فشل جديد لـ«القاعدة» داخل السعودية

ملامح منافسة على الإرهاب بين التنظيم وداعش

TT

حاول تنظيم القاعدة المنهار في السعودية تقديم نفسه للواجهة الإعلامية في اليومين الماضيين عندما عمد التنظيم لمواجهات مسلحة مع قوات الأمن السعودية بالقرب من منفذ الوديعة في شرورة (جنوب السعودية).

واتفق محللون متخصصون في المجالين الأمني والسياسي أمس على أن تنظيم القاعدة في السعودية لم يعد يملك من القوة ما يؤهله للمواجهات المسلحة، لكن التنظيم نفسه يملك بعض القوة في اليمن، لكنه هناك أيضا جريح يعيش أصعب مراحله، ومع ذلك قد يؤذي.

ورجح المحللون قرب انتهاء تنظيم القاعدة بشكل تام، مقابل ارتفاع نجم تنظيم دولة العراق والشام (داعش)، وهو تنظيم آخر خرج من رحم تنظيم القاعدة، فيما خرج تنظيم القاعدة من رحم الإخوان.

وعد المحللون أن تنظيم القاعدة من الناحية التكتيكية والاستراتيجية والتنظيمية في منتهى الضعف، وأنه أقرب إلى الانتهاء، خاصة بعد أن تراجع مستوى التعاطف الديني مع هذا التنظيم، سواء على مستوى السعودية أو على المستوى الإسلامي، مع التشديد على أن القدرات الميدانية لأعضاء التنظيم تضعضعت بالفعل.

وفي هذا الخصوص، رأى الدكتور أحمد الموكلي الخبير الأمني المتخصص في شؤون الإرهاب، أن تنظيم القاعدة يمر بمرحلة ضعف بعد القضاء على معظم قيادته في السعودية واليمن، واستراتيجية التنظيم في هذه الحالة اللجوء إلى التضخيم الإعلامي بحيث يقوم بعملية يصفها بالنوعية ومن ثم يطلق عليها غزوة ويقوم بالترويج من خلال أدواته الإعلامية المتوفرة كما حدث في محاولة اغتيال وزير الداخلية.

وبالعودة إلى حادثة الوديعة، قال الموكلي إن العملية تزامنت مع مرور خمس سنوات على محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، وبالتالي استهداف سجن المباحث يصب في هذا السياق، فأي منشأة أخرى يجري استهدافها لن تحقق الهدف الإعلامي الذي تسعى إليه «القاعدة» والذي يشير إلى وجودها بعد أن سحبت «داعش» البساط منها في الشام والعراق.

وعن عدم إعلان «القاعدة في اليمن» عن تبنيها للعملية، بين الموكلي أنه ليس بالضرورة أن يعلن عن العملية الإرهابية بعد الحادث مباشرة، فهناك ترتيبات تقوم قبل إصدار أي بيان، وقال: «في ظني أن ذلك لن يتجاوز الـ48 الساعة المقبلة، أما إذا كان هناك خلاف، فإن البيان لن يشير لذلك، ولكن ربما يشار إلى الجماعة التي نفذت العملية بأنها كتيبة تابعة للتنظيم».

وعن اختيارهم للتوقيت الزمني للقيام بالعملية أوضح الموكلي أن هذه الفئة الضالة ترى نفسها في جهاد ويشرع للمجاهد ما لا يشرع لغيره في انتهاك الحرمات والواجبات التي فرضها الله، لافتا إلى السلوك نفسه الذي كان يتبعه أعضاء «القاعدة» في السعودية في عدم صلاتهم بالجماعة في المساجد للحجج ذاتها.

وقال: «في ظني من يستبيح دم المسلم لن يأبه بما سواه، ناهيك عن أن هذا الوقت هو الوقت التكتيكي بالنسبة لهم للقيام بعملية الهجوم، فهم يدركون أنه يوم جمعة مباركة في شهر مبارك، وبالتالي فإن غالبية الحراسات ستكون حتما في المسجد لأداء الصلاة».

ويقول الدكتور فايز الشهري عضو مجلس الشورى السعودي والخبير الأمني إن الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة شرورة الحدودية، ناجم في الأساس عن الضعف الأمني في الجانب اليمني، وقال: «الوضع الأمني للجانب اليمني من المنفذ لم يكن بالشكل المطلوب». وتابع: «اختارت الخلية الإرهابية الموقع والتوقيت؛ فالمنفذ الحدودي على أطراف الربع الخالي، تتشاركه مع السعودية دولة مضطربة أمنيا، والتوقيت يوم إجازة ووقت صلاة الجمعة، مما سهل المهمة للوصول إلى الجانب السعودي الذي تعامل مع الحدث الأمني كما يجب».

ويشير الشهري إلى أن دخول الخلية إلى المدينة والتحصن في مقر أمني يؤكد عدة حقائق، أولها أن المواجهة الأمنية كانت مع أشخاص أتوا ليموتوا، ولا يوجد أي أفق آخر لهم، ويشدد: «أتوا ليموتوا، وهذه عقيدة يائسين ومشوشين فكريا»، لافتا إلى أنها سمة التنظيمات الإرهابية، يتابع الشهري: «الأمر الثاني أن الحرب مع الإرهاب تتمثل في (قوات نظامية في مقابل تنظيمات وعصابات إرهابية) وتعتمد هذه الحرب من قبل الإرهابيين على الخدعة والمخاتلة والقتال اليائس (الانتحار)، وهذه ليست عقيدة القوات النظامية، وعند الحرب بين قوتين نظاميتين فالأمر يختلف، لذلك قواعد الحرب مع الإرهاب تختلف تماما عن قواعد قتال الجيوش والقوات النظامية»، في إشارة منه إلى دخول الخلية إلى عقر مدينة تعد من المدن العسكرية ودخول خلية إرهابية لها يعد انتحارا بكل المقاييس، ومحكوم عليه بالفشل المؤكد.

ويضيف الشهري قائلا: «كان الدخول لعدة أفراد (خلية إرهابية)، وتم التعامل مع الحادث كما يجب من قبل القوات الأمنية». وأضاف: «العملية من بدايتها إلى نهايتها كانت عملية يائسة، فمن يخترق نقاطا أمنية ويتحصن في مقر أمني وهو (مزنر) بحزام ناسف، ليس لديه أي هدف سوى إعلان بطولة زائفة، وإحداث نوع من البلبلة، وفي النهاية كان مقتنعا بأنه (ميت) لا محالة». وعدَّ الشهري الخبير الأمني أن حادث شرورة مرحلة من مراحل اليأس التي تعيشها التنظيمات الإرهابية بعد فشلها في استهداف الأمن السعودي وإحداث الفوضى.

وتابع: «كانت هناك عدة محاولات على النقاط الحدودية السعودية مع الجانب اليمني سابقا في منطقة جازان، كلها باءت بالفشل، وتمكن الأمن السعودي من دحر خلايا وتنظيمات الإرهاب وعناصره بشكل واضح وجلي، ولم يبق للخلايا الإرهابية إلا هذه المحاولات اليائسة».

وحول رصد تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تتحدث عن الحادثة قبل يومين من وقوعها قال الدكتور فايز الشهري: «كل الحسابات الأمنية مرصودة ومتابعة». وأضاف: «أكثر هذه الحسابات والقائمون عليها يبحثون عن بطولة إلكترونية لا أكثر، ومحاولة تقديم نوع من البطولات للتنظيمات الإرهابية بأن لها عمقا داخليا وترحيبا من قبل متابعين سعوديين»، في إشارة إلى أنهم يحاولون إيهام المتابعين والمراقبين.

وزاد الشهري: «مما يثير الشك حول من يدير هذه الحسابات بأن لهم صلة باستخبارات دولة معادية تدعم هذه التنظيمات». وقال: «كل هذه العمليات تخضع لأجندات ومصالح دولية غير خافية، والأمور بغاياتها، وإلا فلماذا استهداف مناطق معينة في العراق، لإثارة الفتنة الطائفية، بينما هناك حدود لدول على عداء عقدي مع هذه التنظيمات لا تمسها ولا تقترب منها؟ مما يؤكد أن هذه التنظيمات تعمل بتوجيهات استخباراتية لزعزعة أمن المنطقة».

من جهته بين دكتور يوسف الرميح الخبير الأمني أن تنظيم القاعدة منهار منذ عدة سنوات، وأن ما يوجد الآن ليس إلا مجموعات عشوائية من شباب يقودون أنفسهم ويدعون انتماءهم للتنظيم، ولكن لا يوجد تنظيم واضح كما كان في السابق، وهذا يعود للقضاء عليه، وبقاء أفراد صغار شكلوا مجموعات يتسمون باسم «القاعدة» ولا تعلم «القاعدة» عنهم شيئا.

ورأى الرميح أن «القاعدة» في هذه الفترة ومن الناحية التكتيكية والاستراتيجية والتنظيمية في منتهى ضعفها، وهي أقرب للانتهاء، بعد انهيار الزخم الفكري والإعلامي والاستراتيجي الذي كان منهالا عليها، مشبها وضع التنظيم بـ«الجريح» الذي يكون في أخطر مراحله، ولكن يجب أن لا يستهان به.

وعدّ ادعاءهم الإسلام ونصرته لا يمت للدين بأي صلة وهذا ما أكده هجومهم على مسلمين صائمين في وقت أداء صلاة الجمعة، مستنكرا ما ينادون به وما يفعلونه، فالإسلام يحرم قتل المسلم لأخيه المسلم والسطو والاعتداء، وما قاموا به عكس ذلك تماما، وهذا يؤكد فكرهم المتطرف وتناقضه، وافتقارهم حتى لأخلاقيات العصابات، فما يقومون به يؤكد عدم وجود فكر وأخلاقيات للعمل.

ووصفهم الرميح بالجماعات البربرية التي تقاتل كيفما شاءت وأنهم يفتقرون حتى لأخلاقيات العصابات المنظمة.

«القاعدة» لها استراتيجية معينة في استهداف المناطق الأمنية، بعد أن أحبط الأمن ودمر مخططاتهم وقبض على أعضائهم وزج بهم في السجون، ومن المتوقع أن يكون عدوهم الأول الجهات الأمنية.

وشدد على أن هذه البلاد آمنة بحول الله، وعلينا استعادة فكرة الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله التي كانت تنادي بأن «المواطن هو رجل الأمن الأول»، ونشر الفكر الأمني الاستباقي من خلال التأكيد على المواطنين بأن أمن البلاد وحمايته مسؤوليتهم.

* عضو هيئة كبار العلماء: منفذو التفجير خوارج

* قال الشيخ علي الحكمي عضو هيئة كبار العلماء السعودية إن أتباع تنظيم القاعدة الذين عمدوا لتفجير نفسيهما أمس في الحد الجنوبي للبلاد «ليسوا شهداء، بل هم في حكم الخوارج».

وعدّ الحكمي أن حادثة منفذ الوديعة اخيرة دليل آخر من مئات ادلة على أن الفئة الضالة «هي كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم يقتلون أهل الإسلام وأنهم يمرقون (أي يخرجون) من الدين كما يمرق السهم من الرمية».

وشدد على أن الإسلام برئ من هذه الفئة ومن أعمالها وأن ما تقوم به إنما هو لمصلحة أعداء اسلام والمسلمين «حتى أصبح انسان العاقل يساوره شك في أن هؤء يبطنون ويخفون عكس ما يدعون من الغيرة على الإسلام، بل هم يقينا في صف أعدائه».

«أما لماذا أصبح من يدعي الإسلام يقتل أخاه المسلم؟ فكما قلنا هو بسبب تشربهم الضلال بالأفكار التكفيرية التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون غراض دنيئة دنيوية وخيانة للأمة والملة.