المؤسسات الثقافية.. لماذا تدير ظهرها للمبدعين المعاقين؟

مثقفون سعوديون يتحدثون عن مواطن خللها في التعامل معهم

جانب من معرض الرياض الدولي للكاتب
TT

قبل عقود كان بعض الأدباء السعوديين الذين فقدوا البصر لا يعدمون وسيلة للاتصال بجمهورهم، فالقرية توفر لهم مكانا مناسبا لقراءة أشعارهم وحكاية مروياتهم. اليوم تغير الوضع كثيرا، تعقدت الحياة وتشابكت خطوط الاتصال، لكن عددا كبيرا من أهل الثقافة والفن والأدب أو جمهورهم يعانون من عجز حركي أو جسدي يمنعهم من التواصل، وكان المنتظر من المؤسسات الثقافية الحديثة أن تسهل عليهم التغلب على عجزهم، لكنها نادرا ما تفعل.

هناك عشرات النماذج لمبدعين في العلم والفن والشعر والتاريخ تتقطع بهم السبل عن الوصول إلى جمهورهم.

في هذا التحقيق مع مثقفين سعوديين، نحاول أن نتعرف على معاناة هؤلاء المبدعين، وتعامل المؤسسات الثقافية، أو بكلمة أدق مواطن الخلل في تعامل هذه المؤسسات معهم، وما السبل لمعالجة مثل هذا الخلل.

* حاضنات إبداعية

* في البدء، يقول القاص والروائي السعودي حسين علي حسين: «إن المبدعين من ذوي الإعاقة أو ما يطلق عليهم (ذوي الاحتياجات الخاصة) لم يعرفوا المؤسسات الثقافية حين نسجوا إبداعهم، ولم تعرفهم هذه المؤسسات وهم يشقون الطريق نحو بناء إبداعهم. ولا يتعلق الأمر بالتقصير في شأن شريحة من أهل الثقافة تعاني من إعاقة حركية أو جسدية، فالجميع يشتكي من أداء المؤسسات الثقافية»، ويضيف حسين: «إذا كان الأصحاء من المبدعين السعوديين لا يجدون العناية الكافية، وأقصد بالأصحاء الشريحة التي تمتلك أكثر من قناة للتواصل مع كل المسؤولين والقطاعات بشكل مباشر، وتتمتع كذلك بقدرة التواصل في مختلف أشكاله دون وسيط، هؤلاء لم يجدوا حظهم من الاهتمام.. فكيف بالأديب الذي تعيقه إصابته عن التواصل.. هناك أدباء في دول عريقة من حيث الإنتاج الأدبي، يجدون، خاصة ذوي الإعاقة، عناية فائقة، رغم قلة مواردها المادية.. لكن بالنسبة لنا فإن الوضع مختلف».

حسين يلفت إلى أن الأديب المعاق لا يجد مكانا، ليس فقط في المناسبات الثقافية محليا، لكنه أيضا مهمل بالنسبة للمشاركات الخارجية. وهذا ينطبق أيضا، كما يضيف، على الأندية الرياضية والجامعات.

ويتساءل حسين: «كيف لمعرض الرياض، مثلا، وهو أضخم حدث ثقافي، أن يهمل المعاقين الذين يتقاطرون من مختلف أرجاء البلاد للمساهمة في هذا الحدث الثقافي الكبير؟ الأمر لا يتعلق بمجرد رصف ممر تسير عليه عربة معاق، بل المساهمة في تقديم المبدعين منهم عبر معارض وورش وندوات تمكنهم من الاتصال بالجمهور».

في هذا السياق، يتفق الروائي خالد خضري مع الآراء الناقدة لدور المؤسسات الثقافية في العناية بالمبدعين من فئة المعاقين، وهو يقول: «في ظني أن المثقفين والمجتمع كافة مقصرون تجاه المعاقين من المبدعين، فلا تجد اهتماما بما يقدمه المعاق من إبداع إلا نادرا جدا. للأسف، إن الجهات المعنية لم تنتبه لاستثمار إبداع ذوي الاحتياجات الخاصة حتى الآن بالشكل المطلوب، وكل ما أراه ما هو إلا مجرد مبادرات فردية بسيطة في هذا الصدد، وأعتقد أن هذا عيب وخلل كبيران تحاول بعض مؤسسات المجتمع المدني، التي بدأت تتشكل من خلال مراكز الأحياء، تعويضهما غير أنه تعوزها الإمكانيات الضرورية».

* نادي الرياض: لم نتجاهلهم

* نادي الرياض الأدبي كانت له تجربة في تقديم عدد من التجارب الإبداعية لذوي الإعاقة، من بينها تجربة القاصة الشابة مضاوي القويضي، التي تعاني من شلل رباعي، وتجربة الشاعرة نجد الثبيتي، وهي الأخرى تعاني من شلل رباعي، والشاب الكفيف سلمان الشهري الذي ألف نحو 20 كتابا.

لكن مشوار النادي لم يكتمل؛ إذ أوقف هذه المبادرات (على قلتها). واتهمت نوال الجبر التي كانت تدير النشاط الثقافي الخاص بالمعاقين في هذا النادي إدارته بأنها تتجاهل عن عمد المثقفين من ذوي الاحتياجات الخاصة. لكن رئيس نادي الرياض الأدبي، ينكر أن النادي تجاهل المعاقين، بل «يقيم لهم أمسيات بين وقت وآخر لمساعدتهم على التواصل مع الجمهور الثقافي».

وكان د. عبد الله الحيدي، رئيس النادي الأدبي في الرياض، قد نشر قبل سنوات دراسة مهمة بعنوان «صورة المعوق في الشعر السعودي» يقول فيها إن «النادي يمارس مسؤوليته الاجتماعية منذ سنوات تجاه المعوقين، متعاونا في ذلك مع عدد من الجهات الأكاديمية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، ونظم بعض الفعاليات بالتعاون مع مجموعة (تفاؤل) التطوعية، التي شارك فيها عدد من المبدعين من فئة ذوي الاحتياجات، وهناك عدد منهم له ارتباط وثيق بالنادي ويحضر فعالياته، التي كان آخرها تدشين حملة (وطننا أمانة)».

ويضيف الحيدري: «يؤمن مجلس إدارة النادي بدور هذه الفئة وأهمية دعمها، ومن بين أعضاء المجلس عضو في مجلس إدارة جمعية المعوقين، وهو بندر الصالح. وأنا شخصيا مهتم جدا بقضايا الإعاقة».

يذكر أن نادي الرياض الأدبي أعلن عن تنظيم معرض الكتاب الخيري «من إلى رمضان»، ويعود ريعه بالكامل إلى جمعية المكفوفين الخيرية بالرياض (كفيف).

* لا حاجة لأي حاضنة

* أما الروائي د. مطلق البلوي، فيرى أن «المعاقين ليسوا بالضرورة بحاجة إلى حاضنة توفرها المؤسسات الثقافية، فالكثير من عباقرة العالم قدموا إبداعاتهم رغم الإعاقة والعوز والإهمال»، ويضيف: «هناك كثير من ذوي الاحتياجات الخاصة لم تمنعهم إعاقاتهم من منح الحياة طعما من الإبداع في مختلف ضروبه، وأصبح بعضهم أصحاب ابتكارات كبيرة منذ بدء الخليقة، من بينهم العالم والمخترع الأميركي توماس إديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي وكان يعاني من الصمم».

البلوي يتفق مع الآراء القائلة بأن كثيرا من المبدعين أصحاب الإعاقة في السعودية لا ينالون الاهتمام الكافي، «فهناك غياب لأي شكل من أشكال الحاضنات الأدبية والثقافية القادرة على استثمار إبداع ذوي الاحتياجات الخاصة؛ مما أضاع فرصة الاستفادة من قدراتهم في المساهمة بصناعة الحياة المادية والاقتصادية والإنسانية. من المهم ألا ينفصل المبدعون من ذوي الاحتياجات الخاصة عن التواصل مع الآخرين ومع المحيط الثقافي، خاصة فيما يتعلق بالإنتاج الإبداعي».

ويذكر البلوي عددا من الشباب المبدعين من ذوي الإعاقة، مثل: ماجد الجارد الذي فاز بجائزة «حائل» للرواية (جائزة الأمير سعود بن عبد المحسن للرواية السعودية) عن روايته «نزل الظلام»، وهي تجربة جديرة بالاهتمام؛ حيث استحضر فيها معاناته الذاتية في سوق العمل عند بداياته.

* مبدعون قهروا الإعاقة

من الأدباء السعوديين المعروفين، د. محمد بن سعد بن محمد آل حسين (1931 - 2014) الذي عاش كفيفا، وتعلم الكتابة على طريقة «برايل» فحصل على الماجستير ثم الدكتوراه في الأدب والنقد مع مرتبة الشرف الأولى من قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالأزهر.

وهناك أيضا الأديب الأحسائي الشيخ عبد الرحمن الملا الرئيس السابق لنادي الأحساء الأدبي، وله كثير من المؤلفات التاريخية والأدبية.

وكذلك عبد الرحمن الرفاعي من جازان، وهو من الكتاب والمبدعين، على الرغم من إصابته بشلل نصفي نتيجة حادث سير تعرض له وهو في العقد الثاني من عمره. وهو يكتب في الفلسفة والنقد.

من بين المبدعين السعوديين المتميزين أيضا، مهند أبو دية، وهو مخترع ولد في عام 1987، أصيب في أبريل (نيسان) 2008 في حادث سير أدى إلى إصابته بالعمى؛ كما أدى إلى بتر ساقه اليمنى، لكنه واصل، بعد أن تشافى، مشواره الدراسي وتخرج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن متخصصا في الهندسة الصناعية مع مرتبة الشرف.