الحرب النفسية والإشاعة تدخلان على خط المواجهة بين «داعش» والقوات العراقية

أكاديمي إعلامي أكد أن الطرفين يعتمدان على فبركة الأخبار والأحداث

TT

في الوقت الذي تحاول فيه الأجهزة الأمنية العراقية إعادة إنتاج صورة البطل المنقذ المتمثلة في اللواء أبو الوليد «قائد لواء الذئب»، في إيحاء نفسي مباشر لنسيان صورة القادة العسكريين الذين تسببوا فيما عرف بـ«نكسة الموصل»؛ في المقدمة منهم الفريق مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى - فإن للمسلحين من جانبهم، وإن تعددت هوياتهم بين «داعش» والبعثيين وثوار العشائر ورجال الطريقة النقشبندية والمجلس العسكري لهم أيضا، نماذجهم البطولية، وتتمثل في عدد من القادة والأمراء الذين يقتلون في المعارك؛ وفي مقدمتهم أبو عبد الرحمن البيلاوي الذي قتل قبيل احتلال الموصل. الدعاية المضادة للمسلحين صورت عملية احتلال الموصل كأنها عملية ثأر لاغتيال البيلاوي. الرئيس العراقي السابق صدام حسين (أعدم أواخر عام 2006) كان له نصيب من المواجهة. فطبقا لإحدى القنوات الفضائية الداعمة للمسلحين، فإنها تعمدت الإيحاء بأن من أعدم لم يكن صدام حسين وإنما أحد أبرز من قيل إنه كان شبيها له، في محاولة منها لرفع المعنويات داخل صفوف من يؤيدها من المقاتلين (البعثيون)، وزرع الخوف والرعب في صفوف الطرف الآخر من خلال الصورة النمطية التي كان يمثلها صدام حسين بصفته واحدا من أكثر الزعماء بطشا بخصومهم. حتى عزة إبراهيم الدوري نائب صدام وأبرز القادة من النظام السابق ممن لم تتمكن القوات الأميركية من القبض عليه (يحتل رقم 6 في قائمة الـ55 المطلوبين الشهيرة) - كان له ولا يزال نصيب وافر من الدعاية. ففي الليلة التي جرى فيها احتلال تكريت من قبل مسلحي «داعش» ومن معهم، رفعت صور الدوري في عدد من المناطق هناك، في المقدمة منها مدينة الدور - مسقط رأسه. لكن الدوري سارع إلى الطلب من مؤيديه عدم رفع صوره لأسباب تتعلق بالتحالفات مع الجهات الأخرى التي لا تريد لما حققته من نجاحات أن يعود إلى طرف معين.

وبينما دخلت الفضائيات على خط المواجهة ومثلها المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، وتويتر، ويوتيوب)، فإن الحكومة العراقية سعت من جانبها إلى إغلاق مواقع التواصل لأسباب أمنية مثلما أعلنت وزارة الاتصالات. العراقيون تحايلوا على الأسباب الأمنية وأعادوا فتح معظم هذه المواقع التي تشهد بث أخبار وآراء، بل وحروب، بعضها يحمل صبغة طائفية. طرفا هذه الحرب يسعيان إلى توظيف كل ما يملكونه من معلومات بغرض إضعاف معنويات الطرف الآخر. نماذج الحرب الأكثر حضورا تفتقر إلى المهنية والاحتراف من قبل الطرفين. فبينما بثت المواقع الإلكترونية والفضائيات المؤيدة للمسلحين خبرا تكرر كثيرا وهو اعتقال قائد لواء الذئب (العميد محمد القريشي المعروف بأبي الوليد) الذي يقاتل في منطقة تلعفر شمال العراق - يتكرر ظهور أبو الوليد على الفضائيات المؤيدة للحكومة العراقية محمولا على أكتاف جنوده في أرض المعركة. ورغم سقوط القضاء بيد المسلحين، فإن تكرار أخبارهم عن اعتقال القائد العسكري المذكور بدا كأنه هدف أكبر من سقوط قضاء بحجم تلعفر. في حين أظهرت دعاية وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة العراقية أن عدم سقوط آمر اللواء المذكور بيد «داعش» أهم من سقوط القضاء.

الدكتور هاشم حسن، عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد، يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسلوب الذي يستخدمه الطرفان، الحكومي أو (داعش) ومن معها، هو أقرب إلى الفبركة منه إلى الحرب النفسية أو حتى الإشاعة المدروسة، التي يمكن لها أن تؤثر في الخصم بشكل جدي». ويضيف قائلا إنه «في فترة الإعلام الشمولي حيث لم تكن هناك تعددية في وسائل الإعلام، فإن التعامل مع الحرب النفسية والإشاعة يجري بأسلوب مركزي؛ سواء من حيث فبركة خبر أو حالة معينة أو الرد على خبر أو إشاعة، بينما الآن في ظل الفوضى الإعلامية والانقسام المجتمعي وتعدد وسائل الإعلام والدعاية فإنه يصعب السيطرة»، مشيرا إلى أنه «في ظل عدم الاستفادة من أصحاب الاختصاص، فإن كل الوسائل والأساليب تبدو غير مدروسة إلى حد كبير».

وأوضح حسن أن «التعامل مع الإشاعة أو الخبر الذي يهدف إلى إحداث هزة في الخصم لا يجري التعامل معه من قبل الإعلام الرسمي بقدر من المهنية والاحتراف، بالقياس إلى وسائل الإعلام العالمية، ففي الوقت الذي تحدث تلك الوسائل أخبارها ساعة بساعة وأحيانا لحظة بلحظة، فإننا نجد أن نشرة الأخبار في بعض وسائل الإعلام الرسمية يعاد بثها صباحا مثلما كانت عليه في الليل، بينما قد تكون حصلت تطورات غير محسوبة في الميدان».

وفي سياق ذلك، يرى خبير أمني في الحرب النفسية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الكشف عن اسمه، أنه «في وقت تبدو فيه وسائل الإعلام العالمية أكثر قدرة على التعامل مع الأخبار وأكثر مصداقية لدى الناس - فإن الإعلام المؤيد في العراق لتوجهات الحكومة لا يختلف عن الإعلام المعارض في عدم إيصال المعلومة أو الحقيقة إلى الناس، إلا من وجهة نظره حتى لو جرى تحريف وجهة النظر هذه، وهو ما يجعله لا يحظى بالتأييد أو المتابعة إلا من جمهوره الخاص، ومن ثم يفقد تأثيره في الخصم».