رجال دين وسياسيون رحبوا بقرار العاهل المغربي منع أئمة المساجد من السياسة

أصدر أربعة قوانين جديدة في إطار سياسته لإصلاح الشأن الديني

(من اليمين الى اليسار) حسن الكتاني، محمد كرين، آمنة ماء العينين، محمد خليدي
TT

رحب رجال دين وسياسيون مغاربة بالقرار الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، والمتمثل في الظهير (مرسوم) الملكي الذي يمنع الأئمة والخطباء طيلة مدة أدائهم لوظائفهم من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، أو اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية، أو القيام بأي عمل من شأنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية، كما أكد على ضرورة التزام الخطباء والأئمة والمؤذنين بأصول المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، وتجنب أي عمل يتنافى مع طبيعة مهامهم.

وقال محمد خليدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة ذي المرجعية الإسلامية، إن هناك بالفعل خطباء ومرشدين دينيين لديهم انتماءات سياسية، لكنه تساءل: «كيف يمكن تطبيق هذا الحظر على أرض الواقع، مع الاحتفاظ للعلماء بمكانتهم اللائقة في المجتمع، خاصة أن عالم الدين لعب عبر التاريخ دور الموجه والمصلح الذي يدافع عن الأخلاق والقيم».

وأوضح أن هذا المرسوم جاء، ربما، بعد أن تبين للمصالح المختصة اختراق عدد من المساجد من قبل أئمة لديهم انتماءات سياسية لا يفصحون عنها، وأضاف أن هناك خشية من استغلال المساجد بهدف توجيه الناس سياسيا، لا سيما أن المغرب مقبل على استحقاقات انتخابية.

وأشار محفوظ السعيدي، الباحث المغربي في السياسة الدينية، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يمنع فيها القيمون الدينيون في المغرب من «ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، أو اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية»، بنص قانوني. وأضاف: «هذا البند، الذي استأثر باهتمام المتتبعين، له ما يبرره، بالنظر إلى أن رسالة القيِّم الديني يفترض أن تجري في إطار من الحياد، بعيدا عن أي تأثير سياسي أو أي مذهب آيديولوجي من شأنه أن يفرغ الإرشاد الديني من محتواه».

ويرى السعيدي أن هذا القانون «دشن مرحلة جديدة في عمل القيم الديني، من خلال تحديد المهام التي يتعين عليه التقيد بها في تدخلاته الدينية، وهي مسألة جديدة في تدبير الشأن الديني، إذ أصبح المغرب يتوفر، لأول مرة، على نص قانوني يحدد مهام القيم الديني بشكل واضح، ويترتب على الإخلال بها إجراءات قد تصل إلى منعه من مزاولة المهام المنوطة به».

من جهته، قال المرتضى إعمراشي، وهو إمام وخطيب من مدينة الحسيمة (شمال المغرب)، بخصوص صدور القانون الذي ينظم عمل القيمين الدينيين: «يستمر المغرب في تحقيق الاستثناء بين الدول العربية والإسلامية، وإصلاح مؤسساته، مستفيدا من الأخطاء التي وقعت فيها دول أخرى، حيث شاهدنا تداخل اختصاصات رجل الدين بالسياسي في مصر، الذي جرّ أكبر دولة عربية إلى العنف الديني». وأضاف إعمراشي: «بهذه المبادرة الملكية، التي تحتاج إلى مجهود من طرف المجالس العلمية لمراقبة تنفيذها، كما أمر الملك، تكون بلادنا قد قطعت الطريق أمام أي فصيل سياسي لاستغلال العاطفة الدينية للمغاربة، ولتحصيل مكاسب سياسية».

ويرى حساين اختو، الأستاذ بدار الحديث الحسنية، أن «مهمة القيم الديني هي تأطير الناس وتكوينهم في المجال الديني. لهذا فعندما نتحدث عن الجانب السياسي علينا أن نميز بين الحالة التي يعالج فيها القيم الديني موضوعا سياسيا بتجرد، وبهدف نشر الوعي والمعرفة وتنوير عقول الناس، وبين الشخص الذي يستغل منابر المساجد لأغراض مصالح سياسية ضيقة، أو لنشر الفتنة والبلبلة وزعزعة الاستقرار».

بيد أن حسن الكتاني، أحد شيوخ السلفية المغاربة المفرج عنهم، عد حظر ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي على الأئمة والخطباء، تضييقا عليهم، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرى أن هناك تضييقا على الدعاة في هذه البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، في إطار ما سمي بتأهيل الحقل الديني.

من جهته، رأى النائب الروداني الشرقاوي، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، أن مواجهة تغلغل الأفكار المتطرفة والتكفيرية أصبحت تقتضي تأطير الحقل الديني، والحرص على وضع مسؤوليته بين أياد أمينة من أجل تحصينه من الاختراقات وحماية الأمن الروحي للمغاربة، وقال إنه إذا كانت «السياسة بمقارباتها وأفكارها من اختصاص السياسيين، فإن أمور الدين بفتاواها وفقهها يجب أن تكون من اختصاص رجال الدين. ويجب أن لا نخلط بين هذه الأمور، ويكفي أن ننظر إلى تجارب دول قريبة منا لنأخذ العبرة من المشاكل أو المصائب التي يمكن أن تحدث بسبب هذا الخلط».

وأضاف الشرقاوي: «حقق المغرب نجاحا كبيرا في مجال الإصلاح الديني لأنه اختار مقاربة عقلانية وتدريجية لهيكلة الحقل الديني، انطلاقا من تكوين المرشدين، ووضع خريطة للمساجد وتأهيل وترقية دورها في المجتمع».

ويرى محمد كرين، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية اليساري، أن المرسوم الذي ينص على منع الخطباء وأئمة المساجد من ممارسة العمل السياسي «جاء ليحمي الدين من السياسة؛ لأن الخطباء والقيمين على المساجد ينبغي أن يظلوا بعيدين كل البعد عن السياسة ونزاعاتها حتى نضمن للمسلمين تأدية شعائرهم داخل المساجد بهدوء، وبعيدا عن أي تأثيرات قد تخلق التشنج وتؤثر سلبا على الطمأنينة داخل بيوت الله».

وعد كرين المرسوم الملكي مبادرة إيجابية تكرس روح الدستور المغربي الذي جعل الشأن الديني من اختصاص الملك، باعتباره أمير المؤمنين، وذلك حتى يبعد الدين عن الصراعات السياسية، وتأسيس تجربة مغربية متميزة تضمن فصل الدين عن السياسة، لا سيما في الحملات الانتخابية.

وأضاف المسؤول الحزبي أن المرسوم الملكي لم يأت إلا لتوضيح الأدوار؛ «فإما أن تكون إماما أو قيما على مسجد، أو تختار الانتماء إلى حزب سياسي»، موضحا أنه لا يمكن أن ندخل المشترك الديني للأمة والمجتمع في لعبة السياسة، التي تعتمد أساسا على التناوب والتداول وتغيير برامج ببرامج أخرى، بينما الدين مبني على ثوابت لا تتغير.

من جانبه، قال النائب عبد الصمد الإدريسي، القيادي في حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية (متزعم الائتلاف الحكومي)، إن المرسوم «ليس سوى تكريس لأمر واقع. فحسب الممارسة والعرف السائد، فإن الخطباء المغاربة لا يخوضون فيما هو سياسي. والسياق الذي جاء فيه القرار سياق عادي، بيد أنه يمكن ربطه بكون المغرب مقبلا على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية العام المقبل».

من جهتها، عدت آمنة ماء العينين، النائبة عن حزب العدالة والتنمية، القرار أمرا طبيعيا لأنه يفترض بالقيمين على المجال الديني التزام الحياد، واتخاذ نفس المسافة من مختلف الاتجاهات السياسية، حماية لأماكن العبادة من التوظيف السياسي والانتخابي، وهو ما قد يزيغ بها عن رسالتها الأصلية، وأشارت إلى أن الخوض في القضايا السياسية ينبني على تقديرات الأشخاص، في حين ينظر الناس إلى الأئمة على أنهم وعاظ يبنون مواقفهم على أسس شرعية لا تقبل المناقشة، ولذلك وجب تحييد القائمين على المجال الديني، وفصل وظيفتهم عن التوجيه السياسي والنقابي، حسب رأيها.

يشار إلى أن العاهل المغربي كان قد أصدر أربعة قوانين أساسية جديدة، في إطار مواصلة سياسته لإصلاح وهيكلة الشأن الديني بالبلاد، ويتعلق القانون الأول بوضع برنامج لمحو الأمية بالمساجد، والثاني بإحداث جائزة محمد السادس لبرنامج محو الأمية بالمساجد، والثالث بإحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، والرابع بتنظيم مهام القيمين الدينيين من أئمة وخطباء ومؤذنين، وتحديد وضعياتهم وحقوقهم والتزاماتهم. وصدرت القوانين الثلاثة مباشرة عن الملك في شكل ظهائر (مراسيم ملكية) من دون المرور من البرلمان، اعتبارا للصلاحيات التي يخولها دستور البلاد للملك، باعتباره أميرا للمؤمنين والمسؤول الأول عن تدبير وصيانة الحقل الديني.