حزن يخيم على جنوب السودان في ذكرى استقلاله الثالث بسبب الحرب الجديدة

السياسي الجنوبي إدوارد لينو لـ«الشرق الأوسط»: نحن في حفل تأبين لذكرى الاستقلال

TT

تحتفل دولة جنوب السودان اليوم بالذكرى السنوية الثالثة لاستقلالها في ظل حرب أهلية حصدت الآلاف من المواطنين ونزوح أكثر من مليوني شخص مع شبح مجاعة يخيم على البلاد بعد أشهر، بحسب تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتباينت الآراء في أحدث دولة في العالم حول مستقبلها والدروس المستفادة من الصراع الحالي وآفاق المستقبل، حيث ينظر البعض إلى أن حزب الحركة الشعبية الحاكم منذ استقلال البلاد انقسم إلى القبلية وانغمس في الفساد، فيما يرى آخرون أن الحركة اختطفها أعداؤها القدامى وهم وراء الحرب الحالية.

وقال رئيس الاستخبارات السابق في الجيش الشعبي إدوارد لينو لـ«الشرق الأوسط» إن أفضل وصف في ذكرى الاستقلال اليوم أن شعب الجنوب في حفل تأبين لاستقلالهم وليس إقامة مهرجانات بسبب اندلاع الحرب بعد عامين من الاستقلال، وأضاف أن جنوب السودان يعيش أسوأ أوضاعه بعد استقلاله عن السودان وأن مهام كثيرة لم تنجز خاصة في تقديم الخدمات للمواطن من مياه شرب نظيفة، تعليم، كهرباء وطرق معبدة، وأضاف: «قارورة المياه في جوبا أغلى من الفاشر في غرب السودان، والموظفون الكبار في الدولة يرسلون أطفالهم في مراحل الأساس إلى كينيا، أوغندا وإثيوبيا»، مشيرا إلى أن الدولة الجديدة فشلت في إنشاء مستشفيات كبيرة، وأن المستشفى الوحيد موجود في جوبا، وأن الطريق الوحيد الذي أنجز هو الرابط بين جوبا ونمولي على الحدود مع أوغندا.

وقال لينو إن جنوب السودان لم يعِد بناء المصانع التاريخية التي توقفت منذ أكثر من 30 عاما عندما اندلعت الحرب بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي بقيادة جون قرنق، وأضاف أن هناك مصانع للسكر في «منقلا، ملوط ويامبيو» ومصنعين للبيرة والأخشاب في مدينة واو بغرب بحر الغزال وأن هناك أسبابا تاريخية لم تعِد تلك المصانع إلى العمل من جديد، وقال إن الحرب التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أسبابها صراع على السلطة وأوقفت دولاب الدولة إلى جانب توقف النفط، وتابع: «لقد تم قتل أرواح وتحطيم مدن كبرى مثل بور، الرنك وبانتيو وتدمير البنيات التحتية تماما». وقال: «يضاف إليها فقدان الجنوبيين للقائد المؤسس جون قرنق الذي كان يملك رؤية كاملة للتخلص من القبلية وكيفية إحداث التنمية للإنسان».

وقال لينو إن الأطراف المتحاربة لا تملك رؤية حقيقية لمستقبل البلاد، وأضاف: «ولكن ستظل أحلامنا موجودة بالتمسك بالمستقبل وتطبيق رؤية الراحل قرنق في السودان الجديد وجنوب السودان الجديد خاصة أن الدولتين تعانيان الحرب الأهلية، ولكن سيأتي جيل جديد سيتمسك بهذه الرؤية»، مشددا على أن حزب الحركة الشعبية سيظل هو الحزب الوحيد الذي يمكن أن يقود البلاد، وأضاف: «وزير الداخلية الحالي اليو ايانق اليو ومستشار الرئيس تيلار رينق دينق وآخرون كانوا مفصولين من الحركة وعادوا إليها واختطفوا الحزب وقادوا البلاد لما نحن فيه الآن».

من جانبه قال عضو برلمان جنوب السودان اتيم قرنق لـ«الشرق الأوسط» إن استقلال بلاده يعد مكسبا كبيرا بعد أن خاض شعبها حروبا لأكثر من 190 عاما عندما كانت ضمن السودان قبل استقلاله وبعده، وأضاف أن دولة الجنوب رغم الحرب الدائرة فيه فإنها لا تختلف عن دول العالم الثالث بعد الاستقلال من الصراعات الداخلية، مشيرا إلى أن الحرب في جنوب السودان تركة من الاستعمار الأجنبي الذي يعمل على تفتيت المواطنين بسياسة «فرق تسد»، لكنه عاد وقال: «هذه الحرب أعادت جنوب السودان 50 عاما إلى الوراء خاصة في البينات التي تم تحطيمها في جونقلي، أعالي النيل والوحدة وهتكت النسيج الاجتماعي»، وأضاف: «هذه الحرب ليست آيديولوجية، لذلك كانت مدمرة، واستفاد منها أعداء جنوب السودان وحتى أصدقاؤه؛ لأن صداقة الدول مثل اللصوص الذين يختلفون في تقاسم المسروق»، داعيا أطراف النزاع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى حلول سلمية، وقال إن شكل ونظام الحكم يجري عبر الدستور الذي لا بد أن يجري الاستفتاء عليه.

وقال قرنق إن التفرقة هي التي ضربت استقلال البلاد إلى جانب عدم الاستفادة من الموارد الكبيرة في الدولة وتوزيعها بعدالة وإجازة دستور دائم يجري الاستفتاء عليه على نهج ديمقراطي، رافضا أن تقود الحرب الأهلية إلى انهيار الدولة في حال عدم التوصل إلى سلام، وقال: «حتى الصومال لم ينهر كدولة رغم الحرب التي استمرت لأكثر من عشرين عاما ولم يجر ضمها إلى أي دولة مجاورة لها، ولن تستطيع أي دولة ضم جنوب السودان إليها». وأضاف: «حتى البلدان المجاورة لنا فيها حروب أقدم من دولة جنوب السودان مثل الكونغو، أوغندا، كينيا والسودان فيه ثلاث حروب داخلية»، مشددا على ضرورة إكمال الرئيس سلفا كير دورته الانتخابية في العام المقبل لا إجباره بالقوة على إنهائها، مشيرا إلى أن الدولة حاليا تعد لا مركزية، وهي لا تختلف عن الفيدرالية في شيء، وإنما التسميات هي المختلفة.

وسيحضر أكثر من 30 ألفا من قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار نائب الرئيس السابق وقائد التمرد الحالي، احتفالات الاستقلال من داخل معسكرات الأمم المتحدة في جنوب السودان، وواحدة منها قرب مكان الاحتفال في جوبا، وقد لجأوا إليها بعد المعارك العنيفة التي اندلعت في الخامس عشر من ديسمبر الماضي.

من جانبه قال الصحافي كور متيوك لـ«الشرق الأوسط» إن الدروس المستفادة منذ الاستقلال وبدء الحرب الداخلية أن حزب الحركة الشعبية بدد أحلام الشعب بالشعارات التي كان يرفعها من دولة خالية من الفساد والقبلية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة على أساس الحقوق والواجبات، وأضاف: «الحركة الشعبية أثبتت عكس ما تقول، ورغم المرارات فإن شعب جنوب السودان ما زال لديه الأمل في بناء وطن يسع الجميع».

ومن جهتها قالت الصحافية اجوك عوض لـ«الشرق الأوسط» إن الاستقلال لم يتحقق مع الأوضاع الحالية من حروب وصراعات وإن قيادات الدولة ما زالوا أسرى لأطماع ذاتية وطموحات شخصية، وإن حال جنوب السودان أصبح أسوأ مما كان عليه في حربه مع الدولة الأم (السودان)، وأضافت: «ما زلنا نعيش على الإعانات التي تأتي من المنظمات الدولية، إلى جانب استجداء دول العالم المنح، وشعب جنوب السودان ما زال يفترش أرض المعسكرات داخل بلاده، وهي أسوأ وأبشع صورة»، مشيرة إلى أن هناك أعدادا كبيرة من الجنوبيين اللاجئين في دول الجوار يعانون الضياع والتشرد، وقال: «هذه هي إخفاقات نخب دولة ما بعد الاستقلال».