نساء يروين معاناتهن من التطرف الإسلامي في أفغانستان وباكستان وإيران

قصص أربع سيدات في أوقات الاضطرابات

غلاف «ظل الهلال» و غلاف «شجر الصفصاف لا
TT

في كثير من البلاد الإسلامية، يعد شهر رمضان وقتا جيدا للقراءة. وفي هذا المقال، يرشح أمير طاهري بعض الكتب التي قد يود القارئ تصفح أوراقها في هذا الشهر الكريم.

على مدار العقود الأربعة المنصرمة، ظل الكثير من الدول ذات الغالبية المسلمة يعاني من نزاعات، وثورات، وحروب، وإرهاب، وفي الوقت الذي كانت تلك الدول تسعى إلى مواجهة التحدي المتمثل في أن يضعوا أنفسهم في مكانة مناسبة في العالم الحديث الذي يجدونه جذابا ومثيرا للاشمئزاز في الوقت ذاته، وبينما أخذ كل شخص حصة من المعاناة، فإن المرأة قد تكون عانت أكثر من غيرها.

سلطت الكثير من الكتب الصادرة حديثا الضوء على هذه النقطة بأساليب مختلفة وغالبا ما تكون مكملة لبعضها. ففي رواية «ظل الهلال»، يتألف الكتاب من 230 صفحة، نشرته دار «بنغوين»، تبدأ الروائية الباكستانية فاطمة بوتو بحكاية قصة ثلاثة أشقاء يقطنون قرية «مير علي» الوهمية التي تقع على مشارف منطقة وزيرستان التي يغيب عنها القانون، والتي تعد معقلا لفرع طالبان الباكستاني. ومع مرور الوقت وصلت الحبكة إلى ذروتها عندما ظهرت شخصيتان من الشخصيات النسائية، وهما سامراء الجميلة ومينا المشاكسة، اللتان سرقتا الأضواء وأضفيتا الصبغة الدرامية على الرواية.

ظلت دائما قرية «مير علي» مكانا مهملا، لكن ساكنيها، بمن فيهم الثلاثة أشقاء، اعتبروها أنها موطنهم واعتزموا قضاء عمرهم كله فيها. ومع صعود وتيرة الإرهاب الديني أصبح من الصعب أن يظلوا على موقفهم. ولم يعد الناس مؤهلين للذهاب مع بعضهم البعض إلى المسجد من أجل الصلاة بسبب الهجمات الانتحارية. فعلى سبيل المثال، كان الأشقاء الثلاثة يذهبون إلى ثلاثة مساجد مختلفة بحيث إنه في حالة مقتل أحدهم، في هجوم انتحاري يقوم به متطرفون، قد يبقى الآخران على قيد الحياة. وفي وقت بداية الرواية، وصلت قرية «مير علي» إلى طريق مسدود، فأصبح قاطنوها يرغبون في الهرب منها بأسرع وقت ممكن.

وتحاول بوتو أن تنسج حبكة عن مؤامرة لاغتيال سياسي زائر. بيد أن ما يجعل الكتاب مثيرا للانتباه هو أنه عبارة عن تحقيق صحافي يروي بشكل جيد جوانب الحياة القبلية والثقافية والدينية والسياسية في منطقة تأبى ألا تنصهر في باكستان. إن قوة بوتو في الملاحظة ورصانة نثرها يجعل منها كاتبة ممتازة. رواية «ظل الهلال» كتاب قصير يمكن أن يقرأ في جلسة واحدة.

فاطمة ليست بمنأى عن المآسي الشخصية الناجمة عن السياسة، فهي حفيدة الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو. وهو ما انعكس في الحبكة الفرعية للكتاب.

وفي رواية «شجر الصفصاف لا يبكي»، كتاب يتكون من 277 صفحة. نشرته دار «هيرون» للكاتبة فادية الفقير، كان الأب المفقود هو لب الفكرة الرئيسة للقصة. ففيها تسافر الراوية إلى الأردن للبحث عن والدها الذي تركها وانضم لجماعة متطرفة. وتحاول الكاتبة الموهوبة فادية الفقير أن تمزج من خلال ذلك خليطا من الملاحظات الاجتماعية والفلسفية بإيقاع سريع يأسر القارئ من البداية.

كان على بطلة الرواية، نجوى، أن تجد والدها لأنها من دونه لا تستطيع أن تعيش في مجتمع لا تتمكن فيه النساء من بناء حياة مستقلة. وحتى تعتبر المرأة في هذا المجتمع «طبيعية» لا بد أن يكون من يعولها أب أو زوج. ويأخذ البحث نجوى إلى الأردن ومنه إلى أفغانستان، في مكان قريب جدا من المكان الذي دارت فيه أحداث رواية فاطمة بوتو. تتمثل روعة رواية «شجر الصفصاف لا يبكي» أنها تتجنب الإغراء في مقابل تقديمها لبعد آخر عن الطريقة التي يؤدي بها التعصب الديني إلى عدم التسامح ومن ثم إلى الإرهاب. وبطريقة ما، كتبت فادية الفقير روايتها مستخدمة أسلوبا تدريجيا، إذ سردت التشكل البطيء والمؤلم لشخصية امرأة شابة، فكل من نجوى ووالدها شرعا في رحلتيهما بناء على أسبابهما الخاصة وكل حسب وجهته. وكلتا الرحلتين تغيرتا بشكل كبير.

إن عمل فادية الفقير يكفي لإعطاء جرعة كوميدية رائعة، أو على الأقل جرعة من الكوميديا السوداء، بالإضافة إلى عرض أمثلة عن «صراع الحضارات» بطريقة مبسطة.

إن معاناة سامراء ومينا في رواية بوتو، وشخصية نجوى في كتاب فادية الفقير أقل من التجربة التي مرت بها مارينا نعمت باعتبارها سجينة سياسية في طهران في ظل نظام الخميني. رواية نعمت التي تحمل اسم «سجينة طهران»، تتألف من 278 صفحة.. نشرتها دار «جون موراي». بدأت معاناة نعمت عندما كانت تلميذة في المرحلة الثانوية بالمدرسة في طهران وكانت تتحلى بالجرأة التي جعلتها تتظاهر ضد قرار الخميني بخفض عدد ساعات تدريس مادة الرياضيات من أجل توفير ساعة إضافية للوقت المحدد لتدريس المواد الدينية.

ألقي القبض عليها ووجهت إليها تهمة «الحرب على الله»، وألقي بها في سجن «إيفين» الموحش. وعلى الرغم من أنها كانت في سن الـ16، حكم عليها بالإعدام. وقبل يوم من تنفيذ الحكم، عرض علي - أحد عناصر حزب الله المسؤول عن السجن - على مارينا صفقة خاسرة: هي أن يتزوجها زواج متعة لفترة «مؤقتة» وفي المقابل ستنجو بحياتها!

قبلت مارينا المقايضة وأصبحت زوجة علي سرا حيث قبعت في سجن آخر اكتشفت فيه مع الوقت أنها قد اختارت الموت البطيء اليومي بدلا من موت سريع رميا بالرصاص. وفي تطور جديد لهذه القصة العصيبة، قتل علي على يد فصيل منافس للحكم الخميني. مما مكن مارينا أن تستفيد من عفو جزئي كفل لها الحرية. بيد أنها لا تزال بعد مضي عقود من الزمان غير قادرة على تحرير نفسها من سجن «إيفين» الذي استوطن بداخلها.

ما يجعل من رواية «سجينة طهران» أكثر إثارة هو نثر نعمت الرائع والهادئ. حيث تأخذنا نعمت إلى حيث لا يريد أحد الذهاب، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي للجميع الذهاب، من خلال روايتها، لإلقاء نظرة سريعة على معاناة ملايين الإيرانيين الذين كانوا وما زالوا يعانون تحت وطأة حكم الخميني.

في كل الكتب الثلاثة التي جرى استعراضها آنفا، تدور الموضوعات الرئيسة بها حول الراديكالية الدينية وأشد أشكالها ضراوة في كل من أفغانستان، وباكستان، وإيران.

بيد أن رواية «عروس أميركية في كابل»، من تأليف فيليس تشيسلر التي تتألف من 256 صفحة، من نشر دار «بالجراف»، تسرد حقيقة أن التجارب السلبية الحالية للمرأة لا تعتبر انحرافا حديثا. كانت تشيسلر منذ 50 عاما طالبة يهودية شابة من نيويورك تبحث عن الحب والمغامرة، وهي الآن شخصية بارزة من شخصيات «الموجة النسوية الثانية». أحبت شابا أفغانيا وسيما يدعى عبد الكريم، وسرعان ما تزوج الاثنان. وجاء جانب المغامرة حينما اقترح عبد الكريم انتقالهما للعيش في أفغانستان حيث عائلته. وبمجرد وصولهما إلى كابل أدركت العروس الجديدة أنها عقدت صفقة سيئة. إذ إن عبد الكريم، العريس المتأنق ذا المظهر الغربي كشف عن شخصيته الحقيقية، فقد كان شوفينيا ذكوريا أفغانيا من الذين يعتقدون أنه من الأفضل أن تقبع خلف برقعها.

ومن المفارقات أنه في عقد الستينات سافر الكثير من الشباب من أميركا ومن دول غرب أوروبا برا إلى أفغانستان بحثا عن الحب والحرية، اللذين كانا في معظم الحالات يعنيان ببساطة حرية ممارسة الجنس وتعاطي الحشيش.

لقد وجد الشباب الغربيون آنذاك، بمن فيهم الآلاف من الهيبز، أن أفغانستان ملاذ ملائم لمن يرغب في السلام والحرية لأنهم لم ينخرطوا في تفاصيل المعيشة هناك؛ مكتفين بالاستمتاع بالمناخ الرائع، والطعام والسكن الرخيص. وكان الأفغان لا يهتمون بشأن الزوار، معتقدين أنه يتعين النظر إلى غير المسلمين باعتبارهم أناسا غرباء. بيد أن تشيسلر كانت منخرطة في التفاصيل؛ حيث كان يجري التعامل معها باعتبارها أفغانية، وكان يجري تذكيرها دائما بأن الواجبات أكثر أهمية من الحقوق، وأن الحرية قيمة مبالغ فيها إلى حد كبير.

يحتوي كتاب تشيسلر - الذي يعد جزءا منه عبارة عن مذكرات والجزء الآخر عبارة عن تغطية صحافية، وجزء ثالث يتحدث عن النسوية - على رسالة مأسوية، وهي: في الستينات، رغم أن المرأة كانت تعامل بصرامة، فإن المرأة الأفغانية كانت أفضل حالا مما كانت عليه تحت حكم طالبان، بل كانت أفضل حالا مما هي عليه الآن؛ حين يعيشون في ظل الهجمات الإرهابية التي تشنها طالبان.