أجواء رمضانية خجولة في بغداد بسبب الوضع الأمني

نشرات الأخبار تشد المشاهدين أكثر من المسلسلات

رغم ارتفاع الأسعار قليلا في شهر رمضان فإن ذلك لم يمنع عوائل كثيرة من تجهيز مطبخها بما تحتاجه من مواد غذائية - سوق الشورجة في بغداد
TT

على الرغم من تراجع الكثير من الطقوس الرمضانية البغدادية الشهيرة، بعد تدهور الأوضاع الأمنية، فإن ذكريات الأمس لا تزال حاضرة بقوة في جلسات كبار السن من خلال محاولاتهم الخجولة لاستعادة أجواء رمضان وعاداته خشية اندثارها، وهي التي كانت من أهم مميزات بغداد خلال عقود طويلة مثل إقامة ولائم الرحمن وتلاوة القرآن والمسابقات الرمضانية وإطعام الفقراء وتبادل الأطباق الشهية بين سكان الحي الواحد. الشيخ حاتم السعدي، 68 عاما، يسكن منطقة المنصور (شرق بغداد) يحرص على سرد الكثير من ذكرياته في رمضان وهو يجتمع بأحفاده على وجبة الفطور أو عندما ينصت بفرح إلى ضربات المسحراتي ليلا.

يقول: «كل شيء تغير اليوم، حتى ضربات المسحراتي الذي صار يسرع في تجواله، ويخفض من صوت طبلته كما أنه يرفض الدخول للكثير من الأزقة بسبب التشديدات الأمنية عليها، لذا صارت العوائل تعتمد على حالها بتوقيت الساعة لأجل القيام للسحور».

وأضاف: «حظر التجوال قيد حركة الناس، وصارت معظم التجمعات موضع خوف من استهدافها، لذا اقتصرت في البيوت أو في ركن منزو من أزقة الحي وبمشاركة أناس معروفين من الجميع، وعادة ما تنهي طقوسها الرمضانية من ألعاب محيبس أو مناظرات ثقافية أو أمسيات فنية في وقت مبكر».

ويعود الحاج حاتم بذاكرته إلى أيام مضت وهو يستذكر عادات إسلامية كان البغداديون حريصين عليها مثل ابتداء إفطارهم بتناول حبات من التمر واللبن، ثم يتناولون أطعمتهم الأخرى التي تحفل بأنواع اللحوم وما إليها، وبنهاية الإفطار يخرج الناس خصوصا الصغار وترديد الألحان البغدادية الشعبية وتبادل الزيارات والتهيؤ لمشاهدة ألعاب المحيبس الشهيرة. ولعل أشهر تلك الليالي هي ليلة القدر التي تضيء فيها الأنوار حتى الصباح ويثابر الناس مع أئمة الجوامع للصلاة والعبادة.

بدورها تصف أم أمير، 45 عاما، تسكن منطقة الشرطة الرابعة في غرب بغداد، أنها اعتادت على إخراج الأطباق من بيتها ساعة الإفطار لجيرانها الأقرب، وهم يبادلونها ذلك، ولم تقطع عادتها تلك عدا أنها صارت تسرف في تحذير أولادها من اللعب والتجمع في الخارج بسبب الأخبار التي تصفها بأنها «مو زينة». وعن أمنياتها في رمضان تقول: «هي أمنية كل عراقي اليوم، نحلم بالأمان والسلام ولا نريد أكثر من ذلك».

أما هاجر أحمد، موظفة في وزارة الثقافة العراقية، فتقول إنها صارت تفضل وعائلتها متابعة الأخبار السياسية وتحركات داعش أكثر من متابعة المسلسلات الرمضانية المشوقة.

وتصف أجواء رمضان هذا العام بالخجولة والخائفة، لكنها لا تخفي ولعها بأن تجهز ملابس جديدة وجميلة للعيد المقبل.

وفي وقت غابت فيه مشاهد تزويق الشوارع والساحات العامة بالأضواء الملونة ابتهاجا بالشهر الفضيل، فانقطاع التيار الكهربائي تحالف مع الظروف الأمنية وارتفاع درجات الحرارة التي صارت تثقل كاهل العراقيين وهم صائمون، الأمر الذي استدعى بعض المحال في المناطق المزدحمة إلى تعليق صنابير مياه يستخدمها المارة لتبريد رؤوسهم مجانا ريثما يصلون بيوتهم.

وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار قليلا في شهر رمضان، فإن ذلك لم يمنع عوائل كثيرة من تجهيز مطبخها بما تحتاجه من مواد غذائية لأجل إعداد أطباق رمضانية شهيرة مثل الهريسة والدولمة والبرياني والكباب المشوي والدجاج المحشي والمقبلات والمخللات والعصائر بشتى أنواعها، إضافة إلى تجهيز شوربة العدس الأساسية في كل وجبة إفطار، ولا تخلو مائدة عراقية من الحلويات التي تنشط محال عدة بتوفيرها مثل الزلابية والشعرية والبقلاوة وزنود الست والكنافة.

يقول أبو إسراء من محلة الكسرة الشعبية في بغداد، إنه اعتاد على تجهيز فريقين متباريين لأجل لعبة المحيبس من محلات مجاورة في كل شهر رمضان، لكنه هذا العام يجد صعوبة في إقناع الجميع بمزاولتها خشية استهداف تلك التجمعات واختراقها من قبل الإرهاب.

ولعبة المحيبس هي لعبة جماعية شعبية تمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين ويضم كل فريق من الفريقين المتنافسين الذي يمثل الحارة أو الزقاق أو المحلة أو المدينة أكثر من عشرة لاعبين ويصل أحيانا إلى ألف لاعب في الفرق الكبيرة ومثله في الفريق الخصم ومن أهداف هذه اللعبة تقوية أواصر المحبة والصداقة بين أبناء الحي الواحد. ومن أهم طقوسها تناول الفريقين بعض الحلويات المعروفة كالزلابية والبقلاوة في نهاية اللعبة ويتحمل الفريق الخاسر أثمانها.

وعلى امتداد ضفة دجلة، في وسط العاصمة بغداد تنتشر مطاعم كبرى افتتحت خلال السنوات الأخيرة، وهي تحاول جذب زوارها لتقديم وجبة إفطار مميزة مثل كل عام، لكنها تشهد خفوتا في إقبال الناس عليها نسبة إلى العام الماضي بسبب أوضاع البلد الصعبة.

يقول أبو واثق صاحب مطعم ركن الجادرية العائم في نهر دجلة: «موسم رمضان هذا العام جاء مخيبا للآمال من حيث الإقبال على ارتياده كما في العام الماضي، ولكنه مع ذلك يحرص على مفاجأة جمهوره بطبق جديد كل يوم في وقت الإفطار، وتوفير الخدمة المميزة».

ويعلق على ذلك بالقول: «لا بد أن تستمر الحياة، وإن شاء الله سحابة وتعدي، ويعود العراق أفضل من الأمس».