البلجيكيون.. قلوب حزينة ورؤوس مرفوعة

الشياطين الحمر أعادوا الحياة في شرايين كرة بلادهم

TT

تغادر بلجيكا نهائيات مونديال البرازيل 2014 وهي مطمئنة إلى مستقبلها، الذي يبدو واعدا تماما في ظل العروض التي قدمتها في النسخة العشرين من العرس الكروي العالمي بقيادة مجموعة من الشبان ومدرب جريء بشخص مارك فيلموتس. «كانت مغامرة رائعة»، هذا ما قاله قائد المنتخب ومانشستر سيتي الإنجليزي فنسان كومباني بعد انتهاء مشوار «الشياطين الحمر» في الدور ربع النهائي من نهائيات البرازيل أمام أرجنتين ليونيل ميسي وغونزالو هيغواين ورفاقهما (0 - 1).

وتابع: «كأس العالم هذه تشكل نقطة انطلاق جيدة لجيلنا. قدمنا كل شيء نملكه. الباقي من كرة القدم. ربما بعد أربع سنوات في روسيا قد نحصل على مزيد من الحظ والخبرة. من الجيد التذكير بأن فريقنا هو الأصغر سنا في كأس العالم».

سيكون «فينس ذي برينس»، كما يطلق على كومباني، في الثانية والثلاثين من عمره عندما تحل نهائيات كأس أوروبا 2016 بفرنسا، في بطولة قد يكون فيها «الشياطين الحمر» الرقم الصعب، لأن معظم لاعبيهم سيصلون حينها إلى مرحلة النضوج الكروي. تمتعت بلجيكا بأصغر معدل أعمار في نهائيات البرازيل 2014 من بين المنتخبات التي تجاوزت حاجز الدور الثاني، وضمت في صفوفها لاعبين واعدين جدا مثل ديفوك أوريجي (20 سنة) الذي فرض نفسه بصفته أحد أبرز نجوم النسخة العشرين. كما يوجد في المنتخب البلجيكي لاعبون شباب رائعون مثل: كيفن دي بروين (23 سنة)، وأدين هازار (23 سنة)، وروميلو لوكاكو (21 سنة)، أو الحارس المتألق تيبو كورتوا (22 سنة). ما هو مؤكد أن المنتخب البلجيكي نجح في مونديال البرازيل في تعويض ما فاته على الساحتين الدولية والقارية منذ 12 سنة. وعادت بلجيكا للمشاركة في البطولات الكبرى للمرة الأولى منذ مونديال 2002، إذ غابت بعدها عن نهائيات 2006 و2010 وعن كأس أوروبا 2004 و2008 و2012. وهي كانت قاب قوسين أو أدنى من تكرار ما حققته في نسخة 1986 في المكسيك حين حلت رابعة، أو نهائيات كأس أوروبا 1980 حين وصلت إلى النهائي. واللافت أن المنتخب البلجيكي يضم في صفوفه لاعبين فرضوا أنفسهم من الركائز الأساسية في أكبر الفرق الأوروبية، على غرار الحارس كورتوا الذي لعب خلال الموسم الماضي دورا أساسيا في تتويج أتليتكو مدريد بلقب الدوري الإسباني للمرة الأولى منذ 1996، بعد أن اهتزت شباكه في 24 مناسبة فقط خلال 37 مباراة، وبوصول نادي العاصمة إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 1974، قبل أن يسقط في المتر الأخير أمام الجار اللدود ريال مدريد. وما يؤكد حجم الموهبة التي يتمتع بها المنتخب البلجيكي، هو أن الحارس البديل سيمون مينيوليه أساسي في ليفربول الإنجليزي ولعب دورا حاسما أيضا في وضع «الحمر» على مشارف لقبهم الأول في الدوري المحلي منذ 1990، قبل أن ينتزعه منهم في المرحلة الختامية مانشستر سيتي الذي يقوده كومباني.

ويعاون كومباني في قلب دفاع «الشياطين الحمر» لاعبون لا يقلون شأنا عنه، مثل المخضرم دانيال فان بويتن (بايرن ميونيخ الألماني)، وتوماس فيرمايلن (آرسنال الإنجليزي)، ويان فيرتونغن (توتنهام الإنجليزي)، وتوبي الديرفيرلد (أتليتكو مدريد). كما أن فيلموتس بحد ذاته فرض نفسه من أفضل مدربي نهائيات البرازيل بفضل جرأته وتكتيكه المبتكر، وتنويعه الذي تجسد باستخدامه 21 من لاعبيه الـ23 خلال مشوار «الشياطين الحمر» في النسخة العشرين. كسر فيلموتس قاعدة تدريبية تعتمد عادة على الاستمرارية في التشكيلة الرئيسة، لكن طريقته أعطت ثمارها قبل أن يصطدم فريقه بميسي ورفاقه في الدور ربع النهائي. «لدي 23 لاعبا، وسيكون من الخطأ عدم الاستعانة بهم قياسا بقدرات الفريق المنافس، ومن ثم فإن التشكيلة الرسمية ليست ثابتة بالنسبة إلي في كل مرة، خصوصا أن الفريق المنافس يتغير أيضا»، هذه هي كانت فلسفة فيلموتس في نهائيات البرازيل. وفي الوقت الذي ينتظر فيه معظم المدربين الدقائق العشرين الأخيرة لكي يجروا تعديلات على التشكيلة بحسب مجريات اللعب أو الحالة البدنية للاعبين، فإن فيلموتس لم يتردد في إجراء تعديلات على فريقه في وقت مبكر. ففي مواجهة الجزائر، أجرى تبديلاته الثلاثة قبل الدقيقة 65 (46 و58 و65) ونجح اثنان منهما في قلب النتيجة في مصلحة فريقه، وتحديدا فلايني ومرتنس. وفي مواجهة روسيا، أشرك ديفوك أوريجي بعد مرور ساعة بدلا من لوكاكو فسجل هدف المباراة الوحيد في أواخرها. ويشرح فيلموتس طريقته بالقول: «معظم المباريات تتقرر في ربع الساعة الأخير، وإشراك لاعب في الدقائق الأخيرة لا فائدة له، لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا». وما يميز هذا المدرب أنه دائما ما يساند لاعبيه ويدعمهم حتى في حال الخسارة أو العروض غير المقنعة، كما حصل في ربع النهائي أمام الأرجنتين حين فضل التركيز في مؤتمره الصحافي الحديث عن المنافس عوضا عن تقييم أداء لاعبيه، عادا الأرجنتين «منتخبا عاديا جدا مع لاعب استثنائي».

وواصل فيلموتس: «كنا المنتخب الأصغر سنا في ربع النهائي دون شك، والمستقبل يبدو إيجابيا. حصلنا على فرصة أو اثنتين، لكنهما لم تكونا صريحتين. لكني لست منبهرا على الإطلاق بالأرجنتين. إنهم منتخب عادي جدا مع لاعب استثنائي»، في إشارة منه بالطبع إلى ميسي. أما هازار الذي كان من المفترض أن يكون نجم المنتخب الأول لكنه «اختفى» بتكتيك فيلموتس وبالتنوع الذي اعتمده المدرب الشاب، فقال: «أشعر بخيبة أمل كبيرة، لكننا حققنا إنجازا جيدا جدا في كأس العالم من خلال الوصول إلى هدفنا»، هذا ما قاله صانع ألعاب ليل الفرنسي السابق في حديث لموقع الاتحاد الدولي، مخفيا في نبرته شعور الحسرة على ضياع فرصة التأهل لنصف النهائي. واختلطت أمس الأحد مشاعر خيبة الأمل بسبب خروج المنتخب البلجيكي من منافسات كأس العالم بهزيمته (0 - 1) أمام نظيره الأرجنتيني في دور الثمانية من البطولة المقامة بالبرازيل مساء السبت، مع الشعور بالفخر في البلاد بعد الإنجازات التي حققها الفريق في المونديال. وجاء عنوان الصفحة الرئيسة لصحيفة «لا ديرنيير أور» البلجيكية الصادرة أمس الأحد: «يا لها من رحلة! شكرا لكم!».

وكانت الأجواء العامة هادئة أول من أمس في شوارع العاصمة بروكسل الممطرة، بعد مباراة الأرجنتين التي تابعها 16 ألف متفرج على الشاشات العملاقة باستاد روي بودوين» على أطراف المدينة.

ولكن التعليقات التي شملتها الصحف الصادرة اليوم كانت أكثر تفاؤلا واحتفالا. وكتبت هيئة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية الناطقة بالفرنسية «آر تي بي إف» على الإنترنت: «يعود الشياطين الحمر إلى الديار بقلوب مثقلة بالحزن، ولكن برؤوس مرفوعة أيضا بعد أربعة انتصارات في خمس مباريات ومكان بين أفضل ثمانية منتخبات في العالم». وكتب المحلل مارك ديجريسه بصحيفة «هيت لاتسته نيوز» الصادرة بالهولندية: «يستطيع الشياطين الحمر أن يعودوا أدراجهم إلى بلجيكا اليوم برؤوس مرفوعة». ورغم تأكيده أن المنتخب البلجيكي قدم مباراة جيدة فقد أصر على أن الفريق «لم ينضج بالقدر الكافي بعد» للتفوق على عمالقة كرة القدم.

وكتب كريستوف بيرتي، رئيس تحرير صحيفة «لو سوار» اليومية: «يجب ألا تمحو خيبة الأمل اللحظية باقي الإنجازات». وأضاف: «لقد أعاد الشياطين الحياة إلى الكرة البلجيكية ونجحوا في حشد البلاد كلها وراءهم. لقد قدموا صورة إيجابية وتألقوا.. وقاموا بمغامرة رائعة».