مؤسسات سعودية تستثمر «الغبقة الرمضانية» للتواصل مع نخبة المجتمع

عادة شعبية تحكي تاريخ الخليج.. وتشهد منافسة النسوة على الأزياء التراثية

TT

يتردد في دول الخليج مصطلح «الغبقة» الذي يعني العشاء الرمضاني المتأخر، بحيث يسبق وجبة السحور، وهي عادة شعبية قديمة تحولت الآن إلى مناسبة اجتماعية سنوية، تحرص على إقامتها الكثير من الجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الربحية وبعض الشركات في السعودية، بهدف مد جسور التواصل بينها وبين أفراد المجتمع، خاصة من قبل السيدات اللاتي يولين اهتماما كبيرا بهذه العادة الشعبية.

ويبدو القاسم المشترك في أي «غبقة» رمضانية هو ارتداء الأزياء التراثية، بما يشمل ذلك الجلابيات للنساء والأثواب التقليدية بالنسبة للأطفال، وهو ما يضفي على احتفال «الغبقة» صبغة تاريخية مميزة، في حين تحرص الكثير من المؤسسات على استقطاب بعض الشخصيات الشعبية الشهيرة، مثل «الحكواتية» وأصحاب الموروث الشعبي، بهدف استقطاب أكبر قدر من الحضور.

ومن ذلك «الغبقة» التي أقامها صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة، مساء الأول من أمس بمدينة الخبر، بحضور فاق الـ200 امرأة، حيث تزين مقر الصندوق بالروح التراثية وشهد الحفل حضور نخبة من سيدات المجتمع اللاتي ارتدين أرقى الجلابيات وتعطرن بالبخور الفاخر، في حين رافق الغبقة عرض عدد من المشاريع النسائية من مستفيدات الصندوق، والتي ضمت في مجملها قطعا يدويا وأعمالا صاغتها أيدي فتيات سعوديات خلطن بين الموهبة والتجارة.

واستضافت «الغبقة» الدكتورة عائشة اللوغاني، وهي استشارية ومدربة نفسية، في ورشة عمل بعنوان (كوني أنت)، تحدثت خلالها عن الضغوطات الاجتماعية والنفسية التي تواجه المرأة، مشيرة إلى أن متغيرات المجتمع الخليجي تجبر المرأة على التطوير والتغيير في ذاتها، وأضافت بالقول: «أكثر مرتادي العيادات النفسية هن من النساء، وتتراوح أعمارهن من 22 إلى 45 سنة، وأكثر المشتكيات مصابات بمرض الاكتئاب»، وهو ما أرجعته إلى «الجفاف العاطفي» بحسب قولها.

ووجهت اللوغاني النصيحة لحاضرات «الغبقة» في العمل على ترتيب الأولويات، قائلة: «إن 90 في المائة من مشاكل النساء تأتي بسبب عدم تنظيم الأمور من قبلهن فالموازين ما زالت غير معدلة، ونحن لا نريد أن تكون المرأة المتسلطة نموذجا في مجتمعاتنا، فحب الذات ليس التسلط وإنما هو حماية وتنمية»، وطالبت اللوغاني بضرورة الابتعاد على الانفعالات وغيرها من المؤثرات السلبية التي «تنتج فكرا سلبيا، وتؤثر على حياة الأشخاص وبالتالي يصبحون غير قادرين على التعامل مع المشكلات».

ورغم ثراء ورشة العمل التي قدمتها اللوغاني، فإنها تعكس مؤشرا للتطور الذي أصبح يشهده مفهوم الغبقة الرمضانية، حيث أصبحت تشمل تقديم جوانب تثقيفية وتوعوية ورسائل تستهدف تنمية الذات وتوعية المجتمع، وهو ما دفع القائمين على صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة إلى استضافة اللوغاني التي كسرت الأجواء التقليدية المعروفة عن تقليد الغبقة.

في حين ضمت هذه «الغبقة» فعاليات أخرى متعددة شملت: نقش الحناء، معرض المشاريع، زاوية التصوير الفوري، مقهى (بيز) الشعبي، وفقرة (سوالف أم هلال) التي قدمتها الممثلة البحرينية سلوى بخيت، عبر مفارقة بين الماضي والحاضر، مستشهدة بقصص خيالية، هدفت فيها إلى تسليط الضوء على الكثير من القضايا التي تشغل بال المجتمع، كعمل المرأة، ودور المرأة في المجتمع، واعتبارها اللبنة الأساسية في المنزل، وكيف للمرأة أن تحافظ على زوجها، وموضوعات أخرى تطرقت إليها على مدى ساعتين.

من جهة ثانية، نظمت الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية هي الأخرى غبقة رمضانية، مساء أمس الاثنين، حيث اتخذ اللقاء صبغة دينية من خلال استضافة الداعية السعودية نهى العمري، التي تحدثت في محاضرة على مدة ساعة كاملة تحت عنوان (الرحمن)، وحظيت هذه الاحتفالية بحضور نسائي كبير، ممن توجهن إلى مقر الغرفة التجارية مرتديات الأزياء التراثية الفاخرة.

ورغم أن غبقة صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة وغبقة غرفة الشرقية أقيمت كل منهما في مقر الجهة المنظمة، فإن الكثير من المؤسسات وبعض جهات القطاع الخاص تفضل إحياء حفل «الغبقة» في أحد الفنادق أو الخيام الرمضانية المقامة فيها، في حين تكثر الغبقات في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، حيث وجدت الشركات والهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني فيها فرصة لتعزيز علاقات منتسبيها وتجسير هوة العلاقات بين المسؤولين والعاملين في جلسات حميمية بعيدا عن أجواء العمل.

وتصنف الغبقات إلى نوعين، إما بسيط وشعبي، أو فاخر وعلى مستوى خمسة نجوم، حيث يتضمن الصنف الثاني إقامة المسابقات وتقديم الجوائز القيمة وإدخال بعض الألعاب الشعبية، وإحياء الأناشيد القديمة وتقديم عروض فولكلورية من التراث، وتهيئة الجلسات الشعبية التي تشمل في بعض الأحيان وجبة السحور، وتمتد إلى ما قبل أذان الفجر.

يضاف لذلك استثمار الكثير من الجمعيات الخيرية لمفهوم «الغبقة» في الاستفادة من تبرعات الحضور، عبر إقامة الليالي الرمضانية نظير رسوم رمزية للحضور، وهو ما يصب في صالح مشاريع وأعمال الجمعيات الخيرية، الأمر الذي يجعل «الغبقة» تفتح بابا جديدا للعمل الخيري، خاصة شرق السعودية، التي تشتهر بها هذه العادة بصورة تفوق فيها بقية المناطق.