لا يمكن تصور مائدة إفطار صحراوية من دون الثمر وحليب النوق، الوجبة التقليدية التي ارتبطت تاريخيا بالإنسان الصحراوي في إقامته وترحاله، فرغم التنوع الكبير الذي عرفته مائدة الإفطار في المحافظات الصحراوية في الجنوب المغربي، مع توفر كل المنتجات الغذائية والزراعية، ومختلف أنواع الحلويات التقليدية المغربية الخاصة برمضان، وعصائر الفواكه الطازجة، ورغم التحولات التي عرفها نمط عيش الصحراويين في المدن الصحراوية الكبرى، فإن مشروب «الزريك»، الذي تعده النساء الصحراويات من حليب النوق مخففا بإضافة الماء والسكر، ما زال يتربع على عرش مائدة الإفطار من دون منازع.
مع اقتراب أذان المغرب، تجلس الأسر الصحراوية حول موائد ممتلئة بكل ما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات. ومع انتهاء فترة الإمساك تبدأ طقوس الإفطار وكسر الصيام بتوزيع كؤوس «الزريك» والثمر على أفراد العائلة، من اليمين إلى اليسار. بعدها مباشرة يمر الصحراوي إلى الحساء التقليدي الساخن، بنوعيه الأبيض والأحمر، الذي يتناول مع الثمر أيضا. فبالنسبة للصحراويين، لا شيء أفضل من حساء ساخن لإعادة تشغيل معدة الإنسان وأحشائه بعد يوم صيام. ويحضر الحساء التقليدي الصحراوي من دقيق الشعير المحمص، إما بخلطه بالماء والسكر وطبخه على نار هادئة حتى يميل لونه إلى الحمرة، أو يطبخ بالحليب والسكر ليصبح حساء أبيض. بعد كسر الصيام بهذه الوجبات التقليدية، بنكهة القوافل الصحراوية، يفسح المجال لمختلف الأطعمة والحلويات والفواكه التي تزين بها ربات البيوت موائدهن.
بعد صلاة القيام تجتمع العائلة مجددا حول مائدة العشاء. هنا أيضا تنتظر الأسر الصحراوية وجبات خاصة أحيانا. كل النساء في المدن الصحراوية يتفنن ويتنافسن في إعداد وجبات وأطباق عصرية ومتنوعة. لكن لا يكاد يمر شهر رمضان دون تناول بعض الوصفات التقليدية الخاصة بالمطبخ الصحراوي، التي يعود بعضها لآلاف السنين. وبالطبع فإن المادة الأساسية في هذه الوصفات هي لحم الإبل، الحيوان الرمزي للصحراء.
من أبرز هذه الأطباق «تيدكيت»، وهي طبق معد من شطائر لحم الإبل المجفف بطريقة تقليدية في الصحراء، تطبخ في قليل من الماء وتسحق حتى تصبح كالعجين وتقدم مع بعض المرق الذي طبخت فيه. وتكتسي «تيدكيت» أهمية خاصة بالنسبة للصحراويين، فهي من أفضل ما يقدمون للضيوف، كما يعتقدون أنها أكلة قوية وغنية ومفيدة جدا للجسم، وبالتالي تعدّ الطبق المفضل للنساء في فترة النفاس ولكبار السن. ويحيل طبق «تيدكيت» أيضا على حياة القوافل والرحل ورعاة الإبل في الصحراء، حيث كانت شطائر لحم الإبل المجفف تشكل مكونا أساسيا في زاد الصحراوي.
الطبق الآخر الذي لا يكاد يمر شهر رمضان دون إعداده ولو لمرة واحدة من طرف معظم الأسر الصحراوية، يدعى «زينابة»، وهو نوع من الشواء خاص بالمناطق الصحراوية. تحضر «زينابة» بتقطيع لحم الإبل ووضعه مع قليل من زيت الزيتون والماء داخل غشاء معدة الإبل وإغلاقها جيدا، مع ترك فتحة واحدة لكي تتنفس، ويثبت عليها عظم ساق الإبل بعد قطع طرفيه وإفراغه. تدفن «زينابة» في رمال حارة، مع الحرص على ترك الطرف العلوي لعظم الساق في الخارج لتتنفس «زينابة» وتتخلص من أبخرتها حتى لا تنفجر. وبعد تغطيتها بالرمال تضرم فوقها النار باستعمال الحطب. تحضر أكلة «زينابة» أيضا من لحم ومعدة الغنم، وأفضل من ذلك لحم ومعدة الغزلان، التي لا تزال موجودة في مناطق في جنوب المغرب، رغم أنها أصبحت مهددة بالانقراض.