«بيت الديون» كتاب لمؤلفين من العالم الثالث يهزان عمالقة الاقتصاد الأميركي

استعرض تفاصيل الأزمة المالية وأسبابها على مدار عامين منذ اندلاعها في 2007

غلاف الكتاب
TT

فجأة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، هز كتاب جديد عمالقة الاقتصاد الأميركي، منظرين وممارسين. ليس بسبب الخلفية الجغرافية والدينية والثقافية لمؤلفي الكتاب، ولكنه تفسير مختلف جد لما حدث عام 2008. عندما بدأت الكارثة المالية في الولايات المتحدة (ثم امتدت إلى بقية العالم).

حتى الآن، ظلت النظرية الأميركية الغالبة هي أن بنوكا أفلست، وكادت بنوك أخرى تفلس. وكاد الاقتصاد الأميركي كله (والعالمي كله) ينهار. لهذا، كان لا بد أن تسرع الحكومة الأميركية، وتنقذ هذه البنوك. وفعلا، دفع دافع الضرائب الأميركي قرابة تريليون دولار لإنقاذ هذه البنوك. ولتأمين الاستقرار، والاستثمار.

لكن كتاب «هاوس أوف ديت» (بيت الديون) يقول إن البنوك ما كان لها أن تفلس، أو تواجه الإفلاس، لولا أن الناس لم يقدروا على دفع ديون البنوك عليهم، خاصة بعد أن زادت هذه الديون، بسبب إغراءات البنوك. وبسبب شعاراتها البراقة، مثل: «بورو أند باي» (استلف واشتري). وخاصة في مجال شراء المنازل.

صارت البنوك تقدم قروضا بفوائد قليلة، وأحيانا من دون فوائد، لناس كان واضحا للبنوك أنهم لن يقدروا على إعادتها كلها، أو حتى ربما نصفها، أو حتى ربما ربعها.

لهذا، كما يقول الكتاب، عجز ملايين الناس عن دفع تريليونات الدولارات للبنوك. ولهذا، كان لا بد أن تفلس البنوك.

ولهذا، أخطأت الحكومة الأميركية، لأنها أنقذت البنوك. وكان لا بد أن تنقذ ملايين المدينين (حتى يقدر هؤلاء على دفع ديونهم، وحتى يعود الاستقرار للبنوك).

مؤلفا الكتاب أميركيان باكستانيان، من الجيل الجديد الذي ولد في أميركا؛ الأول د. عاطف ميان أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون. والثاني د. أمير صوفي أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو.

منذ أن بدأت الكارثة المالية عام 2008، بدا كل واحد منهما (كان كل واحد لا يزال حديث عهد بالتدريس، وبعد سنوات قليلة من حصوله على الدكتوراه) يكتب في الصحف والمجلات عن أسباب وحلول الكارثة. ومنذ البداية، ركز كل واحد على هذه النظرية التي ركزا عليها في الكتاب؛ المشكلة هي الغارقون في الديون، والحل هو تقديم قروض لهم ليدفعوا ديونهم إلى البنوك (ولن تحتاج البنوك لقرابة تريليون دولار قروضا من الحكومة).

خلال كل هذه السنوات من الكتابات والمناقشات، لم يكن نجم كل واحد منهما ظاهرا كثيرا على أفق أساتذة وخبراء الاقتصاد الأميركي. حتى ظهر الكتاب.

ربما ساعدهم الحظ. وذلك لأن لورنس سمارز كتب عن الكتاب. هذا هو وزير الخزانة في عهد الرئيس كلينتون، ثم رئيس جامعة هارفارد، ثم مستشار الرئيس أوباما، والآن أستاذ مرموق في هارفارد. انتقد سمارز الكتاب. لكن، أشاد به.

انتقده، طبعا، لأن سمارز، مع كثير من عباقرة وأساتذة الاقتصاد الأميركي، قدموا تفسيرا مختلفا لأسباب الكارثة. وبالتالي، حلا مختلفا؛ أفلست البنوك، وإذا لم تنقذها الحكومة، تنهار، وينهار الاقتصاد الأميركي (والعالمي).

لكن أثني سمارز على الكتاب. وكتب: «يمكن أن يكون هذا الكتاب هو أهم كتاب اقتصاد خلال هذا العام. ويمكن أن يكون أهم كتاب كُتب عن كارثة عام 2008 المالية».

بعد أيام قليلة مما كتب سامرز، صعد نجم الرجلين إلى السماء.

وهذه أهم فصول الكتاب:

أولا: فضيحة في بوهيميا.

ثانيا: الديون والدمار.

ثالثا: زيادة الديون.

رابعا: الطريق إلى الكارثة.

خامسا: فقاعة الديون.

سادسا: إنقاذ البنوك، أو إنقاذ الناس؟

يقصد الفصل الأول «فضيحة في بوهيميا»، قصة شيرلوك هولمز، المحقق البريطاني التاريخي، التي قال فيها: «بدلا من تطويع ما حدث ليكون نظرية، لنعتمد على النظرية لترجمة ما حدث».

يقصد الكتاب أن الذين دافعوا عن تعويض البنوك بعد بداية الكارثة عام 2008، كانوا يريدون، أولا، تعويض البنوك. ثم وضعوا نظرية تطابق ما فعلوا. وملخصها أن البنوك (وليس الناس) هي أساس الاقتصاد.

في البداية، يعرض الكتاب ما حدث. وملخصه أنه بين عامي 2007 و2009. فقد الاقتصاد الأميركي ثمانية ملايين وظيفة. وفشل أصحاب أكثر من أربعة ملايين منزل في دفع أقساط قروض البنوك عليهم. واضطرت البنوك لاسترداد المنازل.

هل كانت صدفة أن السنوات القليلة التي سبقت بداية الكارثة شهدت ارتفاعا كبيرا في ديون العائلات الأميركية؟

ألا يمكن أن يحدث شيء بعد أن ارتفعت هذه الديون بين عامي 2000 و2007 إلى 15 تريليون دولار؟

صارت إجابات الرجلين عن هذين السؤالين هما أساس الكتاب. قدما أرقاما مفصلة، ومقنعة (كما قال سامرز، الذي لم يختلف معهما فيما حدث، ولكن، في تفسيره، وفي حله). في الكتاب، قالا إنهما كانا لا بد أن يتأكدا من أرقامهما أكثر من مرة، وذلك لأنهما كانا يتوقعان انتقادات تبدأ بالإشارة إلى خطأ هنا، أو خطأ هناك، يفسد كل جهودهما.

ثم نشرا أرقاما من الانهيار الاقتصادي عام 1929 أثبتت النظرية نفسها: تسبق الكوارث المالية زيادة ديون البنوك على الناس، حتى تصل الديون إلى كميات تجعل كثيرا من الناس لا يقدرون على دفع أقساطها.

ثم نشرا أرقاما من المحنة الاقتصادية الحالية في أوروبا. وأثبتا الشيء نفسه.

ولاحظا أن بعض عباقرة الاقتصاد والمال الأميركيين حتى لم يشيروا إلى تفاصيل ديون الناس قبل كارثة عام 2008. ولاحظ ذلك سامرز نفسه. أولا: كتاب مذكرات هنري بولسون، وزير الخزانة في إدارة الرئيس بوش الابن، عندما بدأت الكارثة.

ثانيا: كتاب مذكرات تيموثي غايتنر، وزير الاقتصاد في إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي سار على طريق سلفه.

ثالثا: كتابات سامرز نفسه عن الموضوع.

وعن هذا، كتب سامرز، في تعليقه على الكتاب: «لا بد أن أدافع عن نفسي. لقد كنت رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض خلال سنوات الرئيس أوباما الثلاث الأولى».

ما دفاع سامرز عن أهمية إنقاذ البنوك، وليس إنقاذ الناس؟

كتب أن إنقاذ البنوك لم يكن فقط قرارا اقتصاديا، ولكن كان سياسيا أيضا. واعترف بأنه، ووزير الخزانة غايتنر، وكبار مستشاري الرئيس أوباما، بل وعدد كبير من المعلقين والخبراء الاقتصاديين، دافعوا عن تعويض البنوك خوفا من انهيار اقتصادي كامل.

واعترف بأنهم، ربما كلهم، درسوا إمكانية تعويض الناس، وليس البنوك. وأنهم وضعوا تقديرات تصل إلى نصف تريليون دولار، تصرفها الحكومة على الذين لم يقدروا على دفع ديونهم للبنوك (ثم يدفعونها، ثم يعود الاستقرار إلى البنوك).

لكن، كما كتب سامرز: «كان الكونغرس سيعارض. لهذا، صرفنا النظر».

في الحقيقة، هذا هو أساس كتاب الرجلين، عاطف ميان، وأمير صوفي. ركزا على أن البنوك تسيطر ليس فقط على الاقتصاد الأميركي، ولكن، أيضا، وأهم من ذلك، على السياسيين (لأنها تدفع لهم تبرعات مالية كثيرة).

الفرق هو أن سامرز قدم التفسير كعذر، وهو يدافع عن نفسه، وعن آخرين، بسبب الكتاب. لكن الكتاب كله يركز على هذه النقطة؛ أيهما أهم.. الناس أم البنوك؟