السعودية: خبراء الاقتصاد الإسلامي يناقشون أوجه إنفاق عائدات «الأوقاف» في ندوة «البركة» اليوم

اتجاه لتمويل الأوقاف بواسطة البنك الإسلامي والغرفة الإسلامية

جانب من ندوة البركة في الدورة السابقة («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تُقدر فيه دراسات مسحية قيمة الأوقاف في السعودية بأكثر من 500 مليار ريال (133 مليار دولار)، يبحث اليوم في جدة (غرب السعودية) عدد من الخبراء وفقهاء الاقتصاد الإسلامي قضايا الأوقاف في الدول الإسلامية، وذلك من خلال الندوة 35 لمجموعة البركة المصرفية في هيلتون جدة.

واتفق المختصون على أن الوقف يفقد الكثير من عوائده الاستثمارية، التي تُضخ في القطاعات الخدمية لتنمية الاقتصاد، نتيجة لتزايد القضايا وانعدام الإلمام من قبل الجهات القضائية بعمل الأوقاف، لذا لم تأخذ نصيبها في الوقت الحالي، وانحصرت في العقارات القديمة مع تدني إداراتها اقتصاديا.

وأوضح صالح عبد الله كامل رئيس مجلس إدارة مجموعة دلة البركة القابضة أن ندوة البركة في نسختها الخامسة والثلاثين التي ينظمها وقف اقرأ لعلوم الإنماء والتشغيل تأتي بعد أن قطعت أكثر من ربع قرن، وقال «إن الندوة خلال دوراتها اقتصرت لسبب أو آخر على الحديث في المصرفية الإسلامية، على الرغم من أن الاقتصاد الإسلامي أوسع بكثير من المصرفية والبنوك الإسلامية، فهو يتناول جوانب الحياة أجمع، بدءًا من الزكاة التي هي الركن الثالث في الإسلام، مرورا بمنع الربا الذي أُنشئت البنوك الإسلامية لمحاربته.

وأشار كامل إلى أن «الوقف رغم أنه نشأ في حضن الحضارة الإسلامية، إلا أنه تقهقر في الـ400 سنة الأخيرة، وبينما استفاد منه الغرب في جميع مستشفياته وجامعاته ومعاهد أبحاثه، إلا أن الدول الإسلامية أضاعته وانحصر مفهومه في عقار أو مزرعة تمر».

وأضاف «في أيام الحضارة الإسلامية الزاهية كانت هناك أغراض سامية للوقف، فالمستشفيات كانت تمول من الأوقاف، وكذلك الجامعات، كالأزهر والقيروان، ولم تعتمد حينها على الدولة، ومن خلال تطور الزمن وتدخل الحكومات بشكل قاتل للأوقاف تدهورت في العالم الإسلامي».

ودعا كامل للاهتمام بالاقتصاد الإسلامي ككل من خلال مكوناته، كالزكاة ومنع الربا والأوقاف كذلك، ومنع الاحتكار، وأردف «لدينا قواعد اقتصادية لو فهمت لقدمنا للبشرية هدية، فنحن لم نفهم إسلامنا وحصرناه في طقوس لم تكن من جوهر الإسلام».

وحول أنواع الأوقاف بين كامل «الوقف ينقسم إلى خيري أو ذُري وللأسف انعدم الواقفون، نظرا لخوفهم من تسجيل أوقافهم في المحاكم ويخرج بالتالي من أيديهم، ومع احترامي الكامل للقضاء، فالقاضي لا علاقة له بالاستثمار، فالموقفون لن يوقفوا إلا بموجبهم، ولحل هذا الوضع حاولنا وضع حلول، وأجرينا اتصالات مع الوزراء والمسؤولين، إذ قدمنا من خلال الغرفة الإسلامية للتجارة لوزراء الأوقاف المسلمين عددا من الحلول، ووجدنا دعما مقدرا من وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ صالح آل الشيخ».

وأعرب عن أمله في أن تمكن الندوة من نشر الأهداف التي تتمحور حول الاقتصاد الإسلامي، وقال «ليس المهم الحجم بقدر الفائدة وإنفاق الأوقاف في أعمال الخير كالبحوث العملية والمستشفيات وطمس المفهوم السائد على أنها أربطة فقط».

من جهته، قال عدنان يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية إن الندوة تكمل بدورتها هذه نحو 35 عاما، إذ انعقدت ندوة البركة الأولى للاقتصاد الإسلامي بالمدينة المنورة في يونيو (حزيران) 1981، وحققت جزءًا كبيرا من أهدافها كالبحث عن حلول اقتصادية للمشكلات التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية، واستنباطها من الاقتصاد الإسلامي نظرية ونظاما وتشجيع البحث العلمي في مجال الاقتصاد الإسلامي، وربط الاجتهاد الفقهي بالقضايا الاقتصادية المعاصرة، والمساعدة في تطوير منتجات مالية إسلامية.

وبين يوسف «يسرني أن أتقدم بالشكر الجزيل والثناء العطر لرئيس مجلس الإدارة صالح كامل بتبني وإدارة وتمويل والإشراف المباشر على هذه الندوة طوال هذه الفترة حتى أصابت هذا النجاح».

وأضاف «لقد ركزنا خلال الأربعة أعوام الماضية على الركن الثالث في الإسلام وهو الزكاة، لأنها لم تُعط فرصة كبيرة لندوات البركة السابقة، فأخذت جُل الاهتمام في هذا الجانب بمنظور مختلف خاصة فيما حصل من تغيرات في الاقتصاد العالمي والإسلامي».

وأردف يوسف «ومن هنا بدأت ندوة البركة هذا العام للتركيز على عنصر آخر وهام وهو جانب الأوقاف، التي لم تأخذ نصيبها منذ أن جاء بها الإسلام، مقابل إهمالنا لتلك الآليات التي تنعكس على الأفراد، وتزيد من قوة الاقتصاد بين الدولة والمجتمع، وللأسف لم يجر الاهتمام بها سوى في دولتي الكويت وماليزيا إلى حد ما، وها نحن سنتطرق لكافة الجوانب التي تؤكد أن للأوقاف جانبا مهما في القطاعات الاقتصادية بشكل كبير، تسهم في تمويل غالبية الجهات التي قد تزيح التحديات التي تواجه الدول من مصروفات تنفقها الحكومة».

وفيما يتعلق بالتقديرات التي تصل إلى 500 مليار ريال (66.6 مليار دولار) للأوقاف في السعودية بين يوسف أن تلك الأرقام ليست بالمستغربة، فالأرقام تنعكس على حجم تلك الأوقاف الكبيرة التي سواء كانت في المملكة أو في دول أخرى، مما يجعل القائمين على الندوة يركزون على هذا الجانب.

بدوره، بين الدكتور أحمد محيي الدين أحمد، المشرف على ندوة البركة أن الندوة ستناقش كيفية دعم الدولة من خلال الأوقاف، وهل تنحصر وظائفها الأساسية فقط في الأمن وتوفير احتياجات الطبقات الصغيرة والضعيفة، وتترك قضايا مثل التعليم والصحة ونحوها للقطاع الخاص على أساس اقتصادي، بحيث يتوجه دعم الدولة على طبقات معينة، وتقوم الأخرى وهي المكتفية بالنفقة على التعليم وتعالج نفسها وتخرج من مسؤولية الدولة، وكذلك إقامة القطاع الخاص للبنى التحتية كالكهرباء ونحوها بحيث تقوم غالبية طبقات الجمهور بدفع التكاليف.

واستطرد محيي الدين «فيما مضى كان الوقف يؤدي دور الدولة في إقامة المنشآت الصحية والتعليمية والاهتمام بالأرامل والأيتام والطرق، وهذا الدور انقطع وانحصر الوقف حاليا في العقارات القديمة المتصدعة لا تدار بكفاءة اقتصادية، وبالتالي فالآن التوجه نحو مؤسسة الأوقاف وجعلها محور الاقتصاد الرئيس، بحيث أن أموال الوقف تعود بعوائد واستثمارات مربحة تغطي أغراضه والتوسع في النواحي الفقهية فيه كالوقف النقدي والوقف العيني».

وتابع «نحن سنناقش قضية أساسية تفسر كيفية توثيق الأوقاف وتسجيلها، فهي تعاني بالكثير من القضايا وعدم الإشراف الرسمي وشح توثيقها، لذلك فلدينا محاولات إلى لتحويل الأوقاف إلى الغرف التجارية لكي تدار وتسجل فيها لتحقيق الشفافية والتشغيل الاقتصادي المنتج، وإعادة هيكلتها بمختلف أنواع الصيغ والمعاملات، فالأرقام والإحصاءات معطلة لعدم الاستفادة من تلك الأوقاف، فالعمل يجري مع مؤسسات الدولة لإمكانية تمويل هذه الأوقاف حتى تكون موجودة بشكل أقوى من خلال تحالفات بين البنك الإسلامي والغرفة الإسلامية».