التمر والشوربة رمزا رمضان في ذاكرتي

بلقاسم حسن الأمين

TT

عرفت خصوصية شهر رمضان المعظم ووعيت بأهميته الدينية قبل ممارسة فريضة الصوم بسنوات كثيرة.

فمنذ أن بلغت خمس سنوات كنت أقف مع أطفال قريتي وأغلبهم يكبرونني سنا في انتظار أذان المغرب ثم الإسراع الجماعي بالركض، كل في اتجاه منزله وهو يهتف في فرح وبأعلى صوته: «أذن - أذن»، أي لقد قام المؤذن بأداء الأذان وبالتالي يمكنكم الإفطار أيها الصائمون.

كنت أقطن رفقة عائلتي بقرية أم الصمعة في ولاية - محافظة - قبلي وقد سميت القرية باسم أم الصمعة لاشتهارها بصومعة مسجدها مقارنة بالقرى الأخرى في منطقة نفزاوة بالجنوب التونسي. كان منزلنا هو الأقرب تماما للمسجد، وكنت من أصغر الأطفال انتظارا لصوت المؤذن ونحن نلهو ونلعب حول المسجد، وخصوصا ممارسة القفز من الجبل الصغير المحيط بالمسجد إلى المساحات الرملية الواقعة أسفل الجبل. وكان قفز مترين أو ثلاثة بطولة خارقة وإنجاز كبير بالنسبة إلى طفل صغير».

لقد اقترن شهر رمضان في مخيلتي كطفل صغير قبل ممارسة الصوم بأكل حبات من التمر مع الحليب أو اللبن ثم تناول الشوربة - الحساء الساخن - وبعد الانتهاء من الوجبة الرئيسة كنت أتناول قطعا من الكفتة أو الطاجين قبل اكتشاف البريك عندما انتقلت إلى مدينة قابس بعد نجاحي في مناظرة ختم التعليم الابتدائي والارتقاء إلى التعليم الثانوي وقد أصبح عمري اثنتي عشرة سنة.

قريتي تقع في واحات قبلي (نفزاوة) وبالطبع يعد التمر ثروتها الرئيسة. وللتمر مكانة شبه دينية في شهر رمضان، حيث تروي الأحاديث النبوية عن قيمته الغذائية ورمزيته الدينية. وتتعدد أنواع التمر إلى المئات، أشهرها على الإطلاق «دقلة النور» و«العليق» و«الحرة» و«الكنتة» و«البسر الحلو» و«الحمراية» وما يطلق عليه مجازا نوع «الخلط» (الخليط) أو «المطلق».

بدأت صيام رمضان وعمري نحو عشر سنوات، حيث كان الأهل يشجعوننا على الصوم للتعود عليه عند البلوغ، في حين كنا كأطفال حريصين على صيام رمضان للتأكيد على بلوغنا العمر المناسب للرجولة والنضج.

وعلى امتداد سنوات عمري بقي التمر والشوربة رمزي رمضان في ذاكرتي إلى جانب الاهتمام الخاص بأذان المغرب وتذكر الركض والهتاف: «أذن – أذن» رغم عيشي في قابس ثم في دمشق بسوريا وأنا طالب أو بتونس العاصمة خلال فترة حياتي المهنية.

علاقتي بهذا التراث الديني والثقافي وبالأهمية التي مثلها لنا شهر رمضان مدخل أساسي لتأصيل هويتنا وخصوصيتنا الثقافية والدينية وبالرابطة المجتمعية والشخصية الوطنية التي ننتمي إليها، وقد ربيت أبنائي الذين وعوا منذ نعومة أظفارهم أهمية شهر رمضان ورمزيته الدينية وأدوا جميعا فريضة الصوم تقريبا في نفس السن التي بدأت فيها الصيام.

إن لرمضان مكانة دينية كبيرة لدى التونسيين حيث تنتشر قراءة القرآن في النهار وصلاة التراويح في الليل، إلى جانب تكرر الزيارات العائلية ومتابعة المسلسلات والبرامج التلفزية والإذاعية التي يعج بها شهر رمضان.

وبالطبع لا يمكن أن أنسى ما كنا نقوم به ونحن أطفال لمحاولة الظفر والفوز بكشف ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من رمضان، وكذلك ما تعنيه ليلة العيد من انتظار طفولي بريء طوال الليل ليحل صباح العيد ونلبس الملابس الجديدة ونطوف على منازل كل أهل القرية للتهنئة بالعيد.

* الأمين العام لحزب الثقافة والعمل التونسي