شاشات: باب ولا كل الأبواب

مشهد من مسلسل «باب الحارة»
TT

هناك الكثير من العناصر الإيجابية التي يتضمنها مسلسل «باب الحارة» (إم بي سي وإل بي سي). في الواقع يمكن للمرء أن يعد أنه، في بعض جوانبه على الأقل، يشكّل النموذج الصحيح لما يجب أن يعنيه «المسلسل الدرامي».

بداية، هناك الإخراج الملهم بأسلوبه المرن والسريع. الكاميرا المنسابة في المشاهد العامة، والمحددة بأطر واعية ودقيقة في المشاهد المفترض بها أن تنقل حديثا بين اثنين أو أكثر. أحيانا ما ترتفع الكاميرا في الأماكن، وفي أحيان أخرى تتحرك أفقيا كما لو كانت دخيلا - كالمشاهدين - يريد أن ينقل الوقائع.

ضمن حرص صانعي المسلسل على تقديم مادّة متدفقة الأحداث، لا يسجل المشاهد وجود حوار بلا معنى متّصل بما يدور. بكلمة أخرى لا داعي لشرح ما لا لزوم لشرحه، ولا إلى تحويل الحوار إلى ثرثرة لأجل كسب الوقت. كل شيء في إطار من المعالجة الدرامية الشيّقة التي تريد أن تدلي بالكثير في وقت قصير.

طبعا ما عرض حتى ساعة كتابة هذا التعليق ليس أكثر من حلقتين، لكن بمقارنتهما بما شوهد من مسلسلات أخرى (ولم نشاهد كل شيء بعد)، فإن «باب الحارة» الأكثر سينمائية (إذا صح التعبير) من أي مسلسل آخر.

إذا أخذنا بعين الاعتبار النجاح السابق للأجزاء الخمس التي جرى تحقيقها وبثّها منذ الإصدار الأول سنة 2007 فإن هذا المسلسل هو من أكثر المسلسلات العربية نجاحا. ولكن التاريخ ليس ضمانة، لولا أن العاملين والمشرفين عليه، ومنهم بسام الملا وعزام فوق العادة (كما المخرج المنفذ ماجد قبراوي)، ما زالوا يستمدون مما ساهم في تكوين هذا النجاح. هذا في الوقت الذي ينتظر فيه المشاهدون تلك الوجوه التي واكب معظمها، وحتى الآن، أجزاء المسلسل. من بينهم مثلا أيمن زيدان وسليم صبري وعبد الهادي الصبّاغ وصباح الجزائري والعشرات سواهم.

أحد العناصر الأخرى، والمهمّة في إطار هذا العمل، هو استخدام اللهجة الشامية التي تنتمي بالقول والفعل إلى فترة تماثل عتق الصورة والديكور. ككثير من اللهجات المحلية في بيروت ودمشق والقاهرة، تكفّلت التطورات الاجتماعية والاقتصادية ودخول صناعات وكماليات متعددة حياة الأفراد، بتغيير الكثير من اللهجات الأصلية. من طريقة نطقها وطريقة حكيها وطريقة تصريف اللسان وإيقاعها. شاهد أي عملين بفارق ثلاثين أو أربعين سنة لتكتشف، إذا لم تكن أدركت بالفعل، التباين الشديد بين طرائق «الحكي» آنذاك وبينه الآن.

ومن دون الدخول في تفاصيل المقارنة وصولا إلى كيف جرى هذا التغير في صلب اللهجة التي هي مثل بشرة الإنسان كان من المفترض أن تبقى أصيلة، فإن ما تمنحه اللهجة بلكنتها المحلية الصافية هو تماثل تام لا تزوير فيه بين الشخصية وواقعها المصوّر.

هذا بدوره يرفع من رصيد «باب الحارة» كون شخصياته الشامية ترن صدقا حين تتكلم.

هل من مساوئ؟ من المبكر أن نجيب عن هذا السؤال فالحلقات المقبلة أكثر من تلك التي مرّت حتى الآن وأي شيء، وكل شيء، محتمل. لكن لا بد من الإشارة إلى تلك العادة التي تقدم عليها الكثير من المسلسلات وبينها هذا المسلسل: عادة وجود مخرج ومخرج منفذ ومشرف عام. نعم لكل واحد شأنه وعمله، لكن هذا التشابه في المهام يجعل مهمة الناقد صعبة إذا ما أراد الوصول إلى قرار محدد في أحد جوانب العمل. من قام بإدارة الممثلين مثلا؟ من اقترح هذا المشهد بهذه الطريقة؟ من أشار على مدير التصوير بهذه اللفتة؟ لا أدري إذا كنا سنعرف.