اعتاد الهولنديون المشكلات بمعسكرهم في معظم البطولات التي شاركوا فيها؛ لكن يبدو أن الأجواء الاحتفالية لمونديال البرازيل 2014 قد تركت أثرها في النفوس بالمنتخب «البرتقالي» الذي يعيش حالة وئام تام في أجواء ريو دي جانيرو وعلى شواطئها.
«مقارنة بالأجواء التي عشناها في كأس أوروبا 2012، فكأنك تقارن النهار بالليل»، هذا ما قاله صانع ألعاب المنتخب الهولندي ويسلي سنايدر عن الوضع الحالي للاعبي المنتخب الهولندي ومدربه لويس فان غال الذي قرر الثلاثاء الماضي منح أعضاء المنتخب يوم راحة، والسماح لهم بالذهاب برفقة عائلاتهم إلى أحد شواطئ ريو دي جانيرو.
وأضاف سنايدر: «لدي انطباع بأننا نعيش مجددا مونديال 2010 فقد وصلت هولندا إلى النهائي قبل أن تخسر أمام إسبانيا صفر - 1 بعد التمديد، حيث كانت الأجواء حينها مميزة بين أعضاء المنتخب».
بالنسبة للمنتخب الهولندي، لطالما تسبب كبرياء اللاعبين في تأزم الوضع داخل المعسكر «البرتقالي»، وأبرز مثال على ذلك ما حصل في كأس أوروبا 1996 عندما خرج لاعب الوسط إدغار ديفيدز إلى الإعلام ليقول إن المدرب غوس هيدينك «غير كفء وتجري إدارته من قبل الشقيقين دي بوير ودينيس برغكامب». وقبل عامين من ذلك، شكك رود غوليت في صحة خيارات المدرب ديك إدفوكات الذي أوكل إليه اللعب في مركز غير معتاد عليه.
صحيح أن الجيل الذهبي الذي ضم باتريك كلويفرت وبرغكامب وديفيدز لم يفز بأي شيء على الإطلاق؛ لكن هذا الأمر لم يقلل من حجم كبريائهم وكل واحد منهم أراد أن يكون «سيد» المنتخب الذي عانى في كأس أوروبا 2004 من المشكلة نفسها حين قرر ديفيدز أيضا أن يدخل حربا كلامية مع إدفوكات. أما «المأساة» الكبرى فكانت في كأس أوروبا 2012 التي عاش فيها الهولنديون فترة صعبة بدأت قبل صافرة انطلاق العرس القاري الذي احتضنته كل من بولندا وأوكرانيا، وذلك بسبب استياء كلاس يان هونتيلار من قرار المدرب بيرت فان مارفييك بتفضيل روبن فان بيرسي عليه لشغل مركز رأس الحربة. ولم يكن هونتيلار بطبيعة الحال سعيدا بقرار مدربه، خصوصا بعد تألقه في التصفيات المؤهلة إلى البطولة القارية (12 هدفا)، وقد أعرب عن امتعاضه قائلا: «قلت سابقا إنني أشعر بالخيبة والاستياء، وفي الوقت الحالي أفضل مواصلة بذل جهدي في التمارين. ليست هناك أي فائدة من التحدث في المسألة».
وقد أثرت هذه الخلافات في المنتخب الهولندي الذي ودع البطولة من الباب الصغير وخرج من الدور الأول بعد تلقيه ثلاث هزائم على التوالي أمام الدنمارك وألمانيا والبرتغال.
وكان المنتخب الهولندي أحد أبرز المرشحين لإحراز اللقب إلى جانب إسبانيا حاملة اللقب وبطلة العالم، وألمانيا، خصوصا بعد أن سجل 37 هدفا في التصفيات، بيد أنه قدم عروضا مخيبة ومُني بثلاث هزائم.
وكانت بوادر الأزمة ظهرت داخل صفوف المنتخب الهولندي في الأسبوع الأول من البطولة، بعد أن سمح الاتحاد الهولندي لجميع لاعبيه بلقاء رجال الصحافة؛ لكنه منع ذلك عن هونتيلار الذي كان لعب احتياطيا في المباراة الأولى. وفي تلك البطولة، لم يكن هونتيلار: «الغاضب» الوحيد في تشكيلة «البرتقال»؛ بل كان هناك أيضا رافايل فان در فارت الذي أعلن أكثر من مرة عن عدم رضاه عن الجلوس على مقاعد اللاعبين الاحتياطيين.
لكن يبدو أن الوضع مختلف في البرازيل لأن هونتيلار لم يتفوه بكلمة امتعاض ولو مرة واحدة، على الرغم من جلوسه على مقاعد الاحتياط في جميع المباريات الثلاث التي خاضها فريقه في الدور الأول، قبل أن يزج به فان غال ضد المكسيك في الدور الثاني حين كان فريقه متخلفا في الشوط الثاني، فكان مهاجم شالكه الألماني عند حسن ظن مدربه، فمرر كرة هدف التعادل الذي سجله سنايدر في الدقيقة 88 ثم نفذ بنجاح ركلة الجزاء التي أهدت «البرتقالي» هدف الفوز 2 - 1 في الوقت بدل الضائع.
«كنت متخوفا قبل البطولة، لكن سرعان ما اختفت هذه المخاوف. هذه المجموعة تعيش بتناغم جيد. الأجواء ممتازة»، هذا ما قاله سنايدر، فيما رأى ديرك كاوت أن «وجود الزوجة أو الصديقة بشكل منتظم يلعب دورا مهما جدا». في التمارين من غير المألوف أن ترى الأولاد يلعبون بالكرة مع آبائهم اللاعبين، لكن هذا ما يحدث في معسكر المنتخب الهولندي بالمونديال البرازيلي، وليس ذلك وحسب، بل يحصل اللاعبون على فرصة زيارة الأماكن الأثرية والذهاب إلى الشاطئ برفقة عائلاتهم في الأيام التي يقررها فان غال.
وافق ديرك كاوت في مباراة الدور الثاني أمام المكسيك على أن يلعب في مركز الظهير، وهو الذي اعتاد التوغل في منطقة الخصم كجناح أو حتى مهاجم، لكنه لم يعترض أو يمتعض من قرار فان غال الذي تحدث عن الوضع النفسي الحالي للاعبيه، قائلا: «لقد رأيتم كيف قاتل اللاعبون من أجل رفاقهم في المنتخب!»، مشيدا بالأداء الذي قدمه كاوت في مركز غير معتاد عليه.
ويأمل فان غال أن يحافظ رجاله على روح التعاون والمعنويات العالية، وأن يضع كل منهم كبرياءه جانبا لمرة أخرى عندما يتواجه «البرتقالي» مع كوستاريكا السبت المقبل في الدور ربع النهائي، على أمل مواصلة المشوار حتى الفوز باللقب العالمي للمرة الأولى في تاريخ بلادهم.