وزير التجارة الخارجية المغربي: استراتيجية لرفع نمو الناتج الداخلي الخام إلى 23 في المائة

عبو يقول لـ «الشرق الأوسط» إن الإرادة السياسية لقيادتي المملكتين مهدت لإطلاق شراكات مهمة

محمد عبو وزير التجارة الخارجية المغربي
TT

كشف محمد عبو وزير التجارة الخارجية المغربي، عن أن بلاده تعمل حاليا على استراتيجية غير مسبوقة للتنمية الصناعية لتحقيق أهداف معينة مدققة ومرقمة تهدف إلى مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي من الخام، وترتفع بموجبها نسبة نمو الناتج الداخلي الخام إلى 23 في المائة خلال الأعوام القليلة المقبلة، مبيّنا أنها تعبّر عن مساهمة القطاع الصناعي المتوقعة، مشيرا إلى أن نسبة النمو الحالية تبلغ حاليا 14 في المائة.

وقال عبو لـ«الشرق الأوسط»: «إن الملك محمد السادس اختط سياسة استراتيجية جديدة للبلاد تعزز الانفتاح على أفريقيا وآسيا وتزيد من توسعات شراكاتنا وصادراتنا واستثماراتنا وتجارتنا مع دول المنطقة العربية عامة والخليجية خاصة، تمكّننا من تنويع الاقتصاد لتفادي مخاطر الأزمة المالية وارتباطنا بالاقتصاد الأوروبي». وأضاف: «إن السياسات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة أخيرا، حجمت آثار الأزمة المالية العالمية التي فرضها ارتباط اقتصادنا بمنطقة اليورو بحكم أن 70 في المائة من صادراتنا تتجه إليها»، مشيرا إلى توجه بلاده نحو توسيع سلة العملات لمقابلة حاجة الانفتاح على أسواق جديدة وتنويع الاقتصاد.

وعلى مستوى العلاقات المغربية - السعودية، أكد الوزير المغربي أن الإرادة السياسية التي وفرتها قيادتا المملكتين مهدت لإطلاق شراكات استراتيجية، مستدلا على ذلك بإطلاق النقل البحري والجوي، متوقعا مضاعفة حجم التجارة بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

وفي مايلي نص الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» أخيرا إبان مشاركته على رأس وفد تجاري في معرض الرياض الدولي من أجل تعزيز مختلف القطاعات المغربية في بلدان الخليج العربي.

* ما أهمية مشاركة المغرب في معرض الرياض الدولي من أجل تعزيز مختلف القطاعات المغربية في بلدان الخليج العربي؟

- تأتي أهمية هذا المعرض من كونه انطلق تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فكان ذلك مصدر قوته بمباشرة من الدكتور توفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي، الذي كان لدعوته لنا بالمشاركة فيه مغزى يهدف إلى بناء شراكات استراتيجية، وهذا يأتي في إطار تفعيل التوصيات والخلاصات لملتقى المملكتين الذي التأم أخيرا بالدار البيضاء تحت رعاية ملك المغرب محمد السادس، ومن ثم فإن مشاركتنا في هذا المعرض تندرج تحت هذا الإطار بمشاركة عدد كبير من رجال الأعمال و15 شركة من المغرب، يمثلون مختلف القطاعات، وهي خلاصة تجارب ناجحة، ومنها على سبيل المثال: مجال المقاولات الذي يتمتع بقدرات وتنافسية عالية، وهناك فرص لعقد شراكات كبيرة مع الجانب السعودي بجانب توافر فرصة لاستكشاف إمكانيات الاستثمار والعمل في كل من سوقي البلدين من جهة والأسواق الخليجية من جهة أخرى، كذلك فإن بعض الصادرات المغربية التي لم تجد فرصتها في هذه الأسواق فإن هذا المعرض فرصتها المواتية لتنويع الصادرات، كذلك هناك فرصة نطرحها لدى المستثمرين السعوديين لعقد شراكات في بلادنا، خاصة أنها أطلقت مؤخرا عدة استراتيجيات مهمة في قطاعات الفلاحة والصناعة والأدوية والسياحة والطاقة، بجانب الصناعات التقليدية، وقد أثمرت هذه الاستراتيجيات بفضل السياسة التي دعمها الملك محمد السادس، تقوية البنية التحتية للبلاد، فضلا عن الاستقرار السياسي والأمني الذي تتمتع به على غرار ما عليه الحال في السعودية، وهو الدعامة الأساسية لبناء اقتصاد متين وتحقيق الرفاهية للمجتمع، الأمر الذي جعله بلدا جاذبا للاستثمار، خاصة للسعوديين.

* ما استراتيجية المغرب في قيادة مكونات ومحركات الاقتصاد المغربي نحو النمو بمعدلات تماهي التطلعات، وما نسبة نمو الاقتصاد المغربي الحالية والمتوقعة؟

- قدمت في المغرب، وتحديدا في شهر أبريل (نيسان)، استراتيجية جديدة اشتغلنا عليها بجد ومثابرة منذ أن التحقنا بالحكومة الحالية، وهي استراتيجية غير مسبوقة للتنمية الصناعية، وذلك لتحقيق أهداف معينة مدققة ومرقمة، منها: الرفع من مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي من الخام من حيث النمو، الذي تبلغ نسبته حاليا 14 في المائة، ونتوقع ارتفاعها إلى نسبة 23 في المائة خلال الأعوام القليلة المقبلة، وأعني بها نسبة نمو الناتج الداخلي الخام، وهي عبارة عن مساهمة القطاع الصناعي المتوقعة ونسعى لتحقيقها.

* ارتبط الاقتصاد المغربي من خلال صادراته باقتصادات دول منطقة اليورو، غير أن هناك قيودا أوروبية تعوق حركة هذه الصادرات المغربية.. ما تعليقك؟

- المغرب كسائر دول شمال أفريقيا يرتبط اقتصاديا وتجاريا بنظيراته الأوروبية، وإن اختلف مستوى هذا الارتباط من دولة إلى أخرى، ذلك أن 70 في المائة من تبادلاته التجارية تتجه نحو دول الاتحاد الأوروبي، وهي ناتجة عن أسباب تاريخية معروفة لقرب اللغة، غير أن الملك محمد السادس أطلق سياسة استراتيجية جديدة تعنى بزيادة التبادلات التجارية البينية مع الدول العربية خاصة والأفريقية عامة، وهذا يفسر سر الجولات الأخيرة لملك المغرب على عدد من الدول الأفريقية، حيث رسم لنا الطريق لتعزيز هذا التوجه، ومن ثم أعتقد أن مستقبل علاقتنا التجارية والاستثمارية والصناعية يتجه نحو مزيد من الانفتاح على العرب والأفارقة في نفس الوقت بوتيرة متصاعدة، ما يعني أن هناك توقعات بارتفاع ميزاننا التجاري مع هذه الدول بشكل أكبر مما كان عليه سابقا بمراحل. وعلى مستوى وزارة التجارة والصناعة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، فإننا نعمل على تنفيذ مخطط ثلاثي خلال ثلاثة أعوام، وأغلب هذه الأنشطة موجه نحو أسواق جديدة في دول منطقة الخليج العربي وفي أفريقيا.

* إلى أي حد مكّن الارتباط المغربي بأوروبا الأزمة المالية العالمية من نقل أزمة منطقة اليورو إلى الاقتصاد المغربي؟

- من المؤكد أن المغرب تأثر بانعكاسات الأزمة المالية العالمية في حركة التجارة والاستثمار والاقتصاد، ولذلك تسبّب كبر حجم التعاملات المغربية مع أوروبا في نقل المعاناة بشكل مباشر للاقتصاد المغربي، لكن مع ذلك، فإن السياسات التي اتبعتها البلاد تجاه ذلك قللت من آثار هذه الأزمة، ومن ثم لم نصل إلى مستوى أزمة اقتصادية، لكن كان هناك شبه أزمة مستوردة من خلال عملائنا في دول الاتحاد الأوروبي، وفي هذا الإطار لم تركن الحكومة للوضع الواقع، إذ ركزت على تبني استراتيجية جديدة تهدف إلى تنويع الأسواق.

* (مقاطعا).. لكن كان ذلك جليا في انكماش حركة التجارة والاستثمارات.. ألا يعد ذلك شكلا من أشكال الأزمة؟

- لا شك، فإن هذه الأزمة خلقت نوعا من الانكماش الاقتصادي، وحجمت التبادلات التجارية والاستثمارات، وأبطأت حركة الصادرات، وهذا أثر بدوره في حركة الأنشطة التجارية المتبادلة، خاصة تلك التي ارتبطت بالسياحة وعوائد المهاجرين، غير أن الأمر لم يترك هكذا من دون مواجهة تقلله إلى حده الأدنى، إذ بذلت الحكومة جهودا حثيثة لمواجهة هذه الآثار السلبية بشيء من السياسة الاقتصادية المعززة للاستثمار وزيادة الإنتاج ومعالجة تكاليف الاستهلاك، وانعكس ذلك إيجابيا على اقتصاد البلاد، وحاليا نسير في الاتجاه الصحيح، حيث نركز كذلك على التنويع الاقتصادي؛ فهناك ازدهار في أكثر من قطاع، مثل قطاع الطائرات، والخدمات المختلفة، وقطاع السيارات، وغيرها.

* بخلاف آثار هذه الأزمة، هناك أيضا أزمة أخرى فرضتها القيود الأوروبية على دخول الصادرات المغربية.. ألا يشكل ذلك عبئا جديدا على اقتصاد المغرب؟

- (مقاطعا).. هذه القيود راجعتها المغرب مع الجهات المعنية في دول الاتحاد الأوروبي، وتوصّلنا فيها إلى حلول، فعلى سبيل المثال توصلنا فيما يتعلق بصادراتنا من الخضراوات والفواكه إلى اتفاق، ومن المتوقع أن يسري مفعوله في 1 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لكن هذا يعود بنا مجددا للتذكير بأن استراتيجيتنا الجديدة هي زيادة الانفتاح على العالم الأفريقي والآسيوي فضلا عن العالم العربي، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي.

* يسعى المغرب لتوسيع سلة العملات والتعامل مع عملات جديدة.. هل كان ذلك سياسة تحوطية لمواجهة أي اشتراطات أوروبية مقبلة، أم إن هناك سرا خفيا آخر؟

- كما ذكرت لك، فإن المغرب عزم على الانفتاح بلا حدود تجاه أسواق جديدة، فضلا عن التوسع في أسواق منطقة الخليج، وانطلق في هذا المجال بشكل جدي، وفي ذلك تنويع لأسواق الصادرات المغربية لتصل لأسواق جديدة في الخليج وفي آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ومن المؤكد أن هذه الأسواق الجديدة ستنوّع سلة العملات، ومن ثم بدت الحاجة إلى التوسع فيها، وهذه أيضا تخدم الاستراتيجية الكلية لئلا نركن إلى جهة واحدة تتحكم في حركتنا التجارية وتحدد حجمها وعوائدها.

* هل تراهنون على استراتيجية زيادة الانفتاح على أسواق جديدة، خاصة أفريقيا التي لا تزال تعاني الأمرّين من عدم الاستقرار السياسي والأمني؟

- على المستوى الأفريقي، هناك عدد من الدول تتمتع بموارد ضخمة وبكر يمكن استغلالها وتوظيفها في التنمية ورفاهية المجتمعات، وينقصها عدم الاستقرار السياسي والأمني، غير أن هناك استراتيجية سياسية جديدة ينتهجها ملك المغرب تسير في هذا الاتجاه، حيث إنه أكد في «منتدى كرانس مونتانا» الذي استضافته «إيسيسكو» بمقرها في الرباط أخيرا، أن هناك مستقبلا كبيرا ينتظر القارة الأفريقية يتأسس على بسط الأمن والاستقرار السياسي، ومن ثم ازدهار المجتمعات والشعوب الأفريقية، وهذا أيضا يعمل له، وما أدل على ذلك من جولاته التي زار فيها بعض البلدان. وقد شهدت الفترة الأخيرة انسيابية عالية في التجارة التبادلية نتيجة نشاط حركة التنقل والاتصالات بين المغرب وعدد من الدول الأفريقية، حيث إن هناك أكثر من 36 رحلة أسبوعية تنطلق من ميناء طنجة إلى عدد من نظرائه من الموانئ الأفريقية، وذلك كان نتاجا طبيعيا لانطلاق عدد من الشراكات الاستراتيجية بين الجانبين في عدد من القطاعات. أما المستوى الخليجي، فإن دول المنطقة تتمتع باستقرار سياسي وأمني أتاح لها فرصة النهوض باقتصاداتها وتنمية مجتمعاتها، في حين لا تزال حبلى بالفرص التي يسعى المغرب لخلق شراكات معها فيها، ونتطلع لضخ صادرات جديدة لها، فضلا عن خصوصية العلاقة بين قياداتها السياسية ونظيرتها المغربية. ولك أن تعلم أن «ملتقى المملكتين» بين بلادنا والسعودية كان ترجمة صادقة لشكل العلاقة بين خادم الحرمين الشريفين والملك محمد السادس، التي أسست لإرادة سياسية مهدت لإطلاق أكبر حجم من الشراكات على مختلف المستويات وفي القطاعات كافة.

* هل تعتقد أن مجلس الأعمال السعودي–المغربي يؤدي دوره كما ينبغي.. وإلى أين تتجه جهود تنفيذ خط النقل البحري؟

- بالفعل إن الفضل في إنجاز كثير من المشاريع المشتركة بين المملكتين يعود إلى مجهودات مجلس الأعمال المشترك، حيث إنه نظم أول ملتقى ثنائي، الذي انعقدت دورته الأولى في الدار البيضاء، وبعدها أخذ ينظم بشكل سنوي مرة في المغرب ومرة أخرى في السعودية، ومن خلاله اكتشفت العديد من الفرص الاستثمارية في البلدين، وأنجزت العديد من الشراكات، فضلا عن أنه تطرق وعرض القضايا كافة التي تعترض مسيرة انطلاق وزيادة الاستثمارات والتبادلات التجارية، وقد توصل الطرفان إلى تشخيص العائق الأكبر في انسياب التجارة البينية بالشكل الذي يعبّر عن حجم العلاقات الثنائية، خاصة العلاقات السياسية، ناهيك بالعلاقات التاريخية والأخوية، حيث وجد أن غياب أو ضعف خطي النقل البحري والنقل الجوي هو أكبر التحديات التي تمنع هذه الانسيابية. وفي هذا الإطار عملت البلاد على إنجاز الخط البحري، ومن البشريات أننا تقدمنا كثيرا في هذا المشروع وقطعنا شوطا كبيرا فيه، والآن نعمل على الخط الجوي، ولذلك، فإن المستقبل في مستوى شراكاتنا واعد جدا ومبشر بخير كثير، بفضل توافر الإرادة السياسية لدى قيادتي المملكتين.