السيسي: الإرهاب أصبح أداة لتمزيق الدول وتدمير الشعوب وتشويه الدين

أعلن في قمة الاتحاد الأفريقي إنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية لإعداد الأطر للقارة السمراء

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته أمس أمام زعماء القارة في القمة الأفريقية بغينيا الاستوائية (إ.ب.أ)
TT

انطلقت في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية أمس أعمال قمة الاتحاد الأفريقي الثالثة والعشرين تحت شعار «الزراعة والأمن الغذائي في أفريقيا». وشهدت القمة مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للمرة الأولى منذ توليه مهام منصبه مطلع شهر يونيو (حزيران) الحالي، وذلك عقب إلغاء تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، والتي استمرت لمدة عام كامل. وقال السيسي في كلمته «أثق أن القادة الأفارقة باتوا يدركون أن 30 يونيو كانت ثورة شعبية مكتملة الأركان».

وعلق مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي في يوليو (تموز) الماضي مشاركة مصر في جميع أنشطة الاتحاد لحين «استعادة النظام الدستوري»، بعد يومين من إعلان الجيش عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وقرر مجلس السلم والأمن الأفريقي الأسبوع الماضي عودة مصر إلى ممارسة جميع أنشطتها في الاتحاد الأفريقي، بعد أن أقر مراقبوه بنزاهة الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر أخيرا.

وشهدت الجلسة الافتتاحية للقمة ترحيبا كبيرا بالرئيس السيسي من جانب المشاركين. وقالت نكوسازانا زوما، رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، في كلمتها «نرحب برئيس مصر وبعودة مصر إلى أسرة الاتحاد الأفريقي». فيما قال رئيس غينيا الاستوائية أوبيانج أنجينا، الذي تستضيف بلاده القمة، إنه «يرحب بشكل خاص بالرئيس السيسي بعد أن جرى تطبيع الوضع في مصر، وبعد إجراء انتخابات عادلة وديمقراطية ونزيهة».

من جانبه، أكد السيسي، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية، أن شعب مصر، رغم أنه قد تألم عندما توقفت ممارسة أنشطتها في الاتحاد الأفريقي، فإن مصر لم تتوقف مطلقا عن انشغالها بهموم ومصالح قارتها الأفريقية، منوها بأن بلاده لا يمكن أن تنفصل عن وجودها وواقعها الأفريقي، وأضاف «أثق أن القادة الأفارقة باتوا يدركون أن 30 يونيو كانت ثورة شعبية مكتملة الأركان».

وقال السيسي إن «ثورتي الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011، والثلاثين من يونيو 2013، كانتا من أجل أهداف تمثل تطلعات مشتركة لشعوبنا نحو التنمية والديمقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية، وهي القيم التي عبر عنها دستور مصر الذي جرى إقراره في بداية العام الحالي». وأضاف أن «الديمقراطية طريق نسير عليه جميعا، وهو طريق لا يخلو من عواقب وتحديات حقق بعضنا تقدما أكثر من بعضنا الآخر في مواجهتها، لكن أحدا لا يستطيع الادعاء بأنه بلغ حد الكمال».

وتابع السيسي أن «مصر؛ وإن غابت لبعض الوقت عن المشاركة في أنشطة الاتحاد الأفريقي، فإنها لن تتوقف يوما عن الانشغال بهموم وقضايا قارتها، ولم تبخل يوما بعقول أبنائها أو بقوة سواعدهم لبناء الأطر والقدرات الأفريقية، إلا أنه لا يخفى عليكم أن شعب بلادي قد تألم حينما رأى الاتحاد الأفريقي يتخذ موقفا مغايرا لإرادته حينما رأى إخوته الأفارقة لا يبادلونه التضامن والمساندة والتأييد».

وأكد السيسي أن «أفريقيا تواجه خطرا متزايدا يتمثل في التهديدات الأمنية العابرة للحدود، مثل الإرهاب»، مضيفا «نؤكد إدانتنا لكل أشكال الإرهاب، مشددين على أنه لا مجال لتبريره أو التسامح معه». ورأى أن «الإرهاب أصبح أداة لتمزيق الدول وتدمير الشعوب وتشويه الدين»، مشددا على أن «هذا الخطر المشترك يملي علينا تعزيز التعاون في ما بيننا لمواجهته بحسم، حفاظا على أمن وسلامة مواطنينا وجهود التنمية الاقتصادية في دولنا».

وأوضح الرئيس المصري أن «ثورة 30 يونيو تضافرت فيها جهود جميع المصريين بحق لتجنيب البلاد حربا أهلية والحيلولة دون انجرافها نحو مصير مجهول، انساقت إليه للأسف بعض دول المنطقة وتدفع شعوبها اليوم الثمن فادحا على مرأى ومسمع من الجميع، وفي مقدمتهم دول القارة الأفريقية التي يجاور بعضها هذه الدول ويشارك شعوبها في مأساتها».

وعبر السيسي عن تقديره للحضور البارز للاتحاد الأفريقي من خلال بعثة متابعة الانتخابات الرئاسية التابعة له. وتعهد بأن تواصل مصر بذل أقصى الجهد بالتعاون مع الأشقاء الأفارقة للعمل على تسوية النزاعات، ودعم كل مجالات التنمية بما فيها إعادة الإعمار في المناطق الأفريقية المتضررة من النزاعات، معلنا إنشاء «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في أفريقيا»، والتي ستبدأ عملها أول يوليو المقبل لإعداد وتأهيل الأطر الأفريقية ودعم مبادرات جديدة لتنفيذ مشروعات تنموية رائدة في القارة. ولفت الرئيس المصري إلى حجم التحديات الجسيمة التي تواجهها القارة الأفريقية في مجال السلم والأمن، مؤكدا أن «الأمر يملي على الجميع تكثيف الجهود وحشد الإمكانيات الذاتية لتفعيل مبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية». كما أكد أن مصر ستواصل جهودها لبناء القدرات الأفريقية في مجالات الدبلوماسية الوقائية ومنع وإدارة وتسوية النزاعات وإعادة الإعمار والتنمية بما يحول دون انزلاق الدول الخارجة من النزاعات إليها مجددا، وتطوير الآليات الملائمة للتعامل مع كل هذه المسائل، فضلا عن تعزيز مساهمة مصر في بعثات حفظ وبناء السلام في مختلف ربوع القارة، مدينا كل أشكال الإرهاب في القاهرة، قائلا «لا مجال لتبريره أو التسامح معه بعد أن أصبح أداة لتمزيق الدول وتدمير الشعوب وتشويه الدين».

وفي ختام كلمته، أعرب السيسي عن اعتزازه بالدعم الأفريقي لنضال الشعب الفلسطيني للحصول على حقه المشروع في تأسيس دولته المستقلة وعاصمتها القدس، مؤكدا أن الشعوب الأفريقية كابدت معاناة آلام الاستعمار والتمييز العنصري وتدرك أنه لا سبيل لكسر الإرادة الإنسانية.

وعلى هامش القمة أجرى الرئيس المصري مباحثات مع عدد من رؤساء الوفود المشاركة في القمة، أبرزهم رئيس موريتانيا الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي محمد ولد عبد العزيز، ورئيس جنوب السودان سلفا كير، ورئيس جامبيا يحيى جامع، والنائب الأول لرئيس السودان بكري حسن صالح. وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير إيهاب بدوي إن الرئيس السيسي أعرب عن شكره وتقديره لما جرى من جهود من أجل عودة مصر للاتحاد الأفريقي. ومن المقرر أن يعقد السيسي لقاء ثنائيا مع هايلي ماريام دسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، على هامش القمة، يتناول فيه أزمة «سد النهضة» الإثيوبي والنزاع بين البلدين حول مياه نهر النيل.

من جهته، دعا الاتحاد الأفريقي إلى التعبئة في مواجهة تقدم الجماعات الجهادية في قلب القارة. وأعرب رؤساء الدول والوزراء صراحة، منذ الأعمال التمهيدية للقمة التي تنتهي اليوم الجمعة، عن مخاوفهم المتزايدة إزاء انتشار المجموعات الجهادية التي تتبنى عقيدة مستوحاة من تنظيم القاعدة، وتقدمها في أفريقيا.

وشدد الرئيس الحالي للاتحاد رئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز، أمام المجلس، على «خطورة التهديدات الجديدة المتمثلة في الإرهاب واللصوصية وكل أنشطة التهريب غير الشرعية»، داعيا إلى اعتماد «استراتيجية شاملة للاتحاد». وتقضي هذه الاستراتيجية بحسب عبد العزيز بتعبئة موارد مالية «متناسبة» من قبل الدول وبتنسيق أفضل للآليات الإقليمية.

وقال الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو إن «أفريقيا تواجه أخيرا عدوا من نوع جديد، مخيفا أكثر ولا وجه له، وأعني الإرهاب المستشري حاليا في نيجيريا والصومال والذي كاد يفكك مالي». ولفت ديبي إلى ضرورة أن «تضمن (الدول) بأنفسها أمنها الفردي والجماعي، ولا تعتمد على الغربيين بشكل كامل».

من جهتها، أكدت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي سعي الاتحاد للقضاء على الفقر والأمية بالقارة وزيادة الإنتاجية الزراعية، مؤكدة أن الاتحاد يهدف إلى تحقيق التنمية ويضع وثيقة تمثل أحلام الشعوب الأفريقية، ويعمل على تنفيذها من خلال التشاور والعمل على استخدام كل الآليات للقيام بهذا الأمر.

وأشارت زوما إلى أنه «عندما قرر الاتحاد الأفريقي تبني جدول أعمال تنموية كنا نهدف إلى القضاء على الفقر والأمية وأن ندفع التعاون بين الدول الأفريقية والأقاليم الأفريقية»، مشددة على أن «أفريقيا تلعب دورا رئيسا في مجال الزراعة، وصادرات دول القارة معظمها من المنتجات الزراعية». وأوضحت أنه «من أجل تحقيق هذه التنمية التي نتطلع إليها كان يجب أن نستثمر بشكل أكبر في مجال الزارعة وأن نزيد من الإنتاجية»، مشيرة إلى أن «كثيرا من الدول قد قامت بالفعل بزيادة استثماراتها في مجال الزراعة، ومن الممكن أن يروا نتائج هذا الأمر والتطورات والتنمية التي حدثت في بلادهم نتيجة لذلك، وكذلك التأثير الإيجابي الذي أحدثوه في مجال القضاء على الفقر، لكن هناك مجموعة من السياسات والبرامج والمبادرات التي يجب أن تجرى على المستويات الإقليمية والمستويات الوطنية من أجل تنفيذ مطالب دولنا».