إعادة اعتقال السودانية المدانة بالردة بعد يوم واحد من إطلاق سراحها

الخبير الحقوقي المستقل بادرين ينهي زيارة للسودان ويتسلم تقرير أحداث انتفاضة سبتمبر

TT

شهدت أوضاع حقوق الإنسان في السودان أحداثا مهمة، عشية إنهاء الخبير المستقل المعني بأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، مسعود بادرين، زيارته الثانية للبلاد التي استغرقت عشرة أيام، بحث خلالها أوضاع حقوق الإنسان وفقا للمهمة الموكلة إليه من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إذ أعادت السلطات السودانية اعتقال المرأة المدانة بحد الردة بعد يوم واحد من إطلاق سراحها بقرار من محكمة الاستئناف، وأصدرت السلطات العدلية أمرا أغلقت بموجبه «مركز سالمة» إحدى منظمات المجتمع المدني المختصة بقضايا المرأة.

وألقت السلطات القبض مجددا على امرأة أدينت بحد الردة، عقب إلغاء المحكمة الدستورية، قرار إدانتها بحد الردة «الإعدام شنقا»، وحد الزنا «الجلد مائة جلدة» لزواجها بغير مسلم. وعلمت «الشرق الأوسط» أن مريم إسحاق اعتقلت في مطار الخرطوم هي وزوجها «دانيال» وطفلاها، وأن قوة ترتدي زيا مدنيا اقتادت الأسرة إلى مكان مجهول يرجح أنه أحد مقرات أجهزة الأمن. وتبعا لتقارير صحافية، فإن مريم ذهبت إلى مكان مجهول عقب إطلاق سراحها مباشرة، ولم ترشح أي معلومات عن مكان وجودها وطفليها، وأن الأسرة اعتقلت في مطار الخرطوم، وهي تغادر السودان إلى الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم السفارة الأميركية، رون هاوكنز، في تصريح مقتضب لـ«الشرق الأوسط»: «السفارة على اتصال مباشر بالأسرة، وتتابع الموضوع باهتمام بالغ».

وحكمت محكمة سودانية على مريم بالإعدام شنقا حتى الموت، والجلد مائة جلدة بعد إدانتها بتهمتي الردة عن الإسلام والزنا، وعد القاضي الذي أصدر الحكم زواجها بمسيحي أميركي من أصول في جنوب السودان «دانيال» باطلا، باعتبارها مسلمة لا يحق لها الزواج بمسيحي، بحسب القوانين السودانية المشتقة من الشريعة الإسلامية. وألغت محكمة الاستئناف، أول من أمس، حكم الإعدام الصادر بحقها من محكمة الموضوع في منتصف شهر مايو (أيار) الماضي.

وقالت الخارجية السودانية في بيان أول من أمس، إن الخرطوم تعرضت لضغوط قوية من حكومات ودول ومنظمات بسبب قضية مريم.

وفي سياق ذي صلة، سلمت السلطات السودانية أمس إحدى منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق المرأة «مركز سالمة» إخطارا بإغلاق مركزها. وذكرت مديرة مركز «سالمة» فهيمة هاشم، في تصريحات، أنها تسلمت خطابا من وزارة العدل يفيد بإغلاق المركز، دون أن تدلي بأي تفاصيل، مرجئة الإعلان عن التفاصيل لما بعد دراسة القرار.

وبإغلاق مركز «سالمة»، يكون عدد منظمات المجتمع المدني التي أغلقت بقرارات من السلطات الحكومية 15 منظمة، خلال فترة العامين الماضيين، أبرزها «مركز الدراسات السودانية، مركز الخاتم عدلان للاستنارة، منتدى السرد والقصة، بيت الفنون». وتتهم حكومة الخرطوم منظمات المجتمع المدني بتلقي تمويل من أجهزة مخابرات أجنبية يوظف للعمل على تغيير نظام الحكم في السودان، بينما تسخر تلك المنظمات من الاتهامات الحكومية، منطلقة من أن الجهات التي تصدر عنها تراخيص عمل المنظمات تعلم بميزانياتها ومصادر دخلها وأوجه صرفه.

وفي غضون ذلك، أنهى الخبير المستقل لحقوق الإنسان مسعود بادرين زيارة للبلاد استغرقت عشرة أيام، عقد خلالها اجتماعات مع المعنيين بحقوق الإنسان في كل من الخرطوم والفاشر والدمازين، والتقى نشطاء سياسيين ونشطاء مجتمع للتأكد من سجل حقوق الإنسان بالبلاد في الفترة التي أعقبت زيارته للبلاد فبراير (شباط) الماضي.

وقال بادرين، في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، إن زيارته الحالية للبلاد شهدت تفجر انتهاكات ملموسة لحقوق الإنسان في السودان، حظيت باهتمام دولي كبير، تمثلت في اعتقال زعماء حزبي «الأمة القومي» الصادق المهدي، و«المؤتمر السوداني» إبراهيم الشيخ.

بيد أن بادرين ذكر أن الحكومة السودانية سلمته تقريرا بالانتهاكات وعمليات القتل والاعتقال التي شهدها السودان في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، إثر الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية قرار السلطات رفع الدعم عن المحروقات.

وأوضح أن الزيارة تضمنت تقديمه استفسارات عن الاعتقالات للنشطاء، والحكم بإعدام مريم إبراهيم، والرقابة القبلية والبعدية على الصحافة، وتصاعد النزاعات وما ترتب عليها من عمليات نزوح، فضلا عن بحث تقديم المساعدات الفنية وبناء القدرات التي يمكن أن يقدمها ضمن مهمته.

وأضاف: «طرحت أسئلة صعبة على ممثلي الحكومة، وأقر بتعاونهم معي، وعبرت لهم منذ الزيارة الفائتة عن تأخير صدور تقرير التحقيق في أحداث سبتمبر، وتوقعات المجتمع الدولي بشأن التحقيق، وقدموا لي تقريرا وسأقوم بدراسته وأعلق عليه في تقريري لمجلس حقوق الإنسان في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».

وأبدى بادرين رضاه عن الدعوة للحوار الوطني، لكنه قال: «للأسف، اعتقل المهدي، وإبراهيم الشيخ لآراء سياسية، وفي أول أيام الزيارة عبرت عن قلقي عن الاعتقالات وأثرها في الحوار، وسعيد بإطلاق سراح المهدي، وأحث الحكومة على إطلاق سراح إبراهيم الشيخ، وبقية المعتقلين، تعبيرا عن حسن نيتها تجاه الحوار».

وأبدى المسؤول الأممي قلقه من ظروف اعتقال الطالبين محمد صلاح ومعمر موسى، وقال إن السلطات رفضت طلبا تقدم به لزيارة محمد صلاح، وقال إنه حث السلطات على تقديمهم للمحاكمة أو إطلاق سراحهم، مجددا طلبه من حكومة الخرطوم، لتأكيد حرية التعبير والتجمع ومنع الاعتقالات العشوائية، وإقامة حوار موضوعي.

وأضاف: «عبرت عن قلقي بشأن قضية أبرار أو مريم المدانة بالإعدام وفقا للقانون الجنائي، وسمح لي بزيارتها في السجن، وحصلت خلال الزيارة على تأكيد بتسريع النظر في الاستئناف، ثم صدر الحكم بإطلاق سراحها، وهذه أشياء أعبر عن رضائي عنها».

وقال بادرين إنه حث مفوضية حقوق الإنسان السودانية، استنادا إلى أن قضية مريم تعكس أمورا قانونية بشأن حرية المعتقد، لعقد ورشة عمل لبحث المادة 161 من القانون الجنائي السوداني وفقا للدستور السوداني ووثيقة حقوق الإنسان، وإنه تعهد بدعم تلك الورشة حال انعقادها.

ودعا إلى تأكيد حرية الصحافة قائلا: «حرية الصحافة تتطلب إلغاء الرقابة، وقد علمت أن أوضاع الصحافة تثير الخوف والقلق، وأنها تواجه الرقابة وتحيط بها الخطوط الحمراء».

وأضاف أن تأجج الصراع مجددا في دارفور والنيل الأزرق أدى إلى زيادة النازحين، وأن عمليات الحركات المتمردة والجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كان لها أثر سيئ أدى إلى تزايد حالات العنف الجنسي ضد النساء، موضحا أنه تلقى تقارير عن العنف الجنسي والاغتصابات، وتعهد بأن يتضمنها تقريره المزمع.