ترجيحات بانحسار نفوذ «جبهة النصرة» في سوريا بعد انهيارها أمام «داعش» في دير الزور

تراجعها مرتبط بالتطورات العراقية.. ووجودها في درعا سيتضاعف

TT

تتجه الأنظار إلى دور ونفوذ «جبهة النصرة» وهي أبرز فصيل إسلامي معارض ينتشر على مساحة سوريا، وفرع «تنظيم القاعدة» في بلاد الشام، إثر سيطرة مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» أول من أمس على معقلها في الشحيل بدير الزور، ومبايعة مقاتلين من «النصرة» «الدولة» وزعيمها أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه «خليفة» على الدولة.

وتضاعفت الأسئلة عن مصير جبهة النصرة، إذ سيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» على أكثر من ربع مساحة الأراضي السورية، واتجاه مقاتلين من «النصرة» إلى مبايعة البغدادي، والانضمام للقتال إلى صفوفها، وتجدد الاشتباكات أمس في ريف أدلب (شمال سوريا) قرب مدينة جسر الشغور، علماً أن مقاتلي «الدولة» الذين كانوا يعرفون بمقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، كانوا انسحبوا منها في شهر مارس (آذار) الماضي، على ضوء اشتباكات مع الجيش السوري الحر ومجموعات إسلامية معارضة.

ورأى الخبير الاستراتيجي إلياس حنا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديث عن انحسار نفوذ النصرة في سوريا، «سابق لأوانه في هذا الوقت»، كون القضية مرتبطة «بمجموعة أسئلة عن تمدد (الدولة) في العراق، وقدرتها على التوسع في سوريا في ظل التطورات في العراق».

وأوضح حنا، وهو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، أن توسع تنظيم الدولة في سوريا «بلا شك سيبتلع جبهة النصرة، نظرا لإمكاناته المالية وتجهيزاته واعتدته العسكرية، مما سيدفع مناصري النصرة إلى مبايعة (الدولة)»، مشيرا إلى أن «التطور العراقي وحده، يمكنه أن يحد من توسع الدولة». وقال: «إذا انشغل مقاتلو الدولة في العراق بحرب واسعة، فإن ذلك سيعيق تقدمهم إلى سوريا، ويحمي النصرة من الذوبان في صفوف الدولة»، لافتا إلى أن قضية بقاء «النصرة» مرتبط أيضا بعوامل أخرى، مثل «الأسئلة عما إذا كانت قادرة على مقارعة النظام وحدها، وغيرها من الأسئلة العقائدية والميدانية».

والواقع أن نفوذ «النصرة»، بدأ ينحسر في الميدان السوري، نتيجة تقدم «الدولة» والمبايعات. ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن نفوذ النصرة «بدأ يتراجع في شرق وشمال سوريا، لينحصر في أرياف حلب وأدلب وحماه». أما في محيط العاصمة، فإن «النصرة» انحصر نفوذها في بعض مناطق القلمون، التي تشهد اشتباكات متواصلة مع القوات الحكومية مدعومة بمقاتلي حزب الله اللبناني، بعدما أعلن مقاتلو النصرة في الغوطة الشرقية مبايعتهم لتنظيم الدولة، إثر اشتباكات مع «جيش الإسلام»، بحسب عبد الرحمن الذي أكد أن معقل النصرة، بعد دخول معقلها في دير الزور، تحول إلى درعا البعيدة جغرافياً عن نفوذ «الدولة».

وأيده في ذلك العميد إلياس حنا الذي رأى أن البعد الجغرافي لدرعا أهلها لتكون معقلاً للنصرة، «كون تنظيم الدولة اكتسب قوته من وجوده في العراق وتمدد إلى سوريا»، لكنه لم يستبعد أن يتأثر جمهور النصرة بتقدم «الدولة» في مواقع أخرى في سوريا بعد دير الزور والرقة والحسكة. وأوضح حنا أن إعلان الدولة «زرع الشقاق في الحركات الجهادية، وقسمها عقائدياً أيضا إلى جانب التقدم الميداني والعسكري»، مما يشير إلى احتمال «انضمام غير الموالين لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري إلى الدولة الإسلامية التي باتت أمرا واقعا في مناطق شرق سوريا».

وتعد المبايعة التي قدمها مقاتلون متشددون لزعيم «الدولة» أبو بكر البغدادي، آخر التطورات على صعيد ابتلاع التنظيم للمقاتلين المتشددين الأجانب والمهاجرين الذين وصلوا إلى سوريا. وبدأ القتال الداخلي بين المقاتلين المعتدلين والإسلاميين والفصائل المتشددة من جهة، ومقاتلي تنظيم «داعش» من جهة أخرى، مطلع العام الحالي في دير الزور وريف حلب وأدلب والساحل السوري، وتصاعدت مختلف تلك المناطق منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، على الرغم من سيطرة «داعش» على الرقة واتخاذها معقلاً له في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وأكد رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أن تنظيم الدولة في هذا الوقت، بات عمليا «أقوى تنظيم مسلح متماسك في سوريا»، مشددا على أنه «بعد سقوط دير الزور بيد مقاتلي الدولة، بدأ انحسار وجود جبهة النصرة»، قائلا: «هذا الأمر لم يكن مستغربا بالنسبة لنا لأن معقل جبهة النصرة ومقر قائدها في الشحيل بدير الزور، انتهى تحت سيطرة الدولة» أول من أمس.

وقال عبد الرحمن إن احتمالات تقديم مقاتلي النصرة البيعة للبغدادي، «كبيرة جداً بصرف النظر عما يقوله مفتو جبهة النصرة وقضاتها الشرعيون»، قائلاً إن التنظيمين «يمتلكان فكراً واحداً تجاه إقامة الدولة، والآن يعتبر بعض المقاتلين المهاجرين في النصرة أن الدولة تحققت عبر (الدولة الإسلامية) وتمتد أكثر، وهو ما يعتبر أمرا كبيرا جدا، إضافة إلى توافر الإمكانات الموجودة عند الدولة من مال وسلاح». وبصرف النظر عن خسائر جبهة النصرة في القلمون، وخسارتها نفوذها في الغوطتين بفعل تنامي جيش الإسلام الذي يقوده زهران علوش، والجبهة الإسلامية، إضافة إلى الخسائر التي منيت بها في معاركها بوجه النظام، فإن وجودها في حلب لا يزال كبيراً، كما قال عبد الرحمن، كذلك في ريف حمص الشمالي، وريف حماه الشمالي والشرقي، كذلك في ريف أدلب الجنوبي، والأهم هو وجودها الكبير في درعا والمناطق الحدودية مع إسرائيل جنوب سوريا.