حلم واحد.. هدف واحد.. كرة القدم في إيران تبث السرور في المجتمع

مباريات المونديال تستغل سياسيا لتقلل الفجوة بين السلطة والشعب

إيرانيات يرفعن علامة النصر لفريقهن الوطني - إيرانيون يحتفلون بأداء فريقهم القومي في كأس العالم
TT

«هدف خداد عزيزي أوصل إيران إلى كأس العالم وجر الجماهير المبتهجة إلى الشوارع».. وتعد كرة القدم من أكثر الرياضات شعبية على مستوى العالم، ولها الكثير من المشجعين في إيران، قلما تجد عائلة إيرانية لا تعرف اسم نوادي كرة القدم أو أسماء عدد من اللاعبين المعروفين في البلاد.

وبما أنه لا توجد في إيران حانات أو أمكنة عامة لمشاهدة ألعاب كرة القدم، فقد تحولت مشاهدتها إلى جانب الأصدقاء والعائلة في البيوت، إلى تسلية للجميع. ويعد الفريق الإيراني لكرة القدم للجماهير نوعا من الكرامة الوطنية، خصوصا بعد أن استطاعت إيران عقب 20 عاما أن تشارك في مباريات كأس العالم، وحينها تجاوز المشجعون الحالة الشخصية والعائلية ونزلوا إلى الشوارع للرقص والابتهاج بفوز فريقهم.

فمن أشهر مباريات المنتخب الإيراني لكرة القدم التي أثارت فرحة كبيرة بين الناس، كانت مباراته مع فريق أستراليا التي تمت يومي (22 و29 نوفمبر 1997) ذهابا وإيابا. وكانت النتيجة، تعادلا في المباراتين. وفي النهاية شارك الفريق الإيراني في مباريات كأس العالم في فرنسا عام 1998 كفائز نهائي بسبب تسجيله هدفا في بلد الفريق المنافس.

وقد أدى الهدف الذي سجله خداد عزيزي بوصول المنتخب الإيراني إلى كأس العالم، إلى دفع الجماهير المسرورة إلى الشوارع، وأطلق أصحاب السيارات الأبواق ورقص الناس في الأزقة وقدموا الحلوى في الشوارع.

بعد أن فقد الإيرانيون الوصول إلى كأس العالم في جنوب أفريقيا عام 2010 حولهم كارلوس كيروش مرة أخرى إلى طلائع منطقة آسيا كي يذوقوا مرة أخرى طعم البهجة وأن يحتفلوا ويرقصوا.

لم يكن الفوز في المباريات، الذريعة الوحيدة لاحتفال الناس في الشوارع بل كانت المباريات بين إيران ونيجيريا ونتيجة التعادل بين الفريقين الذي لم يجلب لإيران إلا نقطة واحدة أيضا ذريعة لبهجة الناس. وقد أظهر الناس فرحتهم بترديد هتاف «إيران إيران» و«نشكركم يا شباب» وإطلاق أبواق السيارات الممتد وتزيين بعض السيارات بعلم إيران.

يقول عالم الاجتماع المقيم في السويد مهرداد درويش بور في مقابلة مع «الشرق الأوسط» حول هذه الاحتفالات: «مباريات كرة القدم الدولية تعد من الأمور التي تستغلها إيران سياسيا. صحيح أن الحكومة الإيرانية حكومة دينية ولها قيمها الدينية وتعارض الفرح، لكنها أيضا حكومة براغماتية بالتمام، بمعنى أنه إذا كان هناك عمل يفيد الحكومة ستعمل على تخفيف شكله الديني والعرفي. أنا أتصور أنه إذا فاز الإيرانيون في مباريات كرة القدم يمكن أن يستغل سياسيا ليقلل من الفجوة بين السلطة والشعب. فلذا الحكومة لم تواجه الاحتفالات الشعبية فحسب، بل ستعطيها المجال».

وأضاف: «أساسا يجري استغلال مباريات كرة القدم التي تجري على المستوى الدولي، خصوصا في الدول التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية وشمولية. فعلى سبيل المثال كان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي يسعى دوما لاستغلال الفوز في مباريات كرة القدم سياسيا وعلى المستوى الدولي».

لكن خلافا لدرويش بور الذي يعتقد أن هناك استغلالا سياسيا للاحتفالات الشعبية، يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران الدكتور محمد فاضل، الأمر وطنيا ويقول: «خلال الأعوام الأخيرة استطاع الشعب الإيراني أن يعبر عن بهجته ويخلق جوا يجب أن ننتبه إلى أبعاده المختلفة. أولا: لهذه البهجة شكل وطني عام وشامل، ولا يمكن أن نصف شخصا ما أو حزبا ما بأنه يقود هذه الاحتفالات. ثانيا: بلغ الشعب الإيراني حدا كبيرا في إقامة هذه الاحتفالات، حيث كان ينظر في عقدي الثمانينات والتسعينات بعين الريبة إلى مثل هذه الاحتفالات، فيما استطاع الجيل الرابع أن يعبر عن فرحته بشكل لا يتعارض والأجيال السابقة وأن يبتعد عن الأجواء المشحونة بالإساءة والهمجية. ثالثا: إن دائرة الفرح والاحتفالات تتسع أكثر فأكثر لتضم كل البلاد، حيث وبمساعدة المواصلات يرتبط الإيرانيون في كل أنحاء العالم ليصبحوا على رأي واحد ليقيموا احتفالات جماعية».

ويؤكد محمد فاضل: « يجب أن نتقبل أن التعبير عن الفرح عند فوزنا في كرة القدم يمنحنا الإحساس بأن نعيد إنتاج مطالبنا ورغباتنا في الفوز، لنستطيع كمواطنين في مجتمع حداثي أن نلبي رغباتنا دون أن يكون لنا أي علاقة مباشرة مع كرة القدم. وفي هذه الحالة سيتحول فوزنا إلى فرحة عامة ونستطيع أن نجد فرصا اجتماعية جيدة للأنشطة الجماعية».

في هذه الاحتفالات الشعبية لا يوجد أي قلق إزاء مراعاة الأطر القانونية وكسر القواعد العرفية للمجتمع. الأوشحة على رؤوس النساء تكون فضفاضة ويقيم الناس الرقص في الشوارع، والغريب يصبح صديقا للحظات وتنسى المخاوف. وفي ليالي فوز المنتخب الوطني لكرة القدم يجري انتهاك القوانين المدنية والشرعية بكل تعقيداتها.

وقد أكدت قوات الأمن أن «الشرطة لا تعارض بهجة الناس» لكن وعلى الرغم من ذلك تقوم بالتدابير اللازمة للحيلولة دون «إزعاج المواطنين الآخرين ». وعادة تخشى قوات الأمن بأن تتحول الاحتفالات من حالتها المؤقتة إلى «اجتماعات».

ويرى درويش بور: أن «الحكومة أساسا تبدي حساسية أكثر إزاء الاحتفالات التي تعد تحديا للنظام أو لقيمه، لكنها تسعى لاستغلالها سياسيا إذا كانت الاحتفالات تعبر عن نوع من التبجح بالقوة الوطنية».

وأكد أن حكومة روحاني تسعى لتخفيف التشدد المدني قائلا: «بما أن الدول الشمولية بحاجة للمشروعية، فأنا أتصور أنه حتى لو لم تكن حكومة روحاني، لرحبت أي حكومة أخرى باحتفالات الناس من أجل فريق إيران الوطني في كأس العالم. فإذا واجهت الحكومة احتفالات الناس ستبرز سلوكا منفرا يمكن أن يؤدي إلى معارضات أخرى».

وصرح محمد فاضل في هذا المجال: «في مثل هذه الاحتفالات لا تستطيع المؤسسات الدينية والأمنية أن تعطلها أو حتى أن تقمعها، إلا إذا تجاوزت الاحتفالات الجماعية حالتها وتحولت إلى احتجاجات في الشوارع أو أعمال سياسية. فمن المؤكد أن المؤسسات الدينية والأمنية تستعد من قبل لمثل هذه الأمور وستتدخل. لكن البهجة الوطنية العامة تخلق نوعا من التعامل بين الحكومة والشعب تحول دون تبديل الأمر إلى مناسبة للتعبير عن أنشطتها السياسية».

ويعتقد فاضل أنه «لا يوجد أي تناقض بين الفعل الجماعي للناس وسلوك قوات الأمن إلا أن يتحول هذا الفعل إلى عملية احتجاجية. في الاجتماعات السياسية هناك أرضية مساعدة للتحدي، لأن الأجنحة السياسية تختلف وتتصارع حيث يمكن وبسهولة وسرعة القيام بقمع الاجتماعات ولو كانت احتفالية. وقد أخذ الناس العبر من مثل هذه الأحداث وتمكنوا من السيطرة على الموقف والحد من التوتر».

* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية «شرق بارسي»