الحكومة التونسية ترفع أسعار المحروقات قبل اجتماعها مع «النقد الدولي» نهاية الشهر

الصندوق ينتظر مزيدا من الإصلاحات الاقتصادية

TT

لم تنتظر الحكومة التونسية المواقف النهائية للأطراف الاجتماعية (نقابة العمال ونقابة رجال الأعمال ونقابة الفلاحين) لإقرار أحد أهم الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية وأعقدها على الإطلاق، ممهدة الطريق لتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي بشأن إصلاح منظومة الدعم والتخلص التدريجي من أعباء صندوق التعويض.

وقررت الحكومة التي يرأسها المهدي جمعة منذ الأول من يونيو (حزيران) الجاري الترفيع في أسعار المحروقات بنحو 100 مليم للتر الواحد (الدينار التونسي يساوي ألف مليم). وتحت تأثير ذلك القرار، ارتفعت أسعار البنزين الرفيع الخالي من الرصاص من 1.57 دينار للتر الواحد إلى 1.67 دينار، فيما أبقت على أسعار بترول الإنارة وقوارير الغاز المسيل الموجه للاستعمال المنزلي دون تغيير في محاولة للحفاظ على القدرة الشرائية للعائلات الفقيرة والمتوسطة.

وجاء قرار الحكومة بالترفيع في أسعار المحروقات في ظل معارضة صريحة من قبل الهياكل النقابية إذ صرح الحسين العباسي رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) أن الحكومة الحالية ليس من صلاحياتها اتخاذ إجراءات اقتصادية هيكلية على الاقتصاد التونسي، فيما تؤكد الحكومة التونسية التي يقودها المهدي جمعة أن تلك الإجراءات «المؤلمة» ضرورية لإنقاذ الاقتصاد التونسي من الانهيار.

وسيقرر صندوق النقد الدولي مصير القسط الخامس من القرض الائتماني الاحتياطي الذي وعد به تونس، إثر الاجتماع المزمع عقده يوم 27 يوليو (تموز) الحالي. وطرح هذا الموعد على الحكومة التونسية الاستعداد الجيد للتفاوض بشأن هذا القسط من القرض المقدر بنحو 200 مليون دولار أميركي.

ويقدر المبلغ الإجمالي للقرض الائتماني الذي وعد صندوق النقد الدولي بتوفيره للحكومة التونسية بنحو 2.7 مليار دينار تونسي (نحو 1.7 مليار دولار أميركي).

يذكر أن بعثة صندوق النقد الدولي قد أدت زيارة رسمية إلى تونس خلال المدة المتراوحة بين 14 و24 يونيو الماضي وتباحثت مع عدد من كبار المسؤولين في الحكومة التونسية، وقالت: إنها «راضية عن تقدم الإصلاحات الاقتصادية» إلا أنها طالبت الحكومة في المقابل بمواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وهي تنتظر تقديم معلومات إضافية إلى هياكل الصندوق قبل اجتماعه نهاية الشهر الحالي بهدف التأثير عليها وإقناعها بجدوى وأهمية تمكين الاقتصاد التونسي من جرعة مالية جديدة تساعده لاحقا على ضمان توازنه المالي النسبي.

ويرى خبراء تونسيون في المجال الاقتصادي أن مثل تلك القرارات الاقتصادية أكثر من ضرورية لحصول الاقتصاد التونسي على القسط الخامس من القرض الائتماني الاحتياطي من صندوق النقد الدولي والمقدر بنحو 200 مليون دولار أميركي وذلك نهاية شهر يوليو الحالي.

وفي هذا الصدد، قال عز الدين سعيدان الخبير الاقتصادي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن هذا القرض هو بمثابة جرعة اقتصادية لا بد منها لإنقاذ البلاد من مصاعب اقتصادية متتالية، إلا أنه قطعا لن يمثل الحل الأمثل لتفادي الانهيار الاقتصادي بل الأولوية على حد تعبيره يجب أن تتجه إلى ضمان الإنتاج وعودة ثقافة العمل إلى موقعها الأصلي.

ويعد ملف الدعم الحكومي للمحروقات والمواد الاستهلاكية من أعقد الملفات المطروحة على طاولة التفاوض بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي الذي بات الممول الأكبر للاقتصاد التونسي في ظل تنامي المخاطر وإحجام بقية الممولين على تمكين تونس من قروض مالية.

وتلتهم منظومة الدعم في تونس سنويا قرابة 5400 مليون دينار تونسي (نحو 3375 مليون دولار أميركي) ولا يذهب منها إلى الفئات الفقيرة والمتوسطة سوى 1300 مليون دينار فيما تنتفع ببقية مبلغ الدعم عدة أطراف أخرى ليست في حاجة إلى التمتع بالدعم على غرار المؤسسات العمومية وخاصة تلك العاملة في تكرير النفط والشركة التونسية للكهرباء والغاز والمطاعم والمحلات التجارية وناقلات النفط الأجنبية والبواخر الكبرى.

ويذهب الدعم الموجه لقطاع لمحروقات بنسبة 70 في المائة لفائدة الأغنياء في حين لا يتمتع الفقراء والفئات الشعبية والمتوسطة إلا بـ20 في المائة من الدعم وهو ما جعل الحكومة تبحث عن طريقة ما لتوجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين من خلال إصلاحات هيكلية تنتظر التطبيق التدريجي إبان الفترة المقبلة.

وتشير بعض الدراسات الاقتصادية التونسية، إلى أن الكلفة الإجمالية للدعم بتونس تقدر بنحو 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام وتفوق هذه النسبة بأضعاف ما هو منصوص عليه بميزانية الدولة التي تتوقع توجيه نسبة 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام فقط ضمن سياسة الدعم. وتؤكد من ناحية أخرى على أن نفقات الدعم الموجهة للمحروقات وللمواد الغذائية ارتفعت من 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام بين 2000 و2004 لتقدر بنحو 5 في المائة سنة 2012.