مصرف «بي إن بي باريبا» الفرنسي يقر بذنبه ويقبل بدفع غرامة قدرها 8.9 مليار دولار لواشنطن

الأكبر التي تُفرض على مصرف أجنبي في الولايات المتحدة

أحد مقار بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي في مدينة جنيف بسويسرا (رويترز)
TT

أقر مصرف «بي إن بي باريبا» الفرنسي مساء أول من أمس بمخالفة الحظر الأميركي المفروض على كوبا وإيران والسودان ووافق على دفع غرامة قياسية قدرها 8.9 مليار دولار لتفادي ملاحقات جزائية.

وبعد أشهر من المفاوضات الشاقة ألزم المصرف بدفع أكبر غرامة تفرض حتى الآن على مصرف أجنبي في الولايات المتحدة.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية أعلن وزير العدل الأميركي إريك هولدر في بيان، إن «بي إن باريبا تكبد عناء كبيرا لإخفاء المعاملات المحظورة ومحو الآثار وخداع السلطات الأميركية»، مضيفا أن «هذه الأعمال تشكل انتهاكا خطيرا للقانون الأميركي».

وترتفع الغرامة بحد ذاتها إلى 8.83 مليار دولار، تضاف إليها نفقات بقيمة 143 مليون دولار، مما يرفع المبلغ الإجمالي إلى 8.9 مليار دولار.

وهذا المبلغ يفوق بثمانية أضعاف القيمة التي رصدتها المجموعة تحسبا للغرامة وقدرها 1.1 مليار دولار.

والغرامة توازي المبلغ الذي أقر المصرف بأنه حوله عبر الولايات المتحدة باسم عملاء سودانيين (6.4 مليار دولار) وكوبيين (1.7 مليار) وإيرانيين (650 مليون دولار).

وأعرب المدير العام للمصرف جان لوران بونافيه في بيان عن أسفه لهذه «الأخطاء الماضية»، مؤكدا أن العقوبة لن يكون لها «أي تأثير على قدرته العملانية أو التجارية» في تلبية حاجات عملائهم «جميعا تقريبا».

والإقرار بالذنب الذي يعد بادرة استثنائية بالنسبة لشركة لا يخلو من المجازفة إذ يعرض المصرف لطلبات تعويض من أطراف ثالثة وإمكانية خسارة عملاء كبار من صناديق التقاعد والجمعيات المحلية التي لن تتمكن من الاحتفاظ بعلاقات تجارية معه عملا بتنظيماتها الداخلية.

غير أنه من غير المرجح أن تؤثر هذه الغرامة على نسبة ملاءة المصرف التي تشكل مؤشرا إلى متانته المالية والتي أقرت بعد الأزمة وتراقبها الأسواق وهيئات الرقابة على المصارف عن كثب.

وعدت الهيئة الفرنسية للرقابة على المصارف مساء الاثنين أن «بي إن بي باريبا» قادر على «امتصاص العواقب المرتقبة» لهذه العقوبات القاسية.

وأوضحت هيئة الرقابة الاحترازية والتسويات أنها دققت قبل ذلك في أوضاع المجموعة الفرنسية ولاحظت أن وضع سيولته وملاءته «متين تماما».

وأعلن «بي إن بي باريبا» أنه سيترتب عليه تسجيل نفقات استثنائية بقيمة 5.8 مليار يورو في حساباته للفصل الثاني من السنة.

كما تتضمن العقوبات المالية تعليق أنشطة المصرف بالدولار لمدة سنة، ولا سيما في العمليات المربحة جدا في قطاعي النفط والغاز اللذين يشكلان لب القضية، وذلك اعتبارا من 1 2015، بحسب ما جاء في بيان منفصل صدر عن حاكم نيويورك.

وأوضح المصرف أن هذا الحظر سيطبق بشكل تدريجي نظرا إلى عمليات المصرف الحالية وريثما يجد مصرفا ثالثا يقبل بتولي تسوية المدفوعات بالدولار عنه.

وإلى العقوبات المالية، اضطر المصرف إزاء الغضب الأميركي لإزاحة مديرين كبار فيه.

وغادر المصرف خمسة من كبار مديريه بينهم مديره العام المنتدب جورج شودرون دو كورسيل الذي أشير إليه بالاسم في القضية وثمانية مصرفيين آخرين على ارتباط بالعمليات موضع الخلاف.

وفرضت عقوبات تأديبية على مجموع 45 مصرفيا بينهم 27 سبق أن غادروا المصرف، تتراوح بين تخفيض في الأجر والتسريح.

وجاء في بيان حاكم نيويورك أنه «بالقيام بهذه المعاملات باسم الأطراف الخاضعين لعقوبات، فإن (بي إن بي باريبا) أقر ممارسات منتظمة بإشراف الإدارة».

وكانت هذه المعاملات تقضي بحذف أو التغاضي عن ذكر المعلومات المتعلقة بهوية «أطراف سودانية وإيرانية وكوبية كانت عمليات التسوية بالدولار التي يمررها (المصرف) عبر فرعه في نيويورك وفروع أخرى لمؤسسات مالية أميركية موجهة إليها».

وهذه الممارسات كانت تهدف إلى «ضمان سرية الرسائل وتفادي كشفها لأي تحقيق»، وفق البيان.

واتخذت متاعب المصرف منحى سياسيا بشكل واضح وأثارت بلبلة وصلت إلى قمة الدولة في فرنسا، حيث سعى الرئيس فرنسوا هولاند في مطلع يونيو (حزيران) الماضي للتدخل لدى باراك أوباما من دون نجاح إذ استبعد الرئيس أي تدخل له في القضية.

ومن دون الاحتجاج على قانونية العقوبات واصلت السلطات الفرنسية مساعيها داعية إلى عقوبة «عادلة ومتناسبة». ورأى وزير المالية ميشال سابان أن الاتفاق «يحفظ مستقبل المصرف» الذي سيتمكن من الاستمرار في «تمويل النشاط الاقتصادي في ظروف مرضية».

ولوح وزير الاقتصاد أرنو مونتبور مجددا مساء الأحد بانعكاسات القضية على المفاوضات الحالية من أجل التوصل إلى اتفاق تبادل حر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وحذر من أنه «في سياق المعاهدة عبر الأطلسي، فإن المفاوضات ستشتد».