إعفاء إمام مسجد تونسي من مهامه بسبب رفضه إقامة صلاة الجنازة على جندي بدعوى أنه من «الطواغيت»

تحالف الجبهة الشعبية يدعو إلى الإسراع بعقد مؤتمر وطني لمكافحة الإرهاب

تونسيون يشعلون الشموع خلال مسيرة نظمت أول من أمس للتنديد بالإرهاب ومقتل الجنود الأربعة إثر انفجار لغم زرعه ارهابيون (رويترز)
TT

أعفت السلطات التونسية، أمس، إمام مسجد رفض إقامة صلاة الجنازة على جثمان جندي قتل في انفجار لغم زرعته عناصر إرهابية بدعوى أنه من «الطواغيت».

وقالت وزارة الشؤون الدينية في بيان لها أمس إنه «جرى إنهاء تكليف إمام جامع ببن قردان، بعد أن ثبت لديها عن طريق مصالحها الجهوية رفضه إقامة صلاة الجنازة على جثمان أحد شهداء جنودنا البواسل».

وأثار إمام المسجد الكبير في مدينة بن قردان في الجنوب التونسي جدلا بسبب امتناعه عن إمامة المصلين في صلاة الجنازة على أحد الجنود الأربعة، الذين قتلوا الأربعاء الماضي في جبال ورغة، غرب تونس، في انفجار لغم أثناء تعقبهم لعناصر إرهابية.

ونقل شهود لوكالة الأنباء الألمانية أمس أن الإمام رفض إمامة المصلين بدعوى أن قتلى الجيش والأمن «طواغيت»، ولا تجوز الصلاة عليهم، ما فجر حالة من الاحتقان في صفوف المئات من المصلين الذين هموا بالاعتداء عليه، لكن الشرطة حالت دون ذلك.

وتطوع أحد المصلين لإمامة الناس في صلاة الجنازة، التي حضرها نحو 600 شخص.

يشار إلى أن مصطلح «الطاغوت» يطلقه عادة بعض السلفيين المتشددين على عناصر الجيش والأمن.

وقالت الوزارة في بيانها أمس إنها «تؤكد رفضها وتصديها لكل فكر تكفيري على منابرها، وتدعو الأئمة وكل الأطر الدينية إلى الالتزام بخطاب ديني وسطي معتدل، يجمع ولا يفرق، والتحلي بروح المسؤولية والوطنية والالتزام بقيم الإسلام السمحة».

وبحسب روايات المصلين سبق أن عين الإمام، الذي لم تكن تظهر عليه علامات التشدد، من قبل وزارة الشؤون الدينية حديثا في الجامع الكبير ضمن خططها لتحييد المساجد في البلاد قبل حلول موعد الانتخابات، كما تنص على ذلك خريطة الطريق للحوار الوطني.

وكشف عبد الستار بدر، مدير الديوان بوزارة الشؤون الدينية، في وقت سابق عن وجود جماعات داخل مساجد، قامت بالاستيلاء عليها، وهي تروج لفكر متشدد مستورد وتتلقى أموالا في مقابل ذلك. وأعلنت وزارة الشؤون الدينية الأسبوع الماضي أن أربعين مسجدا لا يزالون خارج سيطرتها.

على صعيد متصل، قال محمد علي العروي، المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية، إن وحدات الحرس الوطني ألقت القبض على أحد العناصر الإرهابية القيادية المرتبطة بمجموعة جندوبة الإرهابية، بعد عملية استعلامية ميدانية. وأضاف في تصريح لوسائل الإعلام أن الشخص المتهم بالإرهاب «يخضع حاليا للتحقيق من قبل الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب».

وأعلنت القناة التلفزيونية الوطنية الأولى (قناة حكومية) أنها بثت مساء أول من أمس معلومات واعترافات هذا العنصر الإرهابي في برنامج، وذكرت أن الحوار قدم حقائق مثيرة واعترافات خطيرة للبوسعايدي العنصر الإرهابي، الذي اعتقلته قوات الأمن بولاية (محافظة) جندوبة، الواقعة شمال غربي تونس.

وأضافت المصادر ذاتها أنه تحدث عن المجموعة الإرهابية التي كان ينتمي إليها، وعن قياداتها وتحركاتها في الجبال وعلاقاتها بباقي المجموعات والخلايا الإرهابية، وظروف العيش داخل المغاور والكهوف، وكذلك معطيات حول الأسلحة والألغام المستعملة، وكذا أهداف هذه المجموعة الإرهابية من خلال العمليات التي نفذتها.

وشارك البوسعايدي في عملية «أولاد مناع» الإرهابية، التي وقعت يوم 16 فبراير (شباط) 2014، وراح ضحيتها ثلاثة أمنيين ومواطن تونسي في كمين مسلح، كما جرح أربعة آخرون. وكان البوسعايدي متحصنا في جبال فرنانة قبل إلقاء القبض عليه بمسقط رأسه القريب من الجبل، بعد متابعة دقيقة لتحركاته، وكان يرتدي جبة ولا يحمل سلاحا، وبدا في حالة نفسية سيئة، حسب مصادر أمنية.

وبسبب هيمنة الوضع الأمني على الأحداث في تونس، نفذت، مساء أول من أمس، مجموعة من الأحزاب السياسية والجمعيات، بمشاركة المجتمع المدني، مسيرة رمزية احتجاجية في ساحة القصبة بالعاصمة، أضيئت فيها الشموع ترحما على أرواح العسكريين الأربعة الذين قتلوا إثر انفجار لغم بجهة الكاف شمال غربي تونس.

وطالب المحتجون بضرورة نبذ العنف والترهيب، وأعلنوا رفضهم الخنوع لمخططات الإرهاب والخضوع. وارتدى الكثير منهم الأعلام الوطنية، في إشارة إلى تشبث جميع التونسيين بهويتهم، وحقهم في الحياة دون خوف من أي جهة إرهابية.

وفي مدينة الكاف، قالت قيادات سياسية وحقوقية ونقابية إنها ستواصل تنظيم مسيرات ليلية على امتداد شهر رمضان للتنديد بالإرهاب، والتعبير عن وقوفها إلى جانب المؤسسة العسكرية والأمنية.

في السياق ذاته، دعا حمة الهمامي، رئيس حزب العمال والمتحدث باسم تحالف الجبهة الشعبية (تجمع مكون من 12 حزبا يساريا وقوميا) إلى الإسراع بعقد مؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «عقد هذا المؤتمر يعد ضرورة، هدفها إيجاد استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب».

ووجه الهمامي اتهامات إلى الحكومة والمجلس التأسيسي (البرلمان) بالتقصير في هذا المؤتمر، الذي كان من بين الوعود الأولى التي قطعها مهدي جمعة على نفسه خلال توليه رئاسة الحكومة، وقال إن «مقاومة الإرهاب لن تكون مجدية بالاعتماد على المعالجة الأمنية وحدها، بل إن تونس في حاجة إلى استراتيجية وطنية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار كل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لحل المشكلة».

واتهم زياد الأخضر، القيادي في الجبهة الشعبية، بعض الأطراف السياسية بتعطيل عملية التصديق على مشروع قانون مكافحة الإرهاب المعروض حاليا للنقاش داخل المجلس التأسيسي، وقال إن هذا القانون يعد ضرورة ملحة لحماية أمن تونس.

ووفق مصادر برلمانية، من المنتظر أن يصادق المجلس التأسيسي على قانون مكافحة الإرهاب في صيغته الجديدة قبل يوم 21 يوليو (تموز) الحالي، تاريخ دخول أعضاء المجلس في عطلة برلمانية.

وتنادي، عدة أحزاب سياسية بضرورة الإسراع بالتصديق على هذا القانون الذي سيشمل مختلف الحلقات الإرهابية ويمكن المؤسسة العسكرية من ملاحقة العناصر الإرهابية في كل الأماكن، بما في ذلك المناطق السكنية.