هل تكون «داعش» جسر إيران للحصول على السلاح النووي؟

د. محمد عروة القيسي

TT

قامت الحرب الباردة بناءً على بديهية وجود قوتين كبريين متناقضتين آيديولوجيًا، تمتلك كل منهما سلاح الردع النووي. وانتهت فكرة الحرب الباردة بانهيار الشيوعية كآيديولوجيا مطلوب تصديرها.

ومع قيام الثورة الإيرانية ترافق معها هدف معلن وهو تصدير الثورة، وهو الهدف الذي جلب لها عداوات منذ اللحظة الأولى، لتجد نفسها في خضم حرب ضروس مع العراق.

ونتيجة رضّ الحرب العراقية - الإيرانية تراجعت الفورة الثورية لحُكم الملالي من دون أن يغير النظام جِلده - وهو غير قادر على ذلك - بل اعتمد سياسيا أسلوب التقية والتسلل المتدرج، بعد أن أكسبته الحرب واقعية سياسية، وشرع، مستفيدا بالطبع مما لإيران من إمكانيات بشرية وحضارية وتاريخية ضخمة، في بناء دولة كبرى تحتاج فقط إلى سلاح نووي لتتحول إلى دولة عظمى قادرة على نشر عقيدتها، وهو ما تلخصه مقولة الخميني بأنه «قد حان الزمن المناسب ليقود الفُرس الأمة الإسلامية كما قادها سابقا غيرهم».

ولذلك وضعت إيران هدف السلاح النووي نصب أعينها من حينها، وخاضت لأجله حروبا دبلوماسية، وتحملت طويلا مقاطعة وضغوطا اقتصادية ومالية هائلة أنهكت اقتصادها. ومن يمتلك هذا الإصرار ويدفع تلك التكلفة الباهظة فهو حتما يتحمل لغاية أبعد من الاستعمال السلمي للطاقة النووية، والهدف أن تصبح إيران دولة عظمى تبتلع المنطقة، وفي سبيل ذلك يصبح كل شيء آخر ثانويا، وحتى الحلفاء المقربون كبشار الأسد ونوري المالكي يمكن التضحية بهم عند الضرورة.

ولكن لنعترف بأن الظروف خدمت إيران خلال رحلتها للحصول على السلاح النووي، وهي لم تفوت الفرص فأحسنت القراءة وردّ الفعل سواء عند غزو أميركا لأفغانستان، حيث وضعت يدها على تنظيم القاعدة، أو في حالة العراق حيث استطاعت أن تُغرِق جورج بوش الابن في أوحال العراق قبل أن يأتي أوباما المتردد المتلكئ أبدا.

متابعة الغرب للملف النووي الإيراني كانت وما زالت متلكئة كأوباما. وعندما اقتربت جولة المفاوضات حول ملفها النووي واللحظة المفترض أنها لحظة القرار والحسم والردع والبتّ من قبل المجتمع الدولي ومجموعة «5+1» تجاه إيران والتي هي - وباعتراف وزير الخارجية جون كيري - على بعد خطوة من امتلاك السلاح النووي لاتخاذ إجراءات نهائية حاسمة ورادعة، تغير مسار التاريخ.

تحدث المفاجأة المذهلة، والتي لا تحدث إلا في الأفلام المنتَجة من قبل «شركة قاسم سليماني للإنتاج الفني»، حيث تجتاح «داعش» العراق، وتستولي على الموصل وكنوز بنوكها، في مشهد دراماتيكي مسرحي.

ولأن الأزمات تقرب المتباعدين وتؤلف القلوب فقد بدأ الحديث عن التقارب الإيراني - الأميركي - البريطاني من جهة أخرى (إعادة فتح بريطانيا لسفارتها في طهران) لمحاربة العدو المشترك المفترض وهو الإرهاب و«القاعدة»، فمحاربته على رأس الأولويات. فما حدث دفع إيران لتصبح بين ليلة وضحاها الحليف الأول للغرب ورأس الحربة في مواجهة «القاعدة».

ومن الجلي أنه لجسامة هذا العدو وخطره، ولأنه من المطلوب تكاتف كل الجهود لقهره، ولأن الأصدقاء والحلفاء لا يسألون بعضهم بعضا عادة عن التوافه كالأسلحة النووية، فإنه من المرجح جدا أن يتم غض الطرف مرة أخرى عن نشاطات إيران النووية، والحدث في حد ذاته سيعطيها مجالا أكبر للمناورة التي قد تكون كافية هذه المرة للحصول على السلاح النووي.

شخصيا لست من محبي نظرية المؤامرة، ولكن من المعروف أنه بعد الغزو الأميركي لأفغانستان وضعت يدها على تنظيم القاعدة، وأخذت تعيد إنتاجه، مع الأخذ في عين الاعتبار أن تيارات الإسلام «الجهادي» المتطرفة هي تيارات ضحلة فكريا وذات محتوى طفولي وتبسيطي للعقائد، مما يعطي القابلية للتنبؤ بتصرفاتها وارتكاساتها، وبالتالي يمكن تحفيزها أو تثبيطها حسب الظرف والغرض، وبالتالي كمحصلة إمكانية توجيه مسارها. وهذا كله قد لا يحتاج إلا إلى اختراق مخابراتي محدود وليس شاملا بالضرورة. ولهذا السبب نفهم كيف أن النظام السوري في لحظة ما أطلق ثلاثة رجال من سجن صيدنايا أصبحوا حاليا أقوى رجال التيارات «الجهاديةْ في سوريا حاليا، فيما أبقى معتقلي الفكر والمتظاهرين السلميين في سجونه. ورغم أن ما يحدث في العراق يحمل ملامح انتفاضة واحتقان شعبي، فإنه ارتكب الخطأ المحسوب إيرانيا، فمن يسير وراء تنظيم «داعش» خاسر لا محالة.

وأعيد مرة أخرى أن إيران مستعدة للتخلي عن بشار الأسد في سبيل السيناريو النووي كمناورة مرحلية، وهو ما قد يشكل علامة فارقة في المرحلة المقبلة.

لكن السؤال الخطير القادم هو: كيف سيكون شكل العالم أو على الأقل الشرق الأوسط مع القوة النووية الجديدة؟