انطلقت الحفلات الصيفية في لبنان بحيوية.. غير عابئة بالتهديدات الأمنية

ماجدة الرومي تفتتح «مهرجانات بيت الدين» بصرخة «حرية» و«كرسي رئاسي»

ماجدة بدأت حفلها بأغنية «سيدي الرئيس» مخاطبة رئيس الجمهورية، فيما كرسي فارغ يعلوه العلم اللبناني يتوسط المسرح
TT

لا أخبار الانتحاريين المزنرين بأحزمة الموت، ولا السيارات المفخخة التي قيل إنها تجوب الشوارع بحثا عن ضالتها، فرملت زخم انطلاقة المهرجانات في لبنان، أو عدلت من برنامج روادها. وكأنما هو نوع من التحدي أو اللامبالاة جعل الزحف إلى قصر «بيت الدين» بهذه الكثافة، يوم أول من أمس، وعلى نحو حيوي بهيج، وكأنما لا شيء، على الإطلاق، يمكنه أن يعكر ذاك المساء الجبلي الندي.

ماجدة الرومي، سيدة الافتتاح الكبير، التي نفدت بطاقات حفلها قبل أكثر من شهر، لم تكن أقل تحديا من جمهورها، ولا أقل صلابة. أخبرت الحضور أن ضغوطا كثيرة تعرضت لها، كي لا تغني أغنيات وطنية في هذا الحفل «لكن قلبي لا يطاوعني أبدا». لا، بل إن انتقاء الأغنيات التي بلغت نحو 18 أغنية، رتب وانتظم، كي يبقى لبنان الوطن حاضرا إلى جانب الحب والحرية والأمل، من أول الأمسية إلى آخرها.

أكثر 70 موسيقيا ومنشدا، بدأوا الحفل لتطل ماجدة الرومي على جمهورها، وتحييه من شرفة، تعلو المسرح، ثم تنزل متهادية إلى جانب فرقتها. لم تكن مصادفة أن تبدأ ماجدة حفلها بأغنية «سيدي الرئيس» مخاطبة رئيس الجمهورية، بينما كرسي فارغ يعلوه العلم اللبناني يتوسط المسرح، لتلفت إلى اعتراضها على شغور المنصب رغم أهميته، بينما شلالات من الضوء مع هدير مؤثر ينسكب على خلفية الخشبة.

بداية موفقة، مع أغنية تقول فيها: «سيدي الرئيس، أتسمع الأحرار حين يسألون؟ أمرتين الشهداء يقتلون؟ أطفالنا في الليل ما عادوا يحلمون، من ينقذ الأحلام حين ينعسون؟»، ولم تشأ ماجدة الرومي أن تدع المناسبة تمر، دون أن تقول كلمتها، مؤكدة أن صرختها للرئيس مستمرة في حضوره وفي غيابه، وأن مكانه يبقى محفوظا. في إشارة إلى فشل السياسيين اللبنانيين في انتخاب رئيس للبلاد منذ 25 مايو (أيار) الماضي، وبصوتها المرتجف أكملت: «لكل مسؤول عنا وعن مصيرنا أوجه هذه الصرخة، بكل الدموع والرجاء والروح الوطنية التي فيها، لأقول من حقنا أن نحلم بوطن بحجم معاناتنا، وطن يليق بدماء الشهداء الذين سقطوا، وخصوصا في السنوات الأخيرة. وإذا لم يسمعوني لأسباب كثيرة، فلا بد أن الربّ يسمعني». ومع تأكيدها على اعتزازها بلبنانيتها، قالت: «قلبي على كل بلد عربي، والخطر يشمل الجميع، تحية من كل قلبي إلى كل شهداء العالم العربي الذين يموتون لأسباب ربنا وحده الذي يعرفها».

وكرت بعد ذلك سبحة الأغنيات من «غمض عينيك» و«غني أحبك أن تغني» و«من هالساحة عم ناديكن» وسط إصغاء وحماسة الحضور، لكن صوت ماجدة الرومي بدا مجهدا جدا على غير العادة. وكان لا بد من انتظار الأغنية السابعة أو الثامنة ليستعيد الصوت شيئا من عافيته.

توليفه ذكية من الأغنيات، جمعت الجديد إلى القديم، وبدا أن الجمهور متعطش إلى النتاج الرومي الأول لتصدح الحناجر معها حين تبدأ بأغنيتها «ما حدا بيعبي مطرحك بقلبي» و«عم يسألوني عليك الناس اللي كانوا يشوفونا سوا» و«خدني حبيبي عالهنا». ومع بدء ماجدة الرومي بواحدة من أقدم أغنياتها، التي تعود إلى ما يقارب 25 سنة خلت ونادرا ما تغنيها أي «عم أحلمك يا حلم يا لبنان» ماجت الجموع وضربت موجات الحماسة الحاضرين، وهم يرددون معها ومن دونها، مع موسيقى وبلا عزف، ما حفظوه صغارا وأعادوه تكرارا.

لكن الجميع كان بانتظار أغنيتها الجديدة «الحرية» التي تقدمها، حضا للبنانيين على عدم الاستسلام لليأس ولإبقاء نوافذ الأمل مفتوحة، رغم كل الظلام. من كلمات طلال حيدر وتلحين سليم عساف وتوزيع إيلي العليا، غنت ماجدة الرومي: «ما تقولوا طول هالليل، قولوا بكرا جايه نهار. وما تقولوا صار اللي صار وعم تلعب فينا الأقدار، إذا الظلم بيربح جولة الحرية قدر الأقدار».

لم يتوقف الشاعر طلال حيدر الذي جلس في الصف الأمامي عن التمايل على أنغام أغنيته التي طلب الجمهور سماعها لمرة جديدة.

أكثر من ساعتين من الموسيقى الممتعة بقيادة إيلي العليا، بدت فيها ماجدة الرومي بفستانها الأبيض، والمطرز في جزئه العلوي بخيوط ذهبية، في تناغم متواصل مع جمهورها الذي بلغ نحو خمسة آلاف شخص، فضلوا الاستماع إليها وقوفا في نهاية الحفل، لا سيما حين غنت مزيجا من الأغاني الشعبية الوطنية، مثل «طلوا حبابنا» و«راجع راجع يتعمر راجع لبنان» لتحمل بعد ذلك العلم اللبناني وتقبله بين يديها منحنية له. وما كانت أغنية «كلمات ليست كالكلمات» و«اعتزلت الغرام» إلا استراحة رومانسية جننت الجمهور طربا، قبل أن تختم ماجدة الرومي حفلها كما أراد الحضور بأغنية «يا بيروت» منشدة «ست الدنيا» بكلمات نزار قباني، وكأنما لم يتغير الكثير على هذه الأرض منذ كتب قصيدته مع بدء نذر الحرب الأهلية اللبنانية اللعينة، منذ 39 عاما. فلقد جاء الحفل بعد ثلاثة انفجارات إرهابية خلال أسبوع، ووسط مخاوف أمنية وتحذيرات، من مزيد من الأعمال التخريبية.

لكن الحفل، في القصر الشهابي التاريخي الرائع بإضاءته الفنية البديعة، امتد لما بعد الحادية عشرة والنصف، وأعادت ماجدة الرومي أداء أغنيتها الجديدة للمرة الثالثة، في الختام، وهي تحث جمهورها على رفض اليأس لأن «الحرية قدرهم» وبيروت «جذورها ضاربة فيهم»، والجميع يرددون وراءها وقوفا وبصوت واحد: «يا بيروت يا ست الدنيا يا بيروت»، وكأن القصيدة القبانية الشهيرة، تحولت في تلك الأمسية نشيدا وطني كان يحتاجه الحاضرون أكثر من أي شيء آخر.