عقبات رئيسة قد تحول دون تحقق حلم أكراد العراق في إعلان دولتهم

في مقدمتها الاعتراضات الدولية والإقليمية وتداعياتها على صادرات الإقليم النفطية

TT

يملي انخفاض مخزون البنزين في المنطقة الكردية ترشيد الاستهلاك وساعات طويلة من الانتظار لتموين السيارات. وقد مضت شهور على موظفي الخدمات المدنية من دون رواتب عقب توقف بغداد عن صرف المدفوعات إلى الحكومة الإقليمية ردا منها على تصدير الأكراد للنفط من دون تصريح.

في الوقت نفسه، ظلت ناقلة مليئة بالنفط الكردي رابضة لأكثر من شهر قبالة سواحل المغرب، حيث منعت من تفريغ حمولتها المربحة بسبب ضغوط من دبلوماسيي الولايات المتحدة وتهديدات من مسؤولين في بغداد ضد أي مشتر بأنه سيواجه تحديات قانونية.

ظاهريا يبدو أن الأكراد يقتربون أكثر من أي وقت مضى من تحقيق حلمهم القديم بإقامة الدولة الكردية. إذ تترنح الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية أمام هجمات المتشددين الإسلاميين، في الوقت الذي سيطرت فيه المنطقة الكردية ذات الحكم الذاتي على مدينة كركوك الغنية بالنفط، وبدأت الاستعدادات لإجراء استفتاء على الاستقلال.

غير أن ذلك السعي وراء إقامة الدولة يسبب مجموعة جديدة من المشكلات. فبسبب عدم قدرة الأكراد على بيع نفطهم للخارج أو تكرير النفط في الداخل للاستخدام المحلي، انكمش اقتصادهم، الذي كان مزدهرا.

والآن، تتجمع القوى ذات التأثير، ليس فقط في بغداد، ضد السيادة الكردية، وحتى بعض المسؤولين الأكراد الذين يزورون واشنطن حاليا قالوا إنهم يدركون أن عليهم تأجيل مسعاهم نحو الاستقلال.

لقد وضع توزع الأكراد بين أربع دول (تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران) تاريخيا في وضع حرج حيال مسعاهم للحصول على الاستقلال وسط احتياجات ورغبات متصارعة من تلك الدول الأم، وقبل ذلك خلال حكم الإمبراطورية العثمانية. لكن غزو العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة بدا وكأنه يفتح سبيلا أمام الأكراد. فقد شكلوا قوة قتالية ذات فعالية عالية (البيشمركة) للدفاع عن إقليمهم وتطوير مصادر الطاقة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي. وقد ازدهر اقتصادهم بالفعل.

وعمل القادة الأكراد بتأن على توسيع الحكم الذاتي في المنطقة، وتجنبوا بعناية أي قطيعة تامة مع بغداد. وحين اجتاح المسلحون من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) العراق في ربيع هذا العام، بدا الأكراد أكثر استعدادا لزيادة نفوذهم، وربما باتوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان الدولة.

لكن القوى الكبرى حاليا تزيد من حدة اعتراضاتها. فالولايات المتحدة، من ناحية، تضغط على الأكراد للبقاء ضمن العراق والمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية التي تراها بمثابة نقطة انطلاق للتعامل مع الأزمة الراهنة. وحتى تركيا، وهي شريك اقتصادي مهم وقدمت المساعدة للأكراد في تصدير بعض من نفطهم، تعارض هي الأخرى الاستقلال، الذي تخشى أن يؤجج المشاعر الانفصالية بين أكرادها.

الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي أيدت القضية الكردية هي إسرائيل، التي تحتفظ بروابط تاريخية قوية، مع كونها سرية، مع الأكراد، وتعدهم أصدقاء نادرين في منطقة تتسم بالعداء. لكن هذا التأييد يحمل الكثير من المشكلات للأكراد.

وفي نهاية الأمر، ورغم أن صعود «داعش» قد أسرع من وتيرة تحرك الأكراد نحو الاستقلال، يظل طريقهم الأقصر باتجاه الاكتفاء الاقتصادي الذاتي وإقامة الدولة هو تصدير النفط الخاص بهم. لكن من أجل تحقيق ذلك، يتحتم عليهم التغلب على عدد من العقبات الدبلوماسية والقانونية.

إن بقاء الأكراد فوق بحر من النفط قد اجتذب بالفعل استثمارات كبيرة من عمالقة الطاقة مثل إكسون موبيل وشيفرون. ويقول خبراء النفط الإقليميون إنه يمكن لكردستان ضخ 60.000 برميل إلى 100.000 برميل في اليوم من خلال خط الأنابيب الجديد إلى تركيا. وقبل ذلك، كان يجب نقل النفط بواسطة الشاحنات إلى تركيا التي وقعت مع الإقليم اتفاقيات للطاقة طويلة الأجل تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وهو ما عدته بغداد والولايات المتحدة غير قانونية.

ويمكن لجهود التنقيب الإضافية مع إصلاح خط أنابيب شمال العراق الذي تعرض للتخريب عدة مرات أن تمكن كردستان من تصدير مليون برميل في اليوم، مما يجعلها منتجا من الطراز العالمي. لكن حتى الآن، لم يتمكن الأكراد من بيع الكثير من النفط الذي استطاعوا نقله إلى ميناء جيهان التركي، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث خشي المشترون من التبعات القانونية المحتملة.

وهناك أربع ناقلات، بما فيها تلك الناقلة العالقة قبالة سواحل المغرب، جرى تحميلها جميعها بالنفط الكردي في ميناء جيهان، غير أن واحدة منها فقط قد وجدت من يشتريها، ألا وهو كيان إسرائيلي مجهول الهوية، على حد قول أحد المسؤولين التنفيذيين في صناعة النفط.

وحتى قبل وقوع الأزمة الحالية، عارضت الولايات المتحدة تصدير الأكراد لنفطهم، خشية أن يؤدي إلى تفكك العراق. ويقول ديفيد جولدوين، الذي شغل منصب مبعوث وزارة الخارجية الأميركية الخاص لشؤون الطاقة الدولية في إدارة الرئيس باراك أوباما الأولى، إنه «لم تتغير سياسة الولايات المتحدة»، مضيفا «لا تزال السياسة الأميركية مهتمة بالمحافظة على وحدة أراضي العراق، وتعزيز الوحدة السياسية بين الفصائل الثلاث الكبرى ومعارضة انتهاك حكومة إقليم كردستان لتلك الوحدة من خلال تسويق نفطها رغم اعتراضات بغداد».

ووجدت دعوة مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، لإجراء الاستفتاء على الاستقلال دعما دوليا طفيفا، إذ لم يدهمها سوى قادة إسرائيل مثل بنيامين نتنياهو وشيمعون بيريس. وقال جولدوين «بمجرد أن أطلق بارزاني ذلك التهديد ودعمه نتنياهو وبيريس، تجد الأتراك يقولون إنهم لا يريدون إقامة دولة مستقلة في كردستان، وتؤكد الولايات المتحدة ذلك أيضا. لذا فإني أعتقد أن مستقبل حكومة إقليم كردستان يكمن في وجود علاقات اقتصادية قوية مع تركيا، وإذا عارضت تركيا الاستقلال، فلن يخرج الاستقلال بالنتائج التي يتوقعونها».

غير أن هناك علامات، مع ذلك، والحديث عن استفتاء الاستقلال ما هو إلا تكتيك للمساومة. ففي يوم الخميس، زار المسؤولون الأكراد العاصمة واشنطن، مما يشير إلى استعدادهم إلى النظر في أن التسويات السياسية من شأنها أن تبقي الإقليم ضمن العراق الموحد في مقابل مزيد من الحكم الذاتي ومزيد من التنازلات حول النفط. وقد اعترفوا كذلك بأزمة الميزانية التي يواجهونها، ناهيك بالنقص الحاد في الوقود. وقال فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان، في حفل أقامه في واشنطن الأسبوع الماضي معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «نحن بحاجة إلى الدعم والمساعدة. إننا لم نعد نتلقى الأموال من بغداد، لذلك نحن نحتاج إلى موارد مالية». وعبر عن اعتقاده بأن إدارة الرئيس أوباما ستعيد النظر في سياساتها تجاه مطالب كردستان المتزايدة بخصوص الحكم الذاتي، إن لم يكن في السيادة الكاملة. وأضاف «نشعر بأنهم مستعدون للاستماع».

وحتى الآن، ورغم ذلك، تبدو الإدارة الأميركية صارمة حيال منع تفكيك العراق، وإن كان المحللون يقولون إنها قد تكون مستعدة لزيادة مستوى الحكم الذاتي.

ومع تدفق النفط الكردي عبر خط الأنابيب إلى تركيا، على الرغم مما سبق، يخشى بعض المحللين من تعرض النقاش حول الاستقلال للخطر إذا ترك لتقرره الوقائع الحالية على الأرض.

وقبل شهور، قال دبلوماسيون أميركيون إنهم قد توصلوا إلى صفقة بموجبها يسيطر البنك المركزي العراقي على عائدات النفط من خلال حسابه في نيويورك. غير أن تلك الصفقة أخفقت بسبب إصرار الأتراك على إيداع الأموال في حساب الضمان لدى بنك «خلق بنك» الذي تديره الدولة التركية وكان في قلب إحدى فضائح الفساد أخيرا.

ومهما كانت النتيجة النهائية، يبدو أن الإقليم الكردي يواجه أوقاتا عصيبة، على الأقل حتى مرور الأزمة الراهنة، نظرا لأن عددا قليلا من شركات الطاقة الرئيسة على استعداد للاستثمار بكثافة في المنطقة حتى يتأكدوا من تجاوز مشكلات التسويق.

وقالت دينيس ناتالي، وهي خبيرة في الشؤون الكردية لدى جامعة الدفاع الوطني في واشنطن «شركات النفط حذرة للغاية حيال التعامل مع ما يعد سلعة ساخنة. فتلك النوعية من الصادرات صغيرة الحجم لا يمكن أن تقدم المزيد لتلبية الاحتياجات المالية للأكراد. ليس للأكراد خط الأنابيب، والسعة التخزينية، والدعم السياسي أو الاعتراف القانوني لضمان الصادرات واسعة النطاق والمستمرة والخالية من المخاطر».

* خدمة: « نيويورك تايمز»