الاستعانة بالفنانين في بيع الشقق في ميامي ونيويورك

TT

يندفع المطورون بعضهم فوق بعض للإعلان عن أحدث المشاريع في مدن تشهد طفرة سكنية فاخرة مثل نيويورك وميامي، ولإبراز أفضل ما لديهم، إلا أنهم يجدون أنفسهم محاصرين في لعبة واحدة من التصاعد المتزايد.

ترتفع الرهانات في سوق لا تثير فيه وسائل الراحة المعتادة مثل محاكيات لعبة الغولف وقاعات لعب الأطفال الكثير من الدهشة. بالإضافة إلى حقيقة أن المطورين يطلبون من المشترين دفع ما يقرب من عشرة ملايين دولار لشراء شقق، هي في كثير من الحالات، ليست إلا مجرد كومة من التراب على الأرض، وليس لديهم خيار سوى اللهو والصخب.

وعلى نحو متزايد، فإن الخدعة التي غالبا ما يكررون استخدامها في معظم الأحيان هي استغلال الفن في المبيعات، بانتظار أرباح من الدرجة الأولى.

في ميامي، على سبيل المثال، كلف مطور لمبنى شقق سكنية مطلة على شاطئ البحر في شارع كولينز أحد النحاتين، الذين تُباع قطعهم الفنية مقابل أكثر من 500.000 دولار، من أجل إنشاء أعمال فنية أصلية لكل مشتر في المبنى. وهناك مطور آخر في ميامي أيضا قد استأجر رساما والمخرج المرشح لنيل جائزة الأوسكار جوليان شنابل من أجل تصميم مركز للمبيعات لمبناه السكني، يتكون من الجص وردي اللون ومصابيح منشارية مذبذبة. وفي وسط مانهاتن، يبذل أحد المطورين جهده للظهور من خلال وضع علامة مضيئة بارتفاع 40 طابقا على واجهة المبنى، بينما اتجه آخرون لتعيين مستشارين فنيين تماما كما يفعل المهندسون المعماريون وشركات المقاولات.

وصرحت أيفون فورس فيلاريل، مؤسسة صندوق الإنتاج الفني غير الهادف للربح، قائلة: «هناك سوق قوية للفن حاليا، في وجود قاعدة متنوعة وقوية من جامعي القطع الفنية أكثر من أي وقت مضى حسبما أذكر». وقد أسست أيفون مع شريكتها التجارية دورين ريمين «المؤسسة الثقافية»، وهي مؤسسة استشارية فنية هادفة للربح توفر المشورة للمطورين العقاريين. وقد نتج عن قاعدة جامعي القطع الفنية الواسعة إلى وجود المزيد من المشترين للشقق الفاخرة الذين يرغبون في أن تكون الأعمال الفنية جزءا من تجربة التسوق لشراء منزل جديد.

يقول هيليدون زيكزا، وهو فنان ألباني ظهرت أعماله الفنية في «أرت بازل» بشاطئ ميامي، والذي باع مؤخرا قطعة فنية بعنوان «الجدار» إلى جامع للقطع الفنية بمبلغ يربو على 540.000 دولار: «يميل الذين يستثمرون في المنازل الفخمة الراقية إلى أن تكون لديهم معرفة قوية بالفنون». هذا وقد استأجر مطورو مجموعة الأسواق العقارية ومؤسسة (S2) للتنمية السيد زيكزا لتنفيذ أعمال نحتية خصيصا لكل مشتري في ميوز، وهو مبنى سكني يضم 68 شقة في حي جزر الشمس المشرقة في ميامي.

ردا على ما يعتبره البعض تملقا للفنانين لتنفيذ الأعمال الفنية كجزء من جهود تسويق الشقق الفاخرة، يقول السيد زيكزا: «إنني لا أعتبره إفراطا في تسويق أعمالي الفنية، بل على العكس، إنني أراه تعاونا بين المشتري والفنان». وأضاف السيد زيكزا أن «برج الشقق السكنية الذي يمتلئ بأعمالي الفنية هو بمثابة متحف فني خاص جدا».

بالنسبة لمجموعة «شتريت» ومجموعة «أسهم كليبر»، يقوم المطورون بتحويل مبنى «فلات أوتيل» القديم في شارع 135 غرب وشارع 52 إلى مبنى للشقق السكنية، حيث قال رافائيل دي نيرو، وهو وسيط لدى دوغلاس إيلمان للتنمية العقارية، والذي يمثل المبنى: «نريد إنشاء شيء يمنح للمبنى هوية خاصة، ويمنحنا كذلك قدرا من الشهرة. يحب الناس التحدث عن المباني والآخرون يدركون ذلك، حيث يحب الناس أن يشعروا أنهم يسكنون في مكان فريد نوعا ما». وقد استأجر المطورون تيري درايفوس، مصمم الإضاءة الذي أضاء القصر الكبير في باريس وقصر فرساي، لإنشاء العلامة المضيئة ذات 423 قدما التي سوف توضع داخل غلاف يتصل بالمبنى.

وناحية وسط المدينة، تتشاور المؤسسة الثقافية حول مبيعات لمركز يقع في 30 بارك بليس، وقد صمم المبنى السكني بواسطة شركة «روبرت أ. م. ستيرن» المعمارية والتي سوف تنفذ تصميمات فندق «فور سيزونز».

واختارت المؤسسة الثقافية عدد 11 من القطع الفنية، بما في ذلك أعمال تعود إلى فنانين راسخين أمثال ريتشارد سيرا وسام غوردن، جنبا إلى جنب فنانين مبتدئين أمثال كالوب. وقد اشترت شركة التطوير العقاري سيلفرشتاين بروبرتيز (Silverstein Properties) قليلا من الأعمال الفنية، بينما أخذت قطع فنية أخرى على سبيل الإعارة. وحسب ما ذكرته السيدة فياريال، زوجة الفنان ليو فياريال: «ليس هذا بالنوع العادي من الفن الذي يمكن أن تراه في نموذج لإحدى الشقق»، وأوضحت أن كل اللوحات التجريدية «لها ذوق رفيع، ولها الأفضلية».

بدأ المزج بين الفن والعقارات منذ قديم الزمان؛ حيث بدأ مع كاتدرائيات أوروبا التي استخدمت الفن الديني. وقد استأجرت عائلة ميديشي في إيطاليا عددا من الفنانين من أجل إنجاز أعمال لكثير من العقارات التي يمتلكونها. وفي العصر الحديث، كان للفن دور في أماكن مثل مبنى سيجرام، بالنظر إلى بساط الحائط المزخرف الذي نسجه بابلو بيكاسو. وربما لم يكن من المثير للدهشة أن نجد في هذا العصر - الذي يُطلق عليه البعض العصر الذهبي الجديد - العودة مجددا للدمج ما بين عالم الفن والعقارات.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة أيضا إلى السيد شنابل - الذي صمم الديكورات الداخلية لفندق حديقة غرامرسى، وكذلك مبنى بلازو تشوبي (Palazzo Chupi) ذي الطوابق الوردية في القرية الغربية. وحسب ما ذكره لي مؤخرا: «فكرة العيش بين ربوع الفن هو شيء جيد وليس بالضرورة أن يُنظر إلى ذلك باعتباره عملية نصب وغش، وأضاف: «من الواضح، أنه بإمكانهم تحويل الأشياء التي تعد شعبية إلى أشياء تتماشى مع أحدث طراز، على أن يكون لهذا الشيء سابقة تاريخية».

ويصمم السيد شنابل مركز المبيعات من أجل بريكل فلاتيرون (Brickell Flatiron)، وهي ناطحة سحاب مثلثة الشكل يبلغ طولها 710، يجري العمل بها في ميامي.

وسيضم هذا المركز - والذي تفضل شركات التطوير العقاري أن تطلق عليه اسم «جاليري» - لوحات وأثاث يعود إلى السيد شنابل، بالإضافة إلى مستوقد للتدفئة. وقال السيد شنابل، أن هذا المركز «يبدو وكأنه غرفة معيشة»، وأضاف: «سيكون مختلفا عن مكاتب المبيعات الأخرى، التي تشبه الدخول إلى أحد البنوك حيث تتكون تصميماتها من الرخام وكثير من الزجاج لكي تبدو مكاتب تجارية».

هناك كثير من المنافع الناجمة عن التعاون مع الفنانين، ولكن سلوك الفنانين لا يمكن التنبؤ به أيضا. فعلى سبيل المثال، رفض شنابل في كثير من المناسبات أن إجراء حوار معه عن المشروع، على الرغم من محاولات شركات التطوير العقاري التي تدفع أجره لإقناعه. وعندما تواصلنا أنا وهو في نهاية المطاف، كان أقل اهتماما بالحديث عن المباني السكنية من الحديث عن افتتاح المعرض الجديد في أكتوبر (تشرين الأول) في متحف الفنون فورت لودرديل، «مقهى دوللي: وبيكابيا، وشنابل، وويلومسن».

وبينما يلعب الفن دورا حاسما في تسويق العقارات الفاخرة، إلا أنه ليس الطريقة الوحيدة التي يستخدمها المطورون العقاريون. ففي «ريفرسايد بارك»، أقامت شركة إكستيل للتطوير العقاري، شراكة مع شركة ميسيون (Musion) التي صنعت صورة ثلاثية الأبعاد من توباك شاكور التي ظهرت على خشبة المسرح في عام 2012 بمهرجان «وادي كواتشيلا» للموسيقى والفنون. وقامت شركة ميسيون (Musion) بتصميم صورة ثلاثية الأبعاد لـ«ريفرسايد بارك» بصور لمخططات الأرضيات والمناطق المجاورة.

ولكن يتشكك بعض المطورين مثل فرانسيس جرينبرجر رئيس مجلس إدارة شركة «Time Equities» بشأن الحيل التسويقية، حيث قال، في إشارة منه إلى الفيلم الذي تكلف مليون دولار وجرى إسناده إلى هاري ماكلو من أجل التسويق لناطحة السحاب «432 بارك أفينيو»، إن «مثل هذه الأفلام تعتمد على الحالة المزاجية - ما الذي يجعلك أن تنتج فيلما لا علاقة له بالبناية؟» وأضاف: «قد تحقق نجاحا، ولكن بالنسبة لي يعد الأمر تشتيتا للانتباه، إذ لا علاقة له ببيع الشقق».

ومع ذلك فإن غرينبرغر لديه كثير من الاستراتيجيات التسويقية الخاصة به. ففي مكتب المبيعات المخصص لبيع بنايته الجديدة في الحي المالي، «50 شارع ويست ستريت»، يحمل جدار مقوس صورا بزاوية 180 درجة للمبنى التقطتها طائرات من دون طيار من ارتفاعات مختلفة في البناية، مما يسمح للمشترين برؤية المناظر التي سيطلون عليها. كما يحيط بالمبنى جدار مقوس من ساتر زجاجي.

قد تكون هذه الجهود غريبة، ولكن هناك إمكانية لنجاحها. في 135 غرب شارع 52، سيتم تسليط ضوء هائل على المبنى، وسيكون به أيضا مكتب مبيعات يتميز بحوائط من الموهير الأرجواني وغرفة لكبار الشخصيات للمشترين المحتملين للشقق العليا. وقال دي نيرو، وهو ابن الممثل روبرت دي نيرو وهو نفسه لم يكن غريبا على معاملة كبار الشخصيات، «بمجرد دخولك لغرفة كبار الشخصيات، فأنت تدخل مستوى مختلفا».