هموم العراقيين في مقهى «سندباد» بواشنطن

يتحدثون عما يجري في الوطن.. ويتناولون النرجيلة ويستمعون للأغنية العربية

عراقيون يتحدثون عما يجري في الوطن الأم - النرجيلة في مقهى سندباد
TT

لسبب ما، وربما معروف أو غير معروف، يختار مهاجرون عرب في الولايات المتحدة اسم «سندباد» لمقاهيهم. في هيوستن (ولاية تكساس)، في سان دييغو (ولاية كاليفورنيا)، في كنساس (ولاية ميسوري)، وطبعا، في ديربورن (ولاية ميتشيغان، حيث أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة).

وهنا، في واشنطن العاصمة، حيث صار العراقيون من أكثر الزبائن، وربما سبب ذلك هو أن صاحب المقهى هو العراقي كريم أحمد، وربما لأنه يقدم، مع بقية أنواع الطعام العربي، خبز «سمون» العراقي الحلزوني الشكل والمغطى بالسمسم. كما يرفع العلمين الأميركي والعراقي عند المدخل. ويكتب كثير من الزبائن العراقيين عن «برايد» (الفخر)، وهم يأكلون ويشربون في المطعم، ويستمعون إلى الموسيقى العربية، ويتكلمون باللهجة العراقية. وافتخر، صاحبه، وقال: إن الإقبال على «سندباد كبير، رغم أن المطعم افتتح مؤخرا».

واشتهر المطعم أكثر عندما كتبت عنه صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير عن رأي المهاجرين العراقيين فيما يجري في الوطن الأم. بداية برأي صاحبه الذي تحدث عن الحسرة، خاصة لتقسيم العراقيين إلى شيعة وسنة وأكراد وغيرهم. وقال: إنه شيعي، وزوجته سنية، ويعمل في المطعم عراقيون من طوائف مختلفة. ورغم أنهم يتناقشون فيما يجري في العراق، يفعلون ذلك سلميا، بعد أن يخبزوا الخبز في الفرن، ويقدموا الطعام والشراب للزبائن، ويعدوا لهم النرجيلة (الشيشة).

ويتناقش عن ذلك، أيضا، كثير من الزبائن.

وقال أحمد بأنه يعيش تناقضين: العودة إلى العراق لمحاربة ما سماهم «المتطرفين» (داعش)، أو الدعوة لتعايش سلمي حتى لا يتقسم العراق تقسيما رسميا.

وقال، وهو يقبض يده ويهز ذراعه: «إذا أعطاني أوباما طائرة وبندقية، سأطير إلى العراق، وأحارب بنفسي». وأضاف بأنه كان رقيبا في الجيش العراقي السابق. وأشار إلى جدار المقهى حيث تظهر شاشة تلفزيونية عملاقة صور مدينة عراقية أخرى سقطت في أيدي «داعش». وتحدث أحمد عن دهشته عندما زار بغداد، وشاهد الجدران التي تقسم الأحياء والطوائف. وقال، وهو يهز رأسه: «تدمر كل شيء. الآن، لا أحد يثق بجاره. وصارت الطائفية في الدم». وأضاف: «حتى وسط المهاجرين العراقيين، بدأت توترات، لكن، في صورة خفية. نحن لا نقتل بعضنا البعض لأننا في أميركا. ما يحدث وسطنا شكل حديث من الطائفية».

وقال آخرون في مطعم «سندباد» نفس هذه الآراء تقريبا. وأعربوا عن القلق، وتبادلوا الاتهامات غير المباشرة. لكن، من دون غضب، أو حديث عن خيانة، أو جبن، أو تآمر. رغم ذلك، يوجد شعور بوجود مسافات، واختلافات في رؤية الأشياء. رغم أن أغلبية الذين تحدثوا من المهنيين، مثل مهندسين، ومعلمين، ورجال أعمال.

وعن هذا، قال إبراهيم هوبر، المتحدث باسم مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير): «يشترك كثير منا في اجتماعات وجهود سلام للتأكد بأن مجتمعاتنا هنا فوق الاختلافات الطائفية في بلادهم. يجب أن نشجع نحن ذلك هنا لأننا نتمتع بالكثير من الحرية، والكثير من التنوع. يجب أن نستفيد من هذه المزايا، بدلا من الانجرار نحو صراعات». في نفس الوقت، يعمل عراقيون، بصور منتظمة، لتعزيز التعاطف والتسامح في الشتات. مثل: هيثم المياحي، طالب دراسات عليا في جامعة هوارد (في واشنطن العاصمة). يرأس جماعة الشباب العراقية الأميركية، التي تركز على بناء الجسور الطائفية. وبعد أيام، سيقدمون مسرحية عن تفجير في سوق في مدينة عراقية، بهدف شرح أن الضحايا فيهم الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيون.

وقال: «هدفنا هو بناء تفكير شبابي مفتوح وصحيح، ولا ينجرف نحو الانضمام إلى جماعات إرهابية». لكنه قال: «لسوء الحظ، توجد وسط الشباب العراقي في الولايات المتحدة تقسيمات بسبب وجهات النظر الدينية، وبسبب تأثيرات من والديهم. ولسوء الحظ، يسبب هذا عدم ثقة وتضليل. وأنا أقول لكل من ينضم إلى مجموعتنا: إنك عراقي وأميركي، ولست سنيا أو شيعيا». في نفس الوقت، يحاول آخرون تنظيم احتجاجات عامة لنقل رسالة مشتركة ضد العنف والكراهية الطائفية. وفي الأسبوع الماضي، تجمع عراقيون في فندق في ضاحية سبرينغفيلد (ولاية فرجينيا) لمناقشة تنظيم احتجاج كبير أمام البيت الأبيض.

وقالت الطبيبة حميدة حسين (49 عاما): «يوجد أمامنا مريض في غرفة الطوارئ، ويجب أن نفعل كل ما نستطيع لإنقاذه». ووصفت هجوم «داعش» بأنه «مثل فيروس جاء لتدمير بلادنا، وصار الجميع في خطر». وقال غسان رافد، أستاذ جامعي سابق في العراق: «لا نريد قوات أميركية، نريد معلومات استخباراتية، ونريد دعما جويا».

وفي مقهى «سندباد»، قال وليد خضر بأنه وزوجته رزقا ولدا قبل أيام. لكنه لا يحس في قلبه برغبة في الاحتفال، وذلك بسبب ما يجري في العراق. وأضاف: «أحب بلدي. وأريد أن تكون الحياة هناك مثلما هي هنا في أميركا: سعيدة، وصحية، وآمنة، وفيها مدارس ممتازة. أنا خائف على والدي، وعلى أختي. لكن، إذا ذهبت إلى بغداد وقتلت، لن يكون هناك أحد لحماية زوجتي وأطفالي هنا».