اغتيال ناشطة ليبية بارزة يثير إدانات دولية ومحلية واسعة

ترقب لنتائج فرز صناديق انتخاب البرلمان.. وتدشين مقره في بنغازي

الحقوقية والناشطة الليبية البارزة سلوى بوقعقيص التي اغتيلت أول من أمس في صورة لها خلال وجودها بجلسات التحضير للحوار الوطني شهر مارس الماضي (أ.ب)
TT

في وقت تسعى فيه ليبيا إلى تقدم سياسي عبر انتهاء عملية الاقتراع للانتخابات البرلمانية، تسبب الاغتيال المفاجئ للحقوقية والناشطة البارزة سلوى بوقعيقيص، في ساعة متأخرة أول من أمس، بمدينة بنغازي، في إثارة ردود فعل دولية ومحلية غاضبة.

وأكد مدير المكتب الإعلامي بمركز بنغازي الطبي، خليل قويدر، مساء الأربعاء، لوكالة الأنباء الليبية الرسمية، وفاة المحامية والناشطة القانونية بوقعيقيص، وأوضح قويدر أن «بوقعيقيص وصلت إلى المركز على قيد الحياة، ومصابة برصاصة بالرأس، ولم تمض دقائق من وصولها للمركز حتى وافتها المنية». بينما أكد ناشطون ومصادر محلية أن بوقعيقيص كانت تعاني أيضا من طعنات متفرقة في جسدها.

وأفادت تقارير إخبارية ليبية بأن بوقعيقيص لقيت حتفها بعد اقتحام مجهولين منزلها وإطلاق النار عليها. وأفاد حارس المنزل في شهادته لمحضر الشرطة بأن خمسة أشخاص، أربعة منهم ملثمون وواحد غير ملثم، دخلوا عليه وسألوا عن وائل، نجل الناشطة، فأخبرهم الحارس بأنه غير موجود، فقاموا بإطلاق الرصاص على رجله فأصيب وسقط أرضا. وأضاف الحارس: «بعدها أكملوا طريقهم إلى داخل البيت وسمعت دوي طلق ناري». ويُذكر أن عصام الغرياني زوج الناشطة والعضو المنتخب أخيرا للمجلس البلدي في بنغازي مفقود.

ولعبت سلوى في السابق دورا رئيسا في انتفاضة الشعب الليبي على نظام القذافي، وأدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الجريمة ووصفت المحامية بأنها شخصية وطنية معروفة ونائبة رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، مشيرة في بيان لها إلى أن هذا الحادث يضاف إلى سلسلة الاعتداءات التي كثيرا ما تستهدف المدنيين أو تصيبهم في بنغازي، كما دعت السلطات الليبية إلى إجراء تحقيق شامل في القضية وملاحقة الفاعلين ومحاكمتهم.

ونددت السفيرة الأميركية لدى ليبيا ديبوراه جونز باغتيال بوقعيقيص، واصفة إياه في تغريدة على حسابها على موقع «تويتر» بـ«العمل الجبان والحقير والمشين ضد امرأة شجاعة وليبية وطنية حقة».

وقبل ساعات من مقتلها، نشرت المحامية المغدورة صورا على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تشير بوضوح إلى تجمع بعض ميليشيات عناصر تنظيم أنصار الشريعة المتطرفة وهم يحملون علم تنظيم القاعدة بالجوار من مقر إقامتها، ويرجح نشطاء أن تكون هذه الصور هي سبب قتلها بعد انتباه المتطرفين إلى تصويرها لهم.

كما دعت سلوى سكان العاصمة الليبية طرابلس إلى حماية مقر المحكمة العليا، وقالت في رسالة مقتضبة: «أهلنا في طرابلس، أرجوكم. كونوا في الموعد»، فيما بدا أنه بمثابة إشارة إلى الاستعداد لقرار الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بعد ساعات من مقتلها، حول بعض نصوص ومواد قانون العزل السياسي والإداري، الذي اتخذت الدائرة قرارا بتأجيل النظر في الطعن المقدم من قبل شخصيات قانونية إلى موعد لم يحدد.

وتجمع أمس العشرات من جماعة الإخوان المسلمين، المؤيدة للقانون، أمام مقر المحكمة بطرابلس، رافعين لافتات تطالب المحكمة العليا برفض الطعن، ورأوا - بحسب وكالة الأنباء المحلية - أن المساس بالقانون الذي أقره البرلمان في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، والذي يعزل بمقتضاه كل من عمل مع نظام القذافي، يمثل «خيانة لأرواح شهداء ثورة الـ17 من فبراير».

في غضون ذلك، انفجرت سيارة مفخخة أمام قاعة البرلمان القديم بمدينة البيضاء، التي تتخذها الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مقرا لها، لكن من دون وقوع أضرار بشرية.

وقالت مصادر محلية إن الانفجار كان يبعد عن البوابة الرئيسة لمقر الهيئة بنحو 500 متر، وإن «هذا العمل لن يثني أعضاء الهيئة عن مواصلة عملهم حتى إنجاز الرسالة المكلفين بها، وهي إعداد دستور البلاد».

ولفتت إلى أن الانفجار وقع بموقف السيارات الواقع أمام قاعة البرلمان، مشيرة إلى أن قوة الانفجار ناتجة عن انفجار عدة سيارات لمواطنين، وبعض موظفي ديوان الهيئة كانت متوقفة بمكان الحادث.

وباشرت عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية بمديرية أمن البيضاء التي طوقت المكان في اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لمعرفة منفذ هذا التفجير، الذي يعد الأول من نوعه في المدينة التي لم تشهد في السابق أي أعمال إرهاب مبرمجة، مثل غيرها من بقية المدن الليبية.

ووصف الدكتور علي الترهوني، رئيس الهيئة، الحادث بـ«العمل الإرهابي الجبان»، ورأى أنه يستهدف عرقلة عمل الهيئة وإعاقة المسار السلمي الديمقراطي الذي أقره الشعب الليبي لبناء الدولة المدنية، دولة العدالة والقانون.

ورغم كثير من مظاهر الاضطراب، احتفل أمس بمدينة بنغازي بتدشين مقر مجلس النواب الجديد، ورأى صلاح الميرغني، وزير العدل الليبي، أن الانتخابات وحدها لا تحقق الأمن. ولكن على الليبيين أن يعملوا على تحقيق الأمن والأمان داخل وطنهم.

وأكد الميرغني وجوب وقوف الجميع لمحاربة الإرهاب، حتى يجري حقن الدماء وبناء دولة القانون.

من جهة أخرى، انتشرت بشكل مفاجئ، أمس، قوات درع المنطقة الوسطى في عدد من الشوارع والميادين بالعاصمة طرابلس، علما بأن هذه القوات مكلفة بتأمين وحماية المراكز الحيوية في العاصمة. وقال مدير مكتب الإعلام بهذه القوات إن هذا الانتشار «روتيني»، ويأتي ضمن المرحلة الثانية من الخطة التي وضعها الدرع لحماية العاصمة ومؤسساتها.

ولفت إلى أن تنفيذ الخطط من قبل الدرع يجري بالتنسيق مع الجهات الأمنية الموجودة في العاصمة، سواء التابعة لوزارة الداخلية أو أي جهات أخرى.

وكان نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والقائد الأعلى للجيش الليبي، أصدر قرارا مثيرا للجدل يقضي بتكليف درع المنطقة الوسطى المحسوب على التيار الإسلامي، بتأمين وحماية المراكز الحيوية في طرابلس.

وعلى صعيد متصل، أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن عملية الاقتراع لانتخاب مجلس النواب، التي انتهت مساء أول من أمس، شهدت مشاركة ما يزيد على 630 ألف ناخب من بين 1.5 مليون ممن لهم حق التصويت، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تصل نسبة المشاركة إلى 45 في المائة كتقديرات أولية، بعد تجميع كامل إحصاءات عدد المقترعين.

وعد عماد السايح، رئيس المفوضية، أن «هذه النتائج تعد مقبولة مقارنة بالظروف الصعبة التي جرت فيها»، لكنه اعترف في مؤتمر صحافي بأن العملية مرت ببعض الخروق الأمنية في بعض المراكز الانتخابية حالت دون استمرار عملية الاقتراع بها.

وهدد السايح بمقاضاة بعض القنوات الفضائية المحلية، بسبب ما وصفه بـ«تجاوزها ونشر أخبار كاذبة بهدف التشويش على الناخب وإرباكه وإجباره على تجنب التوجه إلى صناديق الاقتراع، وممارسة حقه في الانتخاب. وكان المسؤولون يأملون في إقبال كبير من الناخبين لإعطاء تفويض لإعادة بناء الدولة التي تعاني من تزايد الاضطرابات بعد ثلاث سنوات من الإطاحة بالنظام السابق».

وتسببت اشتباكات مسلحة بين قوة تابعة للغرفة الأمنية المشتركة المكلفة تأمين مدينة بنغازي ومجموعة تابعة لكتيبة راف الله السحاتي، في إغلاق مركز انتخابي بمنطقة الهواري الضاحية الغربية للمدينة، في حين سُمع دوي تحليق طائرات عسكرية.

ونقلت وكالة الأنباء المحلية عن مصادر مطلعة أن ثلاثة من القتلى تابعون للشرطة العسكرية، بالإضافة إلى إصابة 25 جريحا في صفوف عناصر الغرفة الأمنية. وكان قيادي في كتيبة «17 فبراير» الإسلامية أعلن أن مقر الكتيبة تعرض لهجوم بواسطة صواريخ، ولم يسفر ذلك عن وقوع أضرار بشرية.

من جانبه، أعلن رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني خلال لقائه مع السفير التركي بطرابلس أن حكومته لن تدخر جهدا في توفير الحماية الأمنية لأفراد الجالية التركية وشركاتها ومقراتها، وأن الجالية التركية محل ترحيب وقبول عند الشعب الليبي.

وأشار الثني بحسب بيان لمكتبه، إلى أهمية دور الشركات التركية في مساعدة ليبيا للنهوض وتجاوز هذه المرحلة الدقيقة، كما تطرق اللقاء إلى التعاون العسكري بين البلدين، والتزام تركيا بالتدريب وتأهيل عناصر من الجيش الليبي. وتطرق الثني إلى ما وصفه ببعض الثغرات والهفوات التي لوحظت في إجراءات الدفعة الأولى التي جرى إرسالها للتدريب في تركيا، والتي وجب تفاديها مستقبلا، خصوصا فيما يخص اختيار المتدربين ووضع آلية لتأهيلهم قبل المغادرة.

وأكد الثني على أهمية أن يجري تدريب العناصر الليبية بالضبط والصرامة العسكرية التي يخضع لها المتدربون الأتراك، واتفق الطرفان على تفعيل اتفاقية التدريب العسكري، وكذلك تفعيل الاتفاقية الخاصة بالصناعة الدفاعية بين البلدين.