هذا الوقت. والقرار الحاسم فيها بات قراراً أمنياً واجتماعياً بقدر ما هو اقتصادي تنتظره شرائح واسعة من المجتمع.

على مدى السنوات الماضية استفاضت الدراسات التي تجريها جهات عدة في السعودية حول قضية الحد الأدنى للأجور، ولم تخرج هذه الدراسات بحلول من شأنها الدفع بفكرة تحسين أجور السعوديين في القطاع الخاص، ورفع مستويات التوطين في هذا القطاع الذي تصل نسبة السعوديين فيه 15 في المائة من قواه العاملة فقط. بل طالعتنا هذه الدراسات بالتحذير من العواقب السلبية لهذا القرار، وضخمت من آثاره، وعقدته أكثر.

القطاع الحكومي ممثلاً في وزارة العمل متخوف من الآثار التضخمية التي قد تترافق مع مثل هذا القرار، ويستصعب فكرة وضع حد أدنى لأجور السعوديين حصرا لارتباطات باتفاقيات دولية تفرض عليه عدم التمييز ما بين مواطن ووافد، وبالتأكيد وضع حد أدنى للأجور بشكل عام في القطاع الخاص، لن يستفيد منه السعوديون على المدى القصير بقدر الوافدين، وهو أمر سيرفع من أرقام التحويلات الخارجية.

القطاع الخاص من جهة أخرى يقول إنه لا يستطيع الالتزام بحد أدنى للأجور، ويتحفظ على أي خطوة في هذه الاتجاه ويدعي أنها ستؤثر سلبا على ربحيته، ويهدد بخروج عدد كبير من الشركات خارج السوق.

قائمة المخاوف والمحاذير تطول، وبغض النظر عن من المستفيد من إطالة أمد هذه القضية، فإن كل ما يصاحبها من مصاعب مختلفة يعد أمرا طبيعيا يصاحب أي تغيير.

الأكيد أن سوق العمل السعودية تعاني من تشوه كبير، ومعالجة هذا التشوه يحتاج لخطوة جريئة لاجتثاثه. وفي نهاية الأمر فإن الغاية النبيلة لهذه المعالجة تبرر أي وسيلة مهما كانت قاسية.

نعم، المخاوف من التضخم مشروعة، إلا أنها إذا كانت بمستويات معقولة فإنها ستكون مقبولة، وهنا يأتي دور وزارة التجارة في ضبطها. والمطلوب إيجاد صيغه تسهل تطبيقه على السعوديين في المرحلة الأولى، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المواطنين للقطاع الخاص، وخفض نسبة البطالة في البلد. وبالإمكان بحث مخرج قانوني أو إجرائي لهذه الخطوة متى ما تركز البحث عن السبل الكفيلة بتطبيقه بدلاً من بحث معوقاته أو (جدليته).

وبدلاً من الالتفات لتحفظ القطاع الخاص على تطبيق الحد الأدنى للأجور، من الأجدى التحفظ على كثير من أنشطة القطاع الخاص وجدواها الاقتصادية، فالقطاع الخاص الذي يحظى بكل أنواع الدعم الحكومي، عبر القروض الميسرة، والامتيازات في فواتير المياه والكهرباء والوقود وإيجارات الأراضي، يبدي تنصلا من دوره في مفهوم الشراكة الاجتماعية، وتوفير الحد الأدنى من شروط العمل الكريمة للمواطنين.

لتأسيس مرحلة جديدة مع القطاع الخاص، قد يكون من المفيد ربط الدعم الحكومي والامتيازات التي تقدمها الدولة لهذه الشركات، بقدر التزامها بالتوطين وتوفير فرص العمل الكريمة. بعد ذلك يمكن لمنشآت القطاع الخاص أن تحدد خيارها، إما البقاء في السوق أو مغادرتها، بعد أن حسمت الدولة أن الجدوى الاقتصادية لهذه المنشآت منقوصة.